تعاملت الادارة الأمريكية بحذر شديد وشك بالغ مع تصريحات الرئيس الروسى الأخيرة والتى ألمحت الى الدعوة لتأجيل الاستفتاء فى شرق أوكرانيا وأيضا الى انسحاب أو تحرك للقوات الروسية بعيدا عن الحدود الأوكرانية. «نبرة بوتين الهادئة » لفتت انتباه المسئولين والمراقبين الأمريكيين الا أنهم لم يعربوا عن «تفاؤلهم» تجاه تخفيف حدة التوتر. وبررت الادارة تحفظها تجاه التصريحات بأنها فى حاجة الى أفعال لا أقوال. استفتاء شرق أوكرانيا اذا حدث سيزيد من تدهور الوضع ويمكن أن يؤدى الى تصعيد جديد. ويرى أغلب المعلقين أن امكانية تكرار سيناريو ما حدث فى القرم أمر وارد بل مرجح حدوثه فى الأجواء السائدة حاليا. «اذا حدث استفتاء انفصالى تعترف به روسيا ويؤدى الى قيام قوات حفظ سلام روسية بالتحرك نحو شرق أوكرانيا» فان هذا سيكون حسب ما قالته فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوروبية «ضغطا على الزناد» وتفعيلا لعقوبات أكثر. والحديث لم يتوقف فى واشنطن عن احتمال تطبيق عقوبات أكثر وأشد على قطاعات كبيرة من الاقتصاد الروسى ولدوائر ذات نفوذ كبير ومقربة من الرئيس بوتين. وكانت نولاند فى جلسة استماع قد عقدت منذ أيام أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. وفيها تزايدت الأصوات المطالبة بتشديد العقوبات الآن بدلا من الانتظار الى يوم 25 مايو يوم الانتخابات الرئاسية فى أوكرانيا. «لماذا لا نفعله الآن .. اذا كنا نعرف الى أين تسير الأمور؟!». قاله السناتور ماركو روبيو «جمهورى من ولاية فلوريدا» فى اشارة واضحة إلى أنه مثل زملائه لا يتوقع تغييرا فى موقف بوتين ولا تراجعا عن تدخله فى الشأن الأوكراني. وكان الرئيس الأمريكى أوباما والمستشارة الألمانية ميركل قد أعلنا بعد لقائهما فى واشنطن مؤخرا بأن أى محاولة من جانب موسكو لاعاقة وعرقلة الانتخابات الرئاسية فى أوكرانيا تعنى عقوبات أكثر وأشد. فى جلسة الكونجرس كررت نولاند ما أسمته «الأعمدة الأربعة» فى سياسة الادارة الأمريكية بالنسبة لتعاملها مع الأزمة الأوكرانية وهى «دعم أوكرانيا وطمأنة حلفاء الناتو فى شرق أوروبا» ثم «ايجاد تكلفة وثمن للسلوك الروسى والاحتفاظ بالباب مفتوحا من أجل خفض التصعيد وحدته» وقد شهدت واشنطن خلال الأسبوع الماضى تحركات سياسية واقتصادية وعسكرية للتعامل مع الأزمة الأوكرانية بملفاتها المختلفة. فبعد قمة «أوباما ميركل» حدث لقاء «آشتون كيرى» فى تشاورات ومفاوضات مكثفة تسعى لتنسيق الجهود بين واشنطن والاتحاد الأوربى ل «تضييق الخناق» على موسكو من جهة و«تقديم الدعم» لكييف من جهة أخري. فى وقت شهد فيه الكونجرس جلسات خاصة بالأزمة الأوكرانية حضرها من جانب الادارة مسئولون بالخارجية والدفاع والمالية وأجهزة أخرى معنية بالشأن الأوكراني. كما أشارت تقارير صحفية الى سعى البيت الأبيض لاقناع شركات أمريكية كبرى بعدم المشاركة فى منتديات ولقاءات اقتصادية تجارية ترعاها أو تستضيفها موسكو. فى حين ناشد تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكى الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى (الناتو) الى زيادة ميزانياتها الدفاعية وتطوير برامجها للتسليح وأيضا إسهاماتها العسكرية فى الترتيبات الجديدة المزمع اجراؤها ونشرها على امتداد دول الجوار لأوكرانيا. وقد لوحظ فى الأسابيع الأخيرة اهتمام دوائر عسكرية واستراتيجية عديدة بخرائط واجراءات وترتيبات الأمن والدفاع على امتداد أوربا. فالأصوات والتحذيرات الآتية من القارة تحديدا تدفع بأولوية الترتيبات الأمنية لضمان أمن دول شرق أوروبا واستقرارها خاصة تلك التى كانت من قبل فى منظومة الاتحاد السوفيتي. وفى جلسة الكونجرس الخاصة بأوكرانيا حاصر الأعضاء مسئولة البنتاجون ايفلين فاركاس نائبة مساعد وزير الدفاع بأسئلة وانتقادات حول ما تقدمه الادارة لأوكرانيا واستعدادها العسكرى لمواجهة الغزو الروسي. خاصة أن الادارة مازالت متحفظة ومترددة فى تقديم مواد قتالية وأن حجم هذه المساعدات لا يزيد على 18 مليون دولار فى صورة ملابس عسكرية ووسائل انتقال ووجبات غذائية! وذكرت فاركاس أن زيادة حجم المساعدات أمر مأخوذ فى الاعتبار وان كان تسليح القوات الأوكرانية لمواجهة الروس « أمر لن نتمكن أبدا من تحقيقه فى وقت قصير». ومن الطبيعى أن يراقب شعوب العالم وقادتها باهتمام بالغ تطورات المواجهة القائمة بسبب الأزمة الأوكرانية. فالكل يريد أن يرى مدى استعداد موسكو و«طموحها» للمضى قدما فى تحركاتها وخططها، وفى المقابل مدى قدرة واشنطن ورغبتها فى التحدى أو التصدى للتحرك الروسي. وهل محاولات تفادى التصعيد ستأتى بثمارها؟ أم انها ستبقى مبررا لاطالة أمد الأزمة دون التوصل الى حل سياسى أو دبلوماسى يقوم على أساسه الطرفان (الروسى والأوكراني) باجتياز المواجهة الحالية.والأهم بالطبع أن يسعى الطرفان للانتقال الى مرحلة جديدة تتعامل مع حقائق الواقع الجديد وتتفادى تكرار أخطاء الماضي. فلم يعد كافيا ولا منطقيا وبالطبع بعيدا كل البعد عن «الرؤية الاستراتيجية» التعامل مع الأزمة الأوكرانية باتباع أساليب «احتواء الموقف» أو «محاولة التقليل من تبعات الأزمة» فالقضايا التى أثيرت وطرحت وفرضت نفسها فى الأسابيع الأخيرة تتطلب بلا شك مواجهة حقيقية ورغبة أكيدة من كل الأطراف فى طرح الملفات برمتها ومناقشة حلول وتسويات توافقية لها من خلال دبلوماسية تتعامل مع المستجدات وأيضا مع عناصر القديم بشكل أو آخر وأن تكون هذه الدبلوماسية مقتنعة بأن حالة الفوضى لا يمكن أن تكون واقعا جديدا .