زيارة نبيل فهمى وزير الخارجية المصرى لواشنطن كانت فرصة مناسبة ومبادرة ضرورية وتواصل لا بد منه من أجل اجتياز فترة «الجمود» أو «البرود» التى شهدتها وعاشتها العلاقات المصرية الأمريكية فى الشهور الماضية. «مصر 30 يونيو» كما يمكن تعريفها كانت فى حاجة أن تتحدث عن نفسها وأن تتحدث مباشرة وأن تتحدث مع أهل واشنطن لتقدم رأيها وموقفها ورؤيتها للأوضاع الحالية ولمصر المستقبل. ولذلك كان مجئ فهمى لواشنطن خطوة هامة وأساسية وضرورية تم تحقيقها على مدى الأيام الثلاثة التى قضاها فهمى فى واشنطن فى لقاءات مكثفة مع كبار مسؤولى الادارة بكافة أركانها ووزاراتها وأيضا مع قيادات فى الكونجرس ومع مراكز الأبحاث ووسائل الاعلام ومنظمات ومؤسسات أمريكية مهتمة بالشأن المصري. ومن هنا ظهر حرص فهمى على التأكيد فى تصريحاته بأنه لم يأت الى واشنطن من أجل اتمام صفقة الآباتشى أو استمرار المساعدات الأمريكية وأن المطروح والمطلوب مناقشته من الأمور التى تهم البلدين ومصلحة أمنهما القومى أكبر وأشمل من كل ذلك. وقد أكدت الادارة الأمريكية خلال الزيارة ومن جديد بأنها تثمن وتقدر علاقاتها الاستراتيجية الهامة والحيوية مع مصر وأنها تسعى ليس فقط للحفاظ عليها بل العمل مع مصر من أجل تعزيزها وتوسيعها وتعميقها لما فيه من مصلحة أمن قومى بالنسبة للطرفين. سوزان رايس مستشارة الرئيس أوباما للأمن القومى فى لقائها مع فهمى (مساء الأربعاء) "شددت على دعم الولاياتالمتحدة لمصر" وحرصت على "تأكيد التزام أمريكا باستمرا ر التعاون حول مصالح أمنية مشتركة مثل مكافحة التطرف وتحقيق أمن المنطقة" وذلك حسب بيان صادر من البيت الأبيض ذكر فيه أيضا:"أن الولاياتالمتحدة تثمن علاقتها مع الشعب المصرى وسوف تستمر فى دعم انتقال الى الديمقراطية التى تحترم حقوقهم وتمكن من استقرار الحكومة المصرية ونجاحها". وكان فهمى قد التقى بتشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكى فى اليوم نفسه الأربعاء. وقد ذكر بيان صادر عن البنتاجون أن هيجل أكد خلال الاجتماع بأن الولاياتالمتحدة "تظل ملتزمة فى الدفع بمصالحنا الأمنية المشتركة فى المنطقة ومنها مكافحة الارهاب وأمن الحدود وأمن سيناء". الا أن الادارة الأمريكية نفسها لم تتردد خلال لقاءاتها مع نبيل فهمى وزير الخارجية فى أن تعبر عن قلقها العميق وانزعاجها تجاه ما تشهده مصر من اعتقالات وأحكام قضائية واجراءات قمعية حسب وصفها. وكانت واشنطن قد أعربت عن "قلقها العميق" وانزعاجها الشديد من خلال بيانين صادرين من كل من البيت الأبيض والخارجية بعد صدور أحكام الاعدام ضد مئات من عناصر الاخوان وأنصارهم. فبالتالى لم يكن بالأمر الغريب أن هذا الأمر المثار اعلاميا وسياسيا وعالميا حاصر وطارد وزير الخارجية المصرى فى كل اجتماع أو لقاء حضره بواشنطن. رايس مستشارة الرئيس للأمن القومى كغيرها من مسؤولى الادارة فى لقائها مع فهمى أكدت وشددت على وجود" مشاعر قلق عميقة ومتزايدة تجاه المحاكم الجماعية وأحكام الاعدام الجماعية التى تم اصدارها هذا الأسبوع. وأيضا استمرار اعتقال الصحفيين والنشطاء والقيود المستمرة على حرية التعبير وحرية الاجتماع". ولا شك أن مثل هذه "الصدمة" أو "الكارثة" مهما تم التهوين من شأنها أو يتم توجيه الانتقاد للجهل الأمريكى والغربى تجاه النظام القضائى المصرى والاجراءات المتبعة فيه أو كالعادة يتم الافتراض بسوء النية بل نظرية التآمر، بشأن كل قضية مثارة، فان مواجهة هذه القضية ليست بالأمر الهين وفى حاجة الى تناول جاد واحتواء الأزمة بتداعياتها قبل استفحالها. جين ساكى المتحدثة باسم الخارجية فى الايجاز الصحفى اليومي، وردا على أن ما يقال من تفسير وتبرير لما حدث بشأن صدور احكام بالاعدام ضد عدد من المدانيين جنائيين من جماعة الاخوان وأن "القضاء يتمتع باستقلالية وأن يد الحكومة مغلولة" قالت بأن "كل هذا ليس كافيا فى رأينا ولا يمكن تصديقه ولا يبرر الخطوات التى تم اتخاذها".تصريحات ساكى جاءت بعد ساعات قليلة من لقاء فهمى بنظيره الأمريكى جون كيرى الذى تم صباح الثلاثاء واستمر أكثر من ساعة. بعده وصف فهمى الاجتماع بأنه كان "مفيدا وصريحا وبناءا". وذكر أيضا أن اللقاء كان بحضور ممثلى الوزارات والأجهزة المختلفة المعنية بالشأن المصرى والملفات الخاصة به. ومما لا شك فيه أن القضايا التى طرحت على فهمى فى واشنطن لم تكن جديدة ولا غير متوقعة .. وأيضا قائمة من الآن فصاعدا. لذا وجود فهمى فى العاصمة الأمريكية كانت فرصة لوضع النقاط فوق الحروف وتوضيح وجهة النظر المصرية تجاه تلك الأمور المثارة. والأمر الأهم كان وما يزال مصر «الواقع الجديد». مصر ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.. مصر «السيسي».. وهل مصر ستكون أكثر استقرارا وأكثر احتراما لحقوق الانسان والحريات؟ وهل مصر لديها استعداد أو رغبة فى أن تصحح مسارها ولا تكرر أخطاءها و"ألا تعود كما كانت فى عهد مبارك"؟ وكما نعرف وكما يعرف المهمومين والمهتمين بالشؤون المصرية كلها أسئلة لها اجابات متعددة. ومصر اليوم أو مصر الغد أو الواقع المصرى الجديد فى حاجة ماسة وملحة الى أن يتم الحديث عنه بوضوح وبشكل كامل ومتكامل وبرؤية شاملة. والحديث عن "صفحة جديدة" مع واشنطن بدأ ولا يجب أن يتوقف هذا ما أكده أكثر من مسؤول أمريكى وشدد عليه الكثير من خبراء مصر فى واشنطن خاصة هؤلاء الذين لديهم حرص كامل على عدم ترك الأمور ومن ثم العلاقات الثنائية تزداد تدهورا وسوءا. كما أن الطرح المصرى وتوجهاته خلال المرحلة المقبلة يجب أن يتكرر فى أكثر من زيارة لأكثر من مسؤول مصرى ولأكثر من مفكر وسياسى وكاتب وأصحاب رؤية..فالأسئلة كثيرة والاجابات قليلة وأحيانا معدومة. فمصر ما بعد 30 يونيو فى حاجة الى تعريف وتوضيح وتخطيط وخريطة وطريق واختيارات يحددها ويضعها وأيضا يقوم المصريون بشرحها للعالم كله.