الوقت ربما يكون ليلا أو نهارا.. والظروف لا تخرج كثيرا عن طفل عائد من الحضانة، أو رجل ذاهب للغيط، أو تاجر يفتح دكانه، أو إمرأة تقضى احتياجات البيت.. كل هؤلاء من المفترض أن يعودوا إلى مساكنهم آمنين سالمين، دون أن يكون المستشفى «محطة» إجبارية فى يومهم الحزين!! ولكن ما حدث أن أكثر من خمسين مواطنا من سكان محافظة الفيوم عاشوا لحظات رعب مع حيوان مفترس، قد يكون »السلعوة« كما يتناقلون.. وقد يكون »كلبا عقورا« أصابه السعار بما يشبه الجنون، أيا كان الوصف فالواقع أن هناك مصابين، ربما يرى البعض أن عددهم أمر عادى حدوثه فى فترة زمنية لا تتجاوز أسبوعين، لكن أهالى المحافظة كما التقيناهم يعيشون فزعا غير عادى من ذلك الحيوان الذى يهاجم الأطفال ويثير رعب الكبار ويجعل المرور الآمن بالشوارع حلما بعيد المنال. الرؤية ليست واضحة تماما لدى المواطنين حتى الضحايا الذين يصفون بألم شديد لحظة المواجهة مع حيوان كالكلب ولكنه ذو نظرات غريبة وأنياب حادة ووجه رفيع ولون شديد السواد، يقول أحمد محمد صوفى: كنت فى منطقة السهراية بعد آذان العشاء عندما شعرت به يقبض على إحدى ساقى فقاومته بشدة لأننى بطبعى لا أخاف الكلاب ولكننى لاحظت شراسته وحرصه على ألا يفلت فكه منى فوجهت له عدة ضربات متتالية من قدمى الأخرى حتى تركنى ولكننى شعرت بألم شديد مكان أنيابه التى تمكن من غرسها بالفعل فى ساقى، وسارعت لمستشفى الفيوم العام وبدأت فى تلقى جرعات المصل المخصص لذلك، ولكننى أصبحت أمنع أطفالى من نزول الشارع، وبصراحة شديدة أنا لم أر »السلعوة« من قبل حتى أقول إن كان ما هاجمنى »سلعوة« أم »كلب« لكنه كان غريب الشكل كما قلت. نفس أوصاف الحيوان الأسود اللون جاءت على لسان محمد صلاح الذى كان عائدا من دكان البقالة الذى يمتلكه عندما فاجأه بمنطقة ميدان المطافئ، يقول: كانت »السلعوة« مصممة على عضى فى رجلى ولما ضربتها بحقيبتى بدأت تشب على قدميها الخلفيتين على باقى جسدى، وأحدثت بى خرابيش وإصابات ليست خطيرة الحمد لله، ولكن كان لابد من أخذ المصل خوفا من مرض السعار. حازم عادل هو اسم أحد المصابين الذى لم يملك أى قدرة على المقاومة لسبب بسيط هو أنه طفل صغير كان عائدا من الحضانة مع والدته بمنطقة المدابغ، واستطاع الحيوان الانفراد به فى هجومه عليه، وتمكن من عضه فى وجهه، نبرات والده كانت تنطق بالغضب أو ربما الحزن على طفله الذى لم يكمل الخامسة وتعرض لهذه الواقعة المرعبة والمؤلمة، وقال بضيق صدر: »ما نعرفش إذا كان كلبا ولا سلعوة ولا أيه ؟ اللى نعرفه بس إن ابنى اتعض فى وشه وربنا يستر عليه«. كل هؤلاء لا ملجأ لهم بعد الله سوى وحدة عيادة الكلب الموجودة داخل مستشفى الفيوم العام، وتقول سومة عبد الرحمن الممرضة المسئولة عن العيادة معظم المصابين يقولون »سلعوة« لأن »بوزها« طويل، ونحن ندون حالة المصاب على أنه إصابة من كلب، ويتم إعطاء المصاب 5 حقن على مدى شهر وفقا لنظام محدد وتدون كل حالة فى دفتر المتابعة بالعيادة. سواء كانت الإصابة من كلب أو من سلعوة فإن الرعب يكمن أساسا فى خطورة العدوى بمرض »السعار« وهو مرض فيروسى كما يوضح الدكتور أحمد برعى طبيب بيطرى بإدارة سنورس الطبية يصيب أساسا الكلاب إذا لم يتم الاهتمام بتحصينها بشكل مستمر كما فى حالة الكلاب الضالة بالشوارع، وهذا المرض ينتقل من الكلب إلى الإنسان أو إلى حيوان آخر عند حدوث عض أو إصابة لأنه موجود باللعاب، وليس شرطا أن كل من يتعرض لعض كلب يصاب بالسعار لأن الفيروس يكون موجودا بشكل متقطع بفم الكلب فربما ينقل العدوى وربما لا ينقلها، ولكن فى كل الأحوال يجب المبادرة بأخذ المصل اللازم بعد أى إصابة، وخطورة السعار أنه مرض ينتهى حتما بالوفاة بعد ظهور الأعراض التى تتشابه عند الكلب العقور وعند الإنسان المصاب بالعدوى، إذ تبدأ بارتفاع فى درجة الحرارة والامتناع عن الطعام والشراب والخوف من الماء بشكل رهيب مع إفرازات من الفم، ثم تظهر الرغبة الشديدة فى العض لأى كائن قبل أن تنتهى الأعراض بالموت. ويلقى الدكتور برعى باللوم على أصحاب مزارع الماشية الذين يلجأون لتربية الكلاب بكثافة دون الاهتمام بتحصينها، مما يجعلها تتحول للهجوم على المواطنين وعلى الحيوانات أيضا، كما يشير لتزايد القمامة فى الشوارع ومنها مخلفات الجزارة كأحد أسباب ازدياد أعداد الكلاب الضالة، ويرى أن الحملات لا يجب أن تكون فقط بناء على شكاوى الأهالى أو سكان منطقة معينة. عدنا نبحث عن إجابة شافية لسؤالنا: هل من يهاجم المواطنين كلاب مسعورة أم حيوان »السلعوة«؟