في خضم التحولات الكبري الجارية الآن في مصر, يبدو الإعلام مختلفا عليه وفي مرمي النيران, وغالبا ما يتم تعليق جميع الشرور في رقبته.. تارة بدعوي عدم الفهم والمهنية, وتارة أخري نظرا لأنه لا يستطيع الخروج من جلباب السلطة! والشيء المؤكد أن الإعلام القومي صحافة واذاعة وتليفزيون يشكو من قلة التدريب, وقلة الأجور, ومن ترهل شديد, ومن عمالة كثيفة أكثر مما ينبغي, إلا أنها شحيحة في الكفاءة والمهنية, وجميعها يعمل في ظروف معاكسة. وفي الوقت الذي لا تترك الأحداث المتلاحقة في مصر الفرصة لأهل الإعلام لفتح هذا الملف الشائك في ظروف هادئة, فإنه فيما يبدو أن هذه الأحداث وحالة الاختلاف حولها ومحاصرة الإعلام في خضمها جميعها تدفع لأن يقفز السؤال الكبير: ماذا نفعل بالإعلام؟ إلي الواجهة. وأغلب الظن أن ثمة أمورا تحظي بالإجماع في مسألة الإعلام أبرزها: ضرورة أن يحظي الإعلام بالحرية, وأن يتمكن الاعلاميون بسهولة من الوصول إلي المعلومات, وأن يتم الفصل بين الملكية والإدارة, وألا يتدخل أحد في السياسة التحريرية للإعلام, وأن يعكس الإعلام القومي المصالح القومية العليا للدولة, وأن يعبر عن جميع القوي السياسية والاجتماعية, وأن يكون المرآة التي تعكس أجندة الأغلبية, وأيضا رؤية الأقلية ومخاوفها, وأن يدافع عن حرية التعبير للجميع, وألا يشارك في عملية التهميش والإقصاء, وألا يكون مساهما في خلق الفتن الطائفية, وألا يشعل الحرائق في المجتمع, بل منارة للتنوير, والتقارب, وعدم ازدراء الآخرين المخالفين في الرأي والعقيدة, وألا يشجع علي العنف, وأن يسهم في محاربة الخرافة. ومما لاشك فيه أن هذه الأجندة الثقيلة تستدعي فتح أبواب أسئلة صعبة من عينة: ما هو الشكل الأمثل للملكية, وحدود الملكية, وحدود السياسة التحريرية, والعلاقة ما بين التحرير والإعلان, والعلاقة مع القطاع الخاص, والبارونات والشركات الخاصة العملاقة, وما هي المؤهلات والمزايا والتكلفة لمثل هذا الإعلام؟. ويبقي أن الملف لابد أن يفتح, وهذه الأسئلة يجب الإجابة عنها, ولابد من الوصول إلي توافق شعبي عريض بشأنها, والبداية من الآن وليس غدا, وذلك نظرا لأن الإجابة علي السؤال المحوري: ماذا نفعل بالإعلام؟ سوف تحسم إلي حد كبير أي شكل من أشكال الديمقراطية سوف يتشكل في مصر الجديدة.