جامعة سوهاج تنظم ندوه توعوية عن المشاركة السياسية في الانتخابات البرلمانية    المستشارة أمل عمار تدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات مجلس النواب 2025    محافظ الإسماعيلية يتابع حملات سلامة الغذاء ويؤكد: «صحة المواطن أولوية»    رئيس الوزراء يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لمشروع رأس الحكمة    وزيرة التضامن تعلن عن دعم مستشفى شفاء الأورمان بالأقصر ب10 ملايين جنيه    فيديو يثير الجدل.. ترامب يغفو خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض    وزير النقل الأمريكي: السفر الجوي سينخفض إلى حد كبير    الأمم المتحدة: ندعم العملية الانتخابية في العراق ونشيد بحسن تنظيمها وإجراءاتها    أبرز ملفات الشرع في واشنطن.. «قانون قيصر» و«التعاون الدفاعي» يتصدران أجندة المباحثات    انطلاق حفل نهائي كأس السوبر المصري 2025 على ملعب محمد بن زايد في أبوظبي    «الداخلية»: ضبط صانعة محتوى رقصت بملابس خادشة على وسائل التواصل الإجماعي    ضبط 2.5 طن دقيق مدعم و2000عبوة عصائر وألبان وبسكويت منتهية الصلاحية بالإسماعيلية    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو «أطفال بلا مأوى» بالشرقية.. الأم تركتهم أثناء التسول    العثور على جثة شخص بها طلقات نارية في قنا    «الداخلية»: استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025 بجميع المحافظات    وزير الثقافة يلتقي نظيره القطري لمناقشة عدد من المشروعات الثقافية    وزير الصحة يبحث مع ممثلي «الصحة العالمية» تعزيز جهود مواجهة الكوارث والطوارئ    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    تحسين الأسطل : الأوضاع في قطاع غزة ما زالت تشهد خروقات متكررة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    موفدو الأوقاف بالخارج يبادرون لأداء واجبهم الوطني في انتخابات مجلس النواب بمقار السفارات والقنصليات المصرية بالخارج    رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    «تنتظره على أحر من الجمر».. 3 أبراج تقع في غرام الشتاء    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    مرفت عمر بلجنة تحكيم مهرجان ZIFFA في السنغال    محافظ البحيرة تتفقد مدرسة STEM.. أول صرح تعليمي متخصص لدعم المتفوقين    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رسميًا.. موعد صرف معاشات شهر ديسمبر 2025 ل 11 مليون مواطن    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    محافظ المنيا وكابتن منتخب مصر يكرمان الأبطال المتميزين رياضيا من ذوي الهمم (صور)    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    استلام 790 شجرة تمهيداً لزراعتها بمختلف مراكز ومدن الشرقية    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    تعزيزات أمنية واسعة استعدادًا لانتخابات مجلس النواب 2025 بالفيوم    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية التجمع لجلسة 29 ديسمبر    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025.. تعرف على لجنتك الانتخابية بالخطوات    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مديح البطء
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 04 - 2014

جرت في النهر مياه كثيرة قبل أن تصل وسيلة الكتابة لأن تكون قلمًا يكتب مباشرة في الأثير، لقد أصبح الكاتب يرى كتابه تقريبًا مطبوعًا وهو يخطه، ويختصر تلك المسافة التي كانت تفصل الحلم وتحقيقه أو المخطوط والكتاب. ولكنى ما زلت أستشعر رعبًا ما وأنا أكتب مباشرة على شاشة الكمبيوتر حيث أعرف أن كلَّ ما أخطه الآن سيُنشر على الفور ولن أستطيع استرجاعه مرة أخرى من السديم الإلكتروني،
هذا الرعب يشبه كثيرًا رعب مَن يتكلم قبل أن يفكر.. وأظن أن هذا الرعب ناتج من معرفة أن الكتابة عبر أزرار الكمبيوتر توفر كلَّ شيء لراحة الكاتب فيما يُسمى بعملية التحرير.. من سهولة قص ولزق الجمل التي يريد تغييرها وحذف بعض الكلمات وإضافة أخرى مما يؤدى إلى سرعة إنجاز النص، وأظن أن أكثر ما يرعبني هو فكرة السرعة هذه، لأنني أعرف أن النص يحتاج إلى هواء نقي يتنفس فيه.. أعنى فترات الصمت التي يملؤها قدر من التأمل في حالة الكتابة التقليدية بالقلم، أعني لحظات البطء التي تصاحب تأمل الحروف وهي تتشكل كلماتٍ.. لحظات التأمل التي تتناسل منها الأفكار والمشاهد بمشاعرها المتباينة، ذلك البطء الذي تتزايد معه طرديًّا قوة الذاكرة.