، الدكتور مخلوف بدر أحمد وكيل وزارة الطب البيطرى بالفيوم قال: يجب أن نعلم أن الكلاب عندما تصاب بالسعار فإن شكلها يبدأ فى التغير لأن المرض يصيب الكلب بشلل فى عضلات الحنجرة فلا يستطيع الأكل أو الشرب ويصاب بالهزال فيخيل للناس أنه »سلعوة«، خاصة أن حيوان »السلعوة« ظهر بالفعل فى الفيوم منذ نحو خمس سنوات فى قرية هوارة المقطع، ولكن للأمانة العلمية والمهنية نحن لا نستطيع الجزم بأنه لا توجد حاليا سلعوة بالفيوم أو أنها هى التى تهاجم المواطنين أم لا، ولكن ما نؤكده أن كل الحملات المكثفة التى نقوم بها كانت تحصد جثث كلاب ضالة وكلاب عقورة وليس من بينها جثث لسلعوة، ويجب أن نعلم أن إصابات السلعوة تكون أساسا فى رقبة الضحية وتعتمد على العض وانتزاع جزء من الجسد وهذا لم يحدث لأن معظم المصابين إصابتهم تتراوح بين فتحات الأنياب والخدوش وحول ماهية عمل الحملات، أكد الدكتور مخلوف أنهم ولأول مرة يتخلون عن التعامل مع الكلاب الضالة بالخرطوش كما كان يحدث دائما نظرا لصعوبة حدوث ذلك فى ظل الظروف الأمنية الحالية، ولأنه تم سحب العساكر المخصصة لهذه المهمة، لذا بدأنا فى استخدام المواد السامة التى يتم إلقاؤها على طعام للكلاب الضالة ولا ينصرف فريق الحملة إلا بعد التأكد من تناول الكلاب لها وموتها خلال ستين ثانية على الأكثر، وبهذه الطريقة تم إعدام أكثر من ستمائة كلب فى المدينة وحوالى مائتين فى باقى المراكز. سألناه أيضا عن سبب نشاط الكلاب الضالة وتحركها بمجموعات رهيبة كما شاهدناها فى الميادين الرئيسية بالفيوم فقال: فى شهر أبريل يبدأ موسم التزاوج لدى الكلاب ويبدأون فى التحرك والتجمع كمجموعات حول الأنثى، مما يسهم فى انتشارها وانتشار السعار أيضا فيما بينهم لأن مجرد خربشة الكلب المصاب لآخر ينقل إليه المرض، ومن المقررأن ينتهى موسم التزاوج بعد 15 يوما. ورغم الشكوى من وجود عجز حاد فى عدد العمال البيطريين، حيث يحتاج العمل على مستوى المحافظة إلى أكثر من مائة عامل إضافى للتمكن من مكافحة الكلاب الضالة، إلا أننا استطعنا أن نحصل على وعد من وكيل وزارة الطب البيطرى بأننا لن نجد كلبا ضالا واحدا فى شوارع الفيوم بعد شهر من اليوم.. وبالطبع سنراقب وننتظر تحقق هذا الوعد. الجانب الآخر لقضيتنا يقع فى حوزة الصحة والتى وجدنا منها ربما على غير المعتاد استجابة سريعة فى توفير الأمصال وتقديم الرعاية والمتابعة للمصابين، عندما تحدثنا للدكتور مدحت شكرى وكيل وزارة الصحة بالفيوم وجدناه رافضا تماما لتسمية ما يحدث بالظاهرة سواء كانت ظاهرة كلاب أم سلعوة، واصفا إصابة أكثر من خمسين مواطنا خلال أسبوعين تقريبا بأمر عادى ومعدل طبيعى للإصابة على مستوى المحافظة من الحيوانات كالكلاب وغيرها، ولا يرى أى مبرر للخوف الذى سيطر على الناس سوى أنه صناعة إعلامية من بعض مراسلى الصحف، ونوع من أنواع الشائعات التى تعتمد على المبالغة، مؤكدا أنه لا يوجد أى حالة بتر بين المصابين وكلها حالات خدوش وعض، أما بالنسبة للمصل فهو متوافر، بالإضافة للأجسام المضادة التى تعطى فى حالة العض فى الوجه أو الرقبة. ومع ذلك يؤكد د. مدحت أن هناك متابعة مبكرة تمت بالتنسيق مع الطب البيطرى من أجل الحملات بعدما تلاحظ له زيادة أعداد الكلاب الضالة بالفعل، ومنها الاتفاق على تشكيل لجنة تجتمع شهريا تكون مهمتها القضاء على القطط والكلاب الضالة المنتشرة بالفيوم، ووضع خطة مستقبلية لمنع تفشى الظاهرة مرة أخرى، ومخاطبة الإدارات المحلية للإهتمام بالنظافة العامة ورفع تجمعات القمامة. والآن لا يهمنا كثيرا أن نكتب فى العنوان: سلعوة أو كلب عقور أو أى حيوان.. لأن الإجابة الحاسمة لم تصلنا بعد.. لذا يبقى المهم أن نعرف كيف نحمى المواطن وكيف نوفر له المرور الآمن ويكفيه مايعانيه فى شارع يفتقد كثيرا من عوامل الآدمية والاطمئنان.