كنت أتصفحُ الجريدة كل يوم ، وأعرف أن الجريدة نفسها تمرّ تحت عينى «ليليان» ، رأيت أعداداً من نفس الجريدة مع زوجها ، وإذا كانت تقرؤها كل يوم، فماذا تقرأ ؟ السياسة ؟ أخبار العالم؟ أخبار الفن والطلاق والانتحارات ؟ من يرشدنى لطريقة أستطيع أن أصل بها إلى ليليان؟ والتليفزيون ، تصورا ، فى نفس المدينة، نشاهد التليفزيون . نقرأ نفس الجريدة ، وكثيراً مانشاهد نفس الفيلم ، أمّا الشوارع الرئيسية فلا بدّ أن تمرّ فيها ليليان ، إذا لم يكن كل يوم ، فمرة كل يومين ، وأنا أفعل نفس الشىء ، أقل منها ، أكثر ، لكننا نمر». قرأتُ تلك الرواية « قصة حب مجوسية « للروائى «عبد الرحمن منيف»وأنا بالجامعة ، واعتبرتها الأهم بين أعماله رغم تقديرى لمشواره كاملاً ، هنا فى تلك الرواية أصابع ناعمة وروح شفافة تستحضر رائحة العشق والهوى ، روح هائمة محزونة مشجونة بغرام وشوق ولهفة ، وسطور من الرواية تكفى لترسم باقى المشاهد الحائرة لذاك العاشق الذى يبكى وحيداً ويستعيد لحظات الهوى ويكاد يحسد الهواء لأن حبيبته تتنفسه ،والحقيقة أننى قرأت فيما بعد بيتاً شعرياً لجميل بثينة لخّص كل هذه المشاهد : أُقلب طرفى فى السماء علّه .. يوافق طرفى طرفها حين ينظر ولم أجد أروع ولا امتع منه تعبيراً عن لهفة الشوق وتجسيداً لمعانى السهر والجنون والولع ، وتوقفتُ كثيراً أمام تكرار كلمة « طرف « ووجدتُ فى تكرارها ثلاث مرات فى بيت شعرى واحد حلاوة وطلاوة وقدرة على تصوير التوحد مع المحبوبة بشكل يصعب على شاعر أخر أن يصل إليه ، وكان «جميل» قد أحب «بثينة» وأحبته وتقدم لخطبتها ورفض أهلها ومنعوه رؤيتها وهددوه بالقتل فلم يعبأ وظل على حبه حتى مات لوعة على فراقها وإذا كان « جميل « قد أبكى العشاق ، فإن «عبد الرحمن منيف»استعطف القارئ كى يصبح عاشقاً مثله ، أو يشاركه حزنه وألمه على أقل تقدير ، البطل سقط صريعاً لفتاة متزوجة فدفن الهوى فى قلبه ونام واستيقظ به باحثاً عمن يسمع شكواه ونجواه ،وقد تكلم طويلاً عن « ليليان « وجنون الهوى وكيف أنه أصبح غريباً وحيداً بدونها:»..أيها الناس أنها تنتظرنى في المحطة القادمة نعم المحطة القادمة لا أعرف محطة الترام أم الباص ولكنها تنتظر فى مكان ما ،سألتقى بها ولا تسخروا بالتأكيد سألتقى بها «. وتمضى المحطات ولا تأتى ليليان ،ويتبدل الليل والنهار ولا تلتقى عيون جميل وبثينة !، وبقيت دراما الحب عاملاً مشتركاً فى حالتى الشجن بين رجلين أحدهما شاعر والثانى روائى وبينهما ألف سنة ويزيد ، وبينهما أيضاً «أنثى» فتنتهما فكانت سبباً فى خلود إبداعهما .