تطالعني كلَّ يوم عشرات المقالات وعشرات القصائد الجميلة والمهمة والمكتوبة على عجلٍ، بالتأكيد تحت إغراء سهولة النشر السريع، تلك الكتابة التي لن تصل أبدًا كما ينبغى إلى قارئها إلا باستعادة هذه اللحظات المفقودة.. هذا البطء الذي تجاوزته قصرًا.
تجعلني هذه الحالة أستدعي على الفور رواية “البطء” للكاتب التشيكى “ميلان كونديرا”، و”ميلان كونديرا” هو الكاتب والفيلسوف الشهير في العالم العربي بروايته الأشهر “كائن لا تُحتمل خفته”، اختار باريس منفى اختياريًّا له عام 1975، وظل يكتب فيها أعماله الإبداعية حتى هذه اللحظة متأملاً ذاكرة لم تخنه فهو على ما يبدو يحرص على التعامل مع لحظات حياته ببطء لحمايتها. فاجأ “كونديرا” الوسط الأدبي بقراره عام 1995، بأن يتخذ اللغة الفرنسية كلغة أم ويكتب مباشرة بها فكتب رائعته “البطء” منجزًا عملاً أدبيًّا آسرًا ومعه دهشة النقاد من قدرته على التعبير باللغة الفرنسية كأنها لغته الأولى، وتعتبر روايته “البطء” قصيد مدح طويل في معنى البطء يوازى هجاء للسرعة بجميع تجلياتها. مكرِّسًا قاعدة تبدو شديدة البديهية لكننا قد نتجاوزها ولا ننتبه لها إذا كانت سرعتنا كبيرة كما هو حالنا الآن، وهذه القاعدة ببساطة هي.. أن درجة البطء تتناسب طرديًّا مع قوة الذاكرة، وبالتالي فالعكس صحيح تمامًا حيث تتناسب درجة السرعة طرديًّا مع قوة النسيان.
والرواية تتكون من حكايتي حبٍّ متشابهتين، تقع أحداث الأولى في القرن الثامن عشر بكل ما يميز هذا الزمن من رحابة تدعو إلى التمهل والتأمل في كل تفاصيل الحياة، بينما تقع أحداث الثانية في الوقت الراهن بكل ما يميزه من وسائل اتصال سريعة ومواصلات سريعة وخطابات تصل قبل بسهولة ومواعيد تُتفقُ عليها وتُلغى قبل أن تُنجز.
الحكايتان إذًا متباعدتان وفي زمنين مختلفين ولكنهما في المكان نفسه، حتى يضعنا “كونديرا” أمام هذا التناقض الصارخ، واصطياد التناقضات الصارخة هي سمة أصيلة في مُجمل أعمال “كونديرا”، فنكاد نصرخ بأن قصة الحب الأولى بالتأكيد هي الأكثر ثراء وهي الأحلى، بينما الثانية بإيقاعها السريع اللاهث الذي يُسرُّ لنا بأنها حكاية مزيفة لا تثير إلا السخرية.
و”كونديرا” الفيلسوف أيضًا تحمل رواياته في معظمها كلمة واحدة كأنها عناوين لكُتب فلسفية ومنها: “المزحة”، “الخلود”، “الجهل”، “الهوية”، “البطء”، وهو لا يمل في روايته “البطء” من تكرار فكرته الفلسفية بأن البطء يحمى الذاكرة، وأن السعادة في الحبِّ هي محصلة اللحظات البطيئة المتمهلة التي كان المحب يستمتع بها وهي تمرُّ أمامه.. تلك اللحظات التي تخلص منها عصرنا الحديث، وحين ضحى بها عصرنا الحديث ضحى معها بقوة الذاكرة التي تقودنا بدورها إلى السعادة.
يقول “كونديرا”: (أين اختفت متعة البطء؟ أين هم متسكعو الزمن الغابر؟ أين أبطال الأغاني الشعبية الكسالى؟ هؤلاء المتشردون الذين يتسكعون من طاحونة إلى أخرى وينامون تحت أجمل نجمة؟ هل اختفوا باختفاء الدروب الريفية والحقول والغابات الطبيعية؟
منذ أيام شاركت في تحقيق صحفي “تزايد مرض الزهايمر في الانتشار في الوقت الراهن”، فتذكرت بطء “كونديرا”، وتذكرت رعبي منذ خمس سنوات وأنا أسأل ابني عن حاصل ضرب 12× 4 فيلتقط على الفور هاتفًا محمولاً ويتأمل شاشته قبل أن يجيبني.
الآن أتأمل كلمات “كونديرا” ببطء يليق به وبها، وأتأمل حروف هذا المقال على مهلٍ قبل أن أرسله للنشر بضغطة واحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.