بعد أن وصلت العام الماضي الى المركز ال 72 من بين أشهر 100 مصمم معماري حول العالم، تمكنت المهندسة المعمارية المصرية داليا السعدني هذا العام من تحقيق نقلة حقيقية لترتيب مصر في مجال التصميم والعمارة، بعد ان حصلت على 7 جوائز دفعة واحدة في مسابقة A ‹Design Awards الايطالية الدولية، ليصعد ترتيب مصر من المرتبة ال 182 إلي المرتبة ال 25 علي مستوي العالم، وتحصل داليا على المرتبة ال12 بين أشهر المصممين حول العالم لعام 2014، بعد منافسة مع أكثر من 12 ألف متسابق. فوز داليا العام الماضي بثلاث جوائز حفزها للمشاركة هذا العام بعدد أكبر من المشروعات في مختلف مجالات التصميم، لكنها لم تكن تتوقع الحصول على جوائز للمشروعات السبعة ، وهي سابقة لم تحدث من قبل الا مع أحد المصممين الاتراك. «الأهرام» التقت المهندسة داليا السعدني التي كانت أحد الأسماء المرشحة لتولي وزارة البحث العلمي في حكومة الدكتور حازم الببلاوي، وبعد أن بدأ حديثنا عن الفن والعمارة والتصميم، انتهى الى مشاكل مصر من ازمة مرور وغياب للقانون وانعدام للتخطيط.. أمنيتها ان تؤسس مركزا للتفكير أو ما يعرف ب think tank، يضم كل الشخصيات المصرية القادرة على تقديم افكار وخطط قابلة للتنفيذ في مختلف المجالات ، بشرط ألا يكون لديهم اي طموحات سياسية، اما أمنيتها الخيالية فهي ان تضغط على«زر» فيختفي من سمتهم ب «الطفيليين» الذين يعيشون عالة على المجتمع، ولا يبرعون الا في الشكوى وندب حظوظهم.. فإلى الحوار: في العام الماضي حصلت على جائزة عن تصميم لمائدة مستوحى من شكل «وابور الجاز»، وهذا العام عن قطعة أثاث مستوحاة من عين «رع» او «حورس»، فهل تتعمدين ابراز «التراث» القديم في تصميماتك؟ أحرص دائما علي البعد تماما عن تقليد التصميمات الحديثة الغربية، وابراز الهوية العربية والمصرية وهي ثرية جدا, وليس كما يحصرها البعض في الطرز الفرعونية، وقد حصلت على الجائزة البلاتينية عن قطعة من الأثاث تم تصميمها على شكل عين رع أو حورس المشهورة في التاريخ المصري القديم لتكون أقرب إلي مكان للاستراحة في الشوارع والميادين العامة، و كان طموحي هو دمج التاريخ المصري القديم ، مع المنهجية المستقبلية للتصميم، ليكون لدي في النهاية تصميم يرمز الى القوة من حيث المعنى مع الانسيابية في الشكل فيما هو معروف بال fluid or flowing design . حصلت على الجائزة الذهبية عن مشروع تطوير لميدان التحرير، وكثيرة هي المشروعات التي قدمت لتطويره ، فما الذي يميز مشروعك؟ معظم تلك المشروعات يتعلق باقامة نصب تذكارى في وسط الميدان، اما مشروعي فعبارة عن تخطيط شامل للميدان ،وتحويله لمنطقة مشاة فقط مع الابقاء على كل مبانيه ، وقد درست التخطيط العمراني للمنطقة والحركة المرورية وقمت بعمل التحويلات اللازمة ، فالقاهرة، تلك المدينة الكبيرة المزدحمة، لا يوجد بها متنفس حقيقي للبسطاء للتنزه، فالمكان تاريخي، ويعتبر منذ بدايات القرن العشرين رمز الاعتراض والثورات، وكل ما يحيطه من مبان له قيمة تاريخية وسياسية فضلا عن قيمته السياحية ، و هدفي ان يتفاعل الناس مع المكان، وهذا لن يتحقق من خلال مرورهم بالسيارات. وقد قمت بتوفير مساحة كبيرة للمقاهي التي تعتبر «روح» وسط البلد، حيث كانت ملتقى كبار الادباء والكتاب ، كما صممت حائطا زجاجيا امام مجمع التحرير ليكون بمثابة حائط تذكاري، مع توفير اماكن لجلوس المارة والاستمتاع بالمباني التاريخية ، او للقراءة او الاسترخاء او الانتظار، فالمصريون المنهكون لا يجدون اي متعة او متنفس، فأين الاهتمام بسيكولوجية البشر؟! وبالمناسبة فإن هذا الاهمال «النفسي» ادى الى ما نشاهده من «تلوث اخلاقي» وهمجية لدى المصريين في الشارع، ويحزنني كثيرا ان تتحول القاهرة على مدى 70 عاما من أجمل المدن في العالم الى أكثرها قبحا. وليس ميدان التحرير وحده الذي يحتاج الى تطوير ،فكل ميادين مصر يجب ان تكون متنفسا حقيقيا ،فميدان مصطفى محمود في منطقة المهندسين ، به حديقة كبيرة ،لكن ما الفائدة منها اذا كان الناس محرومين من الجلوس بها؟! اذن لا ترين ان تصميمك سيعيق المرور في المنطقة؟ المشكلة ليست في هذه الدائرة التي اغلقتها، فأزمة المرور سببها بالاساس غياب الرؤية والتخطيط، وعدم محاسبة المخالفين،والمواصلات العامة رديئة الخدمة التي تدفع كل فرد الى التنقل بسيارته الخاصة ، و التطاول على جراجات العمارات وتأجيرها كمحلات تجارية ومخازن، وأتساءل: كيف يتم عمل «جزيرة» عرضها 5 امتار في شارع ضيق، ثم نندهش من وجود تكدس مروري؟! طرحت مؤخرا مشروعا بعنوان»وجه مصر» الذي تهدفين من خلاله الى خلق شخصية معمارية وعمرانية لمصر . كيف يكون ذلك؟ مازلت مصرة على ان تاريخ وعراقة بلد بحجم مصر لابد ان يظهرا في شوارعها ومبانيها ، ومن المحزن ان نرى دولا اقل شأنا من مصر بمراحل لكنها تتميز بطابع معماري معروف ، اما لدينا ، فالكل يفعل ما يحلو له دون التقيد باي قوانين او قواعد ، وكلنا يري الشرفات المطلية بدهانات ذات الوان مختلفة في عمارة سكنية واحدة ،ويتم تركيب أجهزة التكييف في اي مكان وهناك من يغلق شرفة او نافذة ليشوه تصميم المبنى بأكمله ، ولم تعد العشوائية مقتصرة على الاحياء البسيطة او الشعبية وانما غزت ما يسمى المناطق الراقية، فالقبح ممتد لان المنظومة العامة لا تمنعه، وحتى لا يعتقد البعض ان مشروع وجه مصر يهدف فقط الى توحيد الوان الطلاء لواجهات المباني، بل يعنيه علاج اسباب التشوه العمراني الحالي من الجذور، و تطبيق أحكام رادعة علي الجميع بلا استثناءات. وما اسعى اليه هو ان كل من يسكن في حي ما، يرى جزءا من الضرائب التي يدفعها في شكل ملموس من خلال شوارع مرصوفة ومبان مريحة للنظر بلا مخالفات، ومساحات خضراء، لكن ما يحدث ان ضرائبنا تذهب الى بدلات واستثناءات لموظفين ومستشارين لا نعلم ماذا يقدمون لنا! كيف ترين قرار إزالة مخالفات البناء في منطقة المحكمة الدستورية؟ لا نمانع اذا كانوا يريدون تصحيح الاخطاء السابقة، لكن من يضمن انه لن يكون مخالفات جديدة في مكان اخر؟، وأين الحلول الجذرية من المنبع؟،وهل سيتم ازالة جميع المخالفات على مستوى الجمهورية؟! أعلنت مبادرة لدعم شباب المهندسين قبل تخرجهم.. حدثينا عنها؟ بالفعل قدمت محاضرات في كلية الهندسة بجامعتي الاسكندرية وبورسعيد، لم تكن في التصميم، بقدر ماكانت تتعلق بفتح آفاق جديدة امام هؤلاء الشباب ،ليكتشف كل منهم الطريق الذي سيسلكه بعد التخرج، والفرص التي سيخلقها لنفسه، وأطلقت مسابقة يتقدم لها الطلبة بتصميمات في كل المجالات، ومن يفز تصميمه، سأتيح له فرص التدريب ، لكن للاسف بسبب الاحداث الاخيرة في الجامعات وتأجيل الدراسة لم نتمكن من زيارة بقية كليات الهندسة في جامعات طنطا وحلوان وشبرا، بالاضافة الى كلية الفنون الجميلة، وسنستكمل الجولة في سبتمبر المقبل، وقد تقدم أكثر من 40 طالبا بمشروعات تصميم، واعكف حاليا على تقييمها وفرزها. وطرحت على نقابة المهندسين ضرورة الاهتمام بهؤلاء الشباب الذين سينضمون لاحقا الي عضويتها، واتاحة فرص التدريب أمامهم فى اثناء سنوات الدراسة، ولاقيت ترحيبا من مجلسها.