كانت الديمقراطية هى المطلب الأساسى الذى نادت به كل الثورات التى هبت فى عالمنا العربى، وهى بذلك كانت تعصف بكل الادعاءات الباطلة التى كان يروجها الحكام عن «أزهى عصور الديمقراطية» فى ظل حكمهم، وسواء كانت الديمقراطية مطلبا شعبيا أو قناعا يتخفى خلفه المستبدون، فهذا يعنى أنها قيمة كبيرة تفرض نفسها كأساس للدولة الحديثة. ولكن ماذا تعنى الديمقراطية؟ للوهلة الأولى تأتى إلى الأذهان: الانتخابات النزيهة، الاحتكام إلى الصناديق، ولكن هذه النظرة تتعامل مع الديمقراطية على أنها مجرد إجراءات، فى حين أنها قبل كل ذلك هى مبادئ وقواعد تتمثل فى دستور يحمى حرية الأفراد ودولة تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات وحرية ممارسة العمل السياسى للمواطنين، وحتى لو تحقق كل ذلك، فإننا نظل أسرى للتناول السياسى للديمقراطية، وكان ذلك هو بالفعل المعنى السائد حتى منتصف القرن العشرين. اليوم أصبحت الديمقراطية تعنى ضمان العديد من الحقوق الاجتماعية للشعب، مثل الحق فى التعليم، الحق فى السكن، الحق فى التأمين الصحى، وغيرها. ولكن هذا البعد الاجتماعي الجديد أضاف إلى الديمقراطية معضلات جديدة. فإذا كانت الدولة في الجانب السياسي المفروض منها ألا تتدخل في حياة المواطنين، ففى هذا الجانب الاجتماعي عليها على العكس أن تتدخل كي تكفل احتياجات الأفراد وتلبى مطالبهم المختلفة . ولكن ماذا تعني الديمقراطية للمواطن البسيط: هل هي الحريات السياسية والحقوق الشخصية والعامة، أم هي توفير احتياجاته الضرورية وضمان حق أولاده في التعليم والعلاج.... إلخ؟ وكيف يمكن التوفيق بين الاقتضاءين؟ ربما تختلف الاجابة عن هذا السؤال من بلد لآخر .. ومن مجتمع ثرى إلى مجتمع فقير. وفضلا عن ذلك .. في هذه الأيام يتدخل المال بقوة للانفاق على الحملات الانتخابية، مما يرجح من كفة الأغنياء وقدرتهم على صياغة قوانين تعبر عن مصالحهم. وقد جعل هذا الكثيرين يتشككون في جدوى لعبة الديمقراطية، ومن هنا بدأت ظاهرة الامتناع عن التصويت. ورغم ذلك تظل الديمقراطية حلم الشعوب ويظل هناك الأمل في إصلاح مسيرتها بإتاحة حيز أكبر من المشاركة السياسية للمواطنين البسطاء عبر وسائل أخرى.