في زنزانة الكون الانفرادية يعيش هذا الشجي ويغرد. وحيدا غريبا يحاول أن يمد جذوره: في الحبيبة, في الأخت, في أبنائها, في العائلة, في الشعر ورموزه الأبوية.. هو ليس روحا مكتئبة, هو روح غنائية, طفلية, لكنه كثيرا ما يكون حزينا, لأنه لا يجد من يغني ويلعب ويرقص معه. هكذا يطالعك وجه هذا الشاعر الجديد, وسام صدفاوي, في ديوانه الأول طير كفيف, الذي صدر الأسبوع الماضي مع معرض الكتاب, عن دار إبداع, وهي أيضا دار جديدة أسسها الشاعر الشاب محمد حسني. مخنوق وبارقص لوحدي/ مش عايز أبان/ واشرب لحد ما اسكر/ واموت كأني منظر/ ميت صاحي/ ميت في انسجام... لقد تكلمنا في المقدمة عن روح الشاعر, أما وقد قرأنا معا بعض أبياته, فلابد أن ندخل في الموضوع. والموضوع دائما هو اللغة. فالشعر هو فن اللغة كما نعلم. لنتأمل من جديد هذه الأبيات. ألا نجد فيها تمردا علي المنطق؟ كأنه تكسير لرتابة النمط, وقد لا يخلو الأمر أيضا من لغة مازالت تبحث عن نفسها. فمن المؤكد- كما سنري فيما بعد- أن لغة وسام صدفاوي لم تصل إلي تلك المرحلة التي نجد فيها سمات أسلوبية مستقرة, وقد يكون من الأفضل ألا تصل, حتي لا تفقد دهشتها وطزاجتها. تماما كالدهشة والطزاجة التي نجدها في قصيدة' ريحة منك': لو عايزة تعرفيني/ اتهجي شعري/ من ورا نضارتك السودا.. نفس العلاقات المنطقية المنعدمة, لكنه فقط منطق النثر الذي لا نجده.. بالطبع لو قرأ هذه السطور من تربي علي التعبير الكلاسيكي الواقعي لقال: هذا هراء, لكن ليس كذلك يقول من يطربون للجدة و المنطق السري للشعر, ولا يخلطون بين السيريالية كفن ومنحي أسلوبي راسخ في التعبير الشعري منذ ما يقرب من قرن, وبين التخريف. فمنطق الحلم في الفن ليس خطرفة أحلام- إلا أن وسام لا يمكن تلخيصه في مصطلح, فمثلا نجد في بعض قصائده الأخري ما يشبه البوح المباشر: فيه جزء مني مات/ وجزء بيوحشني ساعات/ عشت آه/ لكن مافرحتش/والدمعة ف عيني تدهش/ معزولة.. لو دققت/ مش عايزة تنزل.../ ف روحي صحرا/ وفي دماغي مسامير/ لو ح تلحقي اللي فاضل مني/ ح تلاقيه تقريبا/ الجزء الأخير. نعم, هو يتكون, و لكن المادة التي هي روحه ولغته تشي بخير عميم, بشاعر جديد, يستحق كلمة شاعر, وجديد بمعني الكلمة, نعم, يعاني من الفوضي الموسيقية( وأعني بذلك عدم انضباط الإيقاع واختلاط النثر به), ولو شاء لكتب نثرا, لكن أصداء إيقاعات من أحبهم من الآباء والأعمام بين من سبقوه من شعراء العامية مازالت تتردد عنده. وهي ظاهرة جيل وعصر شهد انتقالا من إيقاعات العروض إلي إيقاع النثر, ولم يتبلور كل كتابه بعد, حتي من يملك منهم موهبة حقيقية.. مثل وسام صدفاوي. ولنختم بمقتطفات من بعض قصائد الديوان: 1- قلمي في الحواري/ بيحب البيات/ تعبت م الكلام/ تعبت م السكات/ حسي عالي إنما/ حاسس إنه مات 2- في عينيكي رقة/ تشبه لرقة الربيع/ وشقاوة أحلامه/.. في عينيكي شئ بيضيع 3- اسندي جسمي النحيل/ وابني بيت يساعنا/ وحبال غسيل/ وسمي عيالي التلاتة/ جلال ومريم وقولي لطاهر/ أبوك مات طفشان ذلك هو وسام صدفاوي.. شاعر ملامحه تشي بجينات كثيرة.. لكنه لا يشبه أحدا. وهو في هذا الديوان تأكل روحه الغربة, ويمد يديه للحياة فترتدان فارغتين. تري هل تختلف نغمة ديوانه القادم حيف يكف وطنه عن أن يكون غربة لأحد؟