عندما نتحدث عن شركة "مصر- شبين الكوم" للغزل والنسيج التى أنشئت أوائل ستينيات القرن الماضى فنحن نتحدث عن شركة كانت الأولى للغزل والنسيج بمصر، وكانت تسبق شركة غزل المحلة نفسها بدليل حصولها على كأس الإنتاج وكأس التفوق عدة مرات.. حققت أرباحا متزايدة عاما بعد عام .. تضم 7 مصانع على 170 فدانا، وتمتلك أسهما فى شركة مصر- إيران للغزل والنسيج، وتمتلك المنطقة الصناعية فى قويسنا بالكامل ولقوتها أسند إليها إنشاء البرج الإدارى لجميع شركات الغزل على مستوى الجمهورية .. كما كانت تصدر 80 % من منتجاتها من الخيوط الرفيعة – التى كانت مطلوبة بالاسم - إلى أمريكا وألمانيا وإيطاليا وغيرها .. فما الذى حدث؟ .. ولماذا أعلن عمالها الإضراب والاعتصام أخيرا حتى وصل بهم الأمر إلى قطع الطريق ومحاصرة ديوان محافظة المنوفية ومحافظها حتى استجاب رئيس الوزراء لمطلبهم ؟ إنها الخصخصة وفسادها .. حيث أكد العاملون أن فكرة بيع الشركة وخصخصتها طرحت منتصف التسعينيات (95-96) بقيمة 350 مليون جنيه ورفضتها حكومة الدكتور كمال الجنزورى آنذاك لتدنى السعر المعروض .. إلا أنها وبعد مرور عشر سنوات، وتحديدا عام 2006 تم بيعها لمستثمر هندى مقابل 120مليون جنيه فقط !! مثلت نسبة المستثمر الهندى 70% من رأس المال بقيمة 21,7 مليون دولار، فى حين بلغت نسبة الشركة القابضة 18% بقيمة 5٫6 مليون دولار ونسبة اتحاد العاملين المساهمين 12% بقيمة 3٫7 مليون دولار. المهندس محمد عبدربه رئيس مجلس إدارة الشركة والمفوض العام أوضح أن المستثمر الهندى وضع يده فعليا فى 15-2-2007وحول اسمها إلى ( شركة أندوراما تكستيل) وبحكم النسبة كان له حق الإدارة .. فتخلص من 1465 عاملا من ذوى الكفاءة والخبرة فى مقابل التعاقد بعقود مؤقتة مع 630 عاملا مفتقدين للخبرة واقترض من البنوك لتمويل ذلك ليبلغ إجمالى القروض المسحوبة خلال ثلاث سنوات نحو 140 مليون جنيه. وزاد الطين بلة بالاقتراض من الشركة الأم (بى تى ثرى أندوراما إنترناشيونال المحدودة بدبي) بهدف إدخالها شريكا فى رأس المال إلا أنه ورغم ذلك بلغت الخسائر فى 2010 نحو 200 مليون جنيه مما عرض الشركة للتصفية! دعم للمستثمر! ويتدخل فى الحديث عاطف عبدالستار- المدير المالى للشركة -موضحًا أن المستثمر الهندى لم يقم بإدخال أى إضافات جوهرية بل وهمية لنفاجأ بأن الدولة قدمت له دعما من 2007 إلى 2010 يقدر بنحو 68 مليون جنيه أى أكثر من نصف حصة المستثمر ذاتها ، فهل هذه هى الخصخصة بأن أعطيه الشركة بالاضافة الى دعم يفوق نصف حصته ؟! والخطير أن الشركة القابضة تقاعست عن تحصيل مقابل حق الانتفاع من المستثمر الهندى بل واعتبرته مديونية لضخها فى رأس المال وتغطية خسائر الشركة ، وهو ما اعترض عليه اتحاد العاملين المساهمين فى حينه. وكشف عبدالستار عن أن المستثمر الهندى طلب فى العرض المقدم منه أن تمنحه الحكومة 24 مليون جنيه سنويا ولمدة 3 سنوات وبإجمالى 72 مليون جنيه تحت بند إعادة تأهيل وتدريب العاملين وهو ما تم رفضه فى حينه لمخالفته كراسة الشروط إلا أنه تمت الاستجابة لمطلبه بصورة ملتوية حيث منحته الشركة القابضة 40 مليون جنيه تحت بند تمويل المعاش المبكر! .. وهو فساد ظاهر ترتب عليه (إثراء بلا سبب) للمستثمر الهندى لأن خروج 1465 عاملا للمعاش المبكر خفض نحو 25 مليون جنيه سنويا من بند الأجور فى حين تحملت الدولة معاشاتهم. واستمرارا لمسلسل الإفساد قام المستثمر بإدخال بعض الماكينات على أنها مستوردة فى حين أنها (مستعملة) وغير صالحة ، وأضافها للميزانية على أنها جديدة ثم باعها بأقل من ثمن نقلها! وثائق سرية وقد حصل «الأهرام» على وثائق تحت باب (عاجل- فورى - سري) يطلب فيها محسن الجيلانى رئيس الشركة القابضة السابق من وزير الاستثمار الأسبق محمود محيى الدين دعم المستثمر الهندى بملايين الجنيهات حيث يطلب فى إحداها «المساهمة فى زيادة رأس مال شركة أندوراما شبين وتكلفة المعاش المبكر بحوالى 22 مليون جنيه» ويطلب فى وثيقة ثانية «صرف 23 مليون جنيه تحت بند الاختناقات المالية من صندوق إعادة الهيكلة»، وفى وثيقة ثالثة يطلب «إعفاء الشركة من سداد إيجارى الأرض وقيمته 7,5 مليون جنيه عن الفترة من 15-2-2007 وحتى نهاية ديسمبر2009» و «إعفاءها من سداد القيمة الإيجارية مدة 5 سنوات قادمة أو تحقيق أرباح أيهما أقرب» !! ما بعد الحكم قام العاملون برفع دعوى ببطلان صفقة الخصخصة ليأتى الحكم التاريخى من دائرة الاستثمار بمحكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار حمدى ياسين عكاشة نائب رئيس مجلس الدولة ببطلان عقد بيع شركة مصر- شبين الكوم للغزل والنسيج وبطلان أى عقود أو تسجيلات بالشهر العقارى لأى أراض تخص الشركة وكذلك بطلان الإجراءات والقرارات التى اتخذت منذ إبرام العقد وحتى نفاذه، وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التى كانت عليها الشركة قبل التعاقد، واسترداد الدولة جميع أصولها وفروعها ومعداتها وشطب ما عليها من ديون أو رهون، وإعادة العاملين إلى سابق أوضاعهم، مع منحهم جميع حقوقهم وتحمل المشترى للشركة دفع الديون المستحقة عليها وإلغاء شروط التحكيم الدولى الموجودة فى العقد. وبرغم صدور حكم نهائى وواجب النفاذ ومذيل بصيغته التنفيذية ونصه صراحة على ضرورة محاسبة كل من شارك فى هذا العقد وهذه الصفقة إلا أنه – وحتى الآن- لم يحاسب أحد !! وكما يقول العمال : توجهنا – حينها - إلى جميع الجهات المسئولة لتنفيذ الحكم ومنها الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء بصفته، والدكتور على السلمى وزير الاستثمار بصفته، والمهندس محسن الجيلانى رئيس الشركة القابضة بصفته، والدكتور جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بصفته .. إلا أن أحدا منهم لم يحرك ساكنا!! المفاجأة أن المستثمر الهندى لم يقم بالطعن على الحكم بل رأى فيه فرصة للجوء للتحكيم الدولي، فقامت الحكومة متضامنة مع الشركة القابضة بالطعن على الحكم بهدف استكمال إجراءات التقاضى وجاء حكم الإدارية العليا مؤيدا للحكم وبذات الأسباب ، وعندها صدر قرار الدكتور حازم الببلاوى رئيس مجلس الوزراء السابق رقم 1327 فى 14 نوفمبر 2013 لتنفيذ حكم محكمة القضاء الإدارى المشار إليه وإلزام الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج بالدعوة إلى جمعية عمومية غير عادية لشركة غزل شبين لتوفيق أوضاعها وعودتها للدولة ، وكذلك إخطار الجهاز المركزى للمحاسبات، وقيام كل الجهات الحكومية بتنفيذ ما يخصها فى الحكم .. وبرغم ذلك لم يقم أسامة صالح وزير الاستثمار فى حكومة الببلاوى بالدعوة للجمعية العمومية غير العادية .. لتظل الشركة معلقة!. وزير جديد! فوجئ العمال فى التشكيل الوزارى الجديد برئاسة المهندس إبراهيم محلب بدمج وزارة (الاستثمار) فى وزارة (التجارة) ليتولاها منير فخرى عبدالنور لتتوه قضيتهم فى دهاليز الوزارة بعدما أعلن الوزير صراحة أنه غير مختص بشركات قطاع الأعمال العام خصوصا (شركات الغزل والنسيج) ليضطروا عند كل مطالبة أو استحقاق الى اللجوء لمجلس الوزراء. فزاعة التحكيم وأوضح أسامة خلاف - رئيس قطاع الشئون القانونية بالشركة- أنه ينبغى عدم التخوف من التحكيم الدولى فهو لا يدافع عن العقود الفاسدة ، وإذا كان المستثمر الهندى قد لجأ إلى منظمة (أوكسيد) للتحكيم الدولى مدعيا أن القضاء المصرى أضره بإصدار أحكام مسيسة وأنه كمستثمر دخل السوق المصرية بحسن نية وبعقد صحيح، فإن مهمة مكتب المحاماة - فرنسي/ لبنانى - والذى كلفته هيئة قضايا الدولة قسم المنازعات الخارجية بالدفاع عن الحكومة المصرية هى إثبات فساد العقد وسوء نية المستثمر الهندى وذلك بإثبات فساد الإجراءات التى تمت (قبل) و(بعد) عملية البيع. ويؤكد خلاف أن الشواهد تثبت وجود سياسة خبيثة وممنهجة للمستثمر الهندى بهدف الاستحواذ على شركة غزل شبين والقضاء عليها لأنها كانت من أقوى المنافسين للشركة الهندية الأم بدليل أن المستثمر الهندى كان موجودا بالشركة قبل توقيع عقد البيع بعام أو عامين ، وبدون صفة قانونية مما يدل على النية المبيتة لرسو الصفقة عليه وتواطؤ الشركة القابضة فى صفقة البيع. كما أن أى نظرة فاحصة على (التواريخ) تكشف فساد عملية البيع حيث أصدر الدكتور زياد بهاء الدين رئيس الهيئة العامة للاستثمار – حينها- قرار تأسيس شركة أندوراما تكستيل فى 11-6-2006 برأسمال 100 ألف دولار أى نحو مليون جنيه فقط !! فكيف لها أن تشترى شركة عملاقة كغزل شبين ب 174 مليونا ؟! وجاء فى قرار التأسيس أن مقرها هو (شبين الكوم) فى حين أنها لم تكن قد اشترت الشركة بعد ،والذى تم فى 1-10-2006 أى قبلها بأربعة أشهر، مما يؤكد الفساد والتواطؤ على ترسية الصفقة عليها وقبل أن تتم! ويضيف خلاف أن عملية تقييم أصول الشركة شابها فساد واضح وغير متناسبة مع مركزها المالى حيث كان لديها 150 مليون جنيه ودائع فى البنوك وتم على خلاف الحقيقة تقدير 74% من الماكينات بالقيمة الدفترية (صفر) ، كما أن رئيس الشركة القابضة – حينها – قدم لوزير الاستثمار بيانات مغلوطة تضمنها محضر اجتماع الجمعية العمومية وأظهرها ك (شركة خاسرة) ينبغى التخلص منها بالخصخصة وأثبت ممثلو الجهاز المركزى للمحاسبات الحاضرون للاجتماع رسميا اعتراضهم على الصفقة. وكشف خلاف عن وجود بنود سرية فى العقد (ملاحق متممة) طرف كل من الشركة القابضة (وزارة الاستثمار) ، والمستثمر الهندي، من شأنها تقوية موقف مصر فى التحكيم إلا أنهما رفضا إطلاع جميع الجهات الخارجية عليها حتى المستشار القانونى لاتحاد العاملين المساهمين! وأكد خلاف أن فساد العقد أيضا يتضح فى أن الحكومة لم تبع للمستثمر 70% من الشركة فقط ، وإنما باعت له الشركة بالكامل وبالجنيه المصرى ثم عادت واشترت منه حصة القابضة وحصة اتحاد العاملين المساهمين وبالدولار!! وأوضح خلاف أن أداء المستثمر الهندى بعد البيع هدد الشركة بالتصفية وتشريد عمالها حيث لم ينفذ بنودا فى العقد وأفرغ المصنع من الخبرات بإجبارهم على الخروج للمعاش المبكر وهو ما أدى إلى تحقيق 200 مليون جنيه خسائر فى 3 سنوات أى أكثر من رأس مال الشركة ذاتها (176) مليون جنيه. وبرغم قوة الموقف المصرى بمثل هذه الدفوع إلا أن هناك تخوفات من خسارة الحكومة المصرية لجولة التحكيم الدولى لسابقة خسارتها لغالبية القضايا المماثلة ولشبهة عدم حيادية لجان التحكيم ولشواهد عدم جدية مكتب المحاماة الأجنبى فى الاهتمام بالقضية وأوراقها ولغياب متابعة قسم المنازعات الخارجية بهيئة قضايا الدولة لملف القضية وتطوراته والاكتفاء بتقديمه لمكتب المحاماة الأجنبي. عايزين نشتغل! المفاجئ فى الأمر هو رغبة العمال فى العمل والإنتاج محملين الحكومة ووزراءها مسئولية عدم توافر مستلزمات الإنتاج من الخامات و قطع الغيار.. ويشكو العمال قائلين اننا دخلنا فى مشكلات مع عدة جهات حكومية لمحاسبتها لنا على أشياء لسنا طرفا فيها مثل تراكم مديونيات على شركة أندوراما تقدر ب 15 مليون جنيه للضرائب و14 مليونا للكهرباء و15 مليونا للتأمينات ... إلخ. ويرى العاملون ضرورة البحث عن حلول غير تقليدية حيث توجد متخللات وأراضى بناء مملوكة للشركة يمكن بيعها واستخدام حصيلتها التى تقدر ب 150 مليون جنيه فى إعادة عجلة الإنتاج بالشركة للدوران ، كما يتطلب قيام كل مسئول بتنفيذ قرار الببلاوى كل فيما يخصه .. فيقوم وزير الاستثمار بالدعوة لجمعية عمومية غيرعادية لإقرار استرداد الدولة للشركة، ويقوم وزير المالية باعتماد ضخ الأموال لتوفير الخامات والصيانة وصرف مستحقات العاملين ، ويقوم وزير التضامن باعتبار المديونية على شركة أندوