أكدت الإدارة الأمريكية من جديد أنها تثمن وتقدر علاقاتها الاستراتيجية الهامة والحيوية مع مصر وأنها تسعى ليس فقط للحفاظ عليها بل العمل معا مع مصر من أجل تعزيزها وتعميقها لما فيه من مصلحة أمن قومي بالنسبة للطرفين. إلا أن الادارة الأمريكية نفسها لم تتردد خلال لقاءاتها مع نبيل فهمي وزير الخارجية في أن تعبر عن قلقها العميق وانزعاجها تجاه ما تشهده مصر من اعتقالات وأحكام قضائية وإجراءات قمعية. وواشنطن أعربت أيضا عن قلقها بشأن مستقبل مصر وما ستكون عليه في المرحلة المقبلة. بالأمس واصل نبيل فهمي وزير الخارجية المصري لقاءاته مع مسؤولي الإدارة ومنهم سوزان رايس مستشارة الرئيس للأمن القومي وتشاك هيجل وزير الدفاع. وأيضا مع قيادات بالكونجرس وخبراء بمراكز الفكر وممثلي وسائل الإعلام الأمريكية. كما أنه التقى يوم الثلاثاء بزعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب وخبراء ومسؤولين سابقين معنيين بالشأن المصري وقيادات من منظمات يهودية أمريكية.
وحسب ما قالته جين ساكي المتحدث باسم الخارجية في الإيجاز الصحفي اليومي فإن كيري خلال لقائه بفهمي طالب بالإفراج عن مراسلي "الجزيرة". وقالت أيضا في ردها على عدة أسئلة ل"الدستور الأصلي" إن ما يقال تعليقاً على الأحكام الجماعية بالإعدام وأن "القضاء يتمتع باستقلالية وأن يد الحكومة مغلولة ليس كافياً في رأينا ولا يبرر الخطوات التي تم اتخاذها". وأن الولاياتالمتحدة حسب ساكي "غير قلقة" بتوجه مصر نحو تنوع علاقاتها الدولية واقترابها من روسيا. ولم تكن لدى ساكي أي تأكيدات أو تفاصيل بخصوص إمكانية قيام أمريكا بدور في احتواء الأزمة بين مصر وأثيوبيا بسبب مياه النيل وسد النهضة. وكان نبيل فهمي بعد لقائه مع كيري وفي تصريحاته للصحفيين المصريين قد ذكر أن القضية طرحت خلال اللقاء.. خاصة أن كيري توجه مساء اليوم نفسه إلى أثيوبيا في جولة أفريقية. لقاء نبيل فهمي بنظيره الأمريكي جون كيري تم صباح أول من أمس الثلاثاء واستمر أكثر من ساعة. بعده وصف فهمي الاجتماع بأنه كان "مفيداً وصريحاً وبناءاً".
وقالت جين ساكي المتحدثة باسم الخارجية إن كيري خلال الاجتماع "أعرب عن دعمه القوي لنجاح مصر وعلاقاتنا الاستراتيجية وأنه أكد من جديد التزامنا المستمر للعمل معا لمواجهة الإرهاب وانتشار الأسلحة وبذل الجهد لتحقيق الاستقرار في المنطقة ومنه السلام مع إسرائيل". وأضافت ساكي:" إلا أن كيري أوضح أيضا بأن بينما عملنا مع مصر لهو أمر حيوي بالنسبة لمصالح أمننا القومي فإن الولاياتالمتحدة منزعجة جداً بما تم إعلانه من اعتقالات وأحكام وأيضا الحكم الخاص بمجموعة 6 أبريل. وأن كيري أوضح أن تلك الخطوات لا تتوافق مع سعي مصر لتحقيق ديمقراطية تدوم. وأن هذه الأفعال تمثل تراجعاً وتجعل التحرك إلى الأمام أكثر صعوبة. وأن المزيد يجب فعله من جانب الحكومة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والإدماج السياسي والإصلاح الاقتصادي". وقالت ساكي أيضا أن كيري تطرق إلى موضوع مراسلي الجزيرة المعتقلين في مصر وطالب بالإفراج عنهم.
وذكرت ساكي رداً على سؤال حول هذا الأمر: "أننا نؤمن بحرية التعبير وقدرة الإعلام على أداء مهمتها وأنه يجب الإفراج عنهم"
ولا شك أن زيارة فهمي لواشنطن ولقاءاته مع أهل واشنطن قامت بطرح الرؤية المصرية لما يجري في مصر الآن وما قد يجري في المستقبل. وطرح هذه الأمور ضرورة ملحة خاصة إذا أخذ في الاعتبار ما يقال ويتردد في عاصمة القرار الأمريكي. وبالمناسبة هذه المواقف أو التفسيرات الأمريكية لن تتغير في يوم وليلة وقد تأخذ بعض الوقت إلا أن رغبة صاحب القرار المصري واستعداده لاجتياز المرحلة بتحدياتها وأزماتها لها دور هام وحيوي في مراجعة هذه المواقف وابداء فهم أفضل وتفهم أشمل لما يدور في مصر. أي بتعبير آخر ليست المهمة المطلوبة رد تصريح بتصريح أو بتنديد أو ترحيب آخر، بل القيام بحوار ممتد ومتواصل لا يخشى التطرق الى القضايا الشائكة بل التصدي لها. وقد حرص فهمي في تصريحاته على القول بأنه لم يأت الى واشنطن من أجل اتمام صفقة الآباتشي أو تسلم طائرات الهليكوبتر أو استمرار المساعدات فالمطروح والمناقش من الأمور أكبر وأشمل من ذلك. خاصة أن واشنطن كما بدت في مواقفها الأخيرة تجد نفسها أمام تحديات أمنية وسياسية في المنطقة عليها أن تواجهها بمشاركات اقليمية قادرة على احتواء الموقف المتأزم والمشتعل في عدة دول ليبيا وسوريا على سبيل المثال بالتأكيد قد تمتد آثارها لدول الجوار لها.
لم تكن زيارة فهمي لواشنطن مجرد "طرقا للأبواب" بل "طرحا صريحا" للتحديات التي تواجهها مصر في الأيام المقبلة. والحديث عن "صفحة جديدة" مع واشنطن بدأ ولا يجب أن يتوقف. كما أن الطرح المصري وتوجهه للمرحلة المقبلة يجب أن يتكرر في أكثر من زيارة لأكثر من مسؤول ولأكثر من مفكر وفنان وكاتب وأصحاب رؤية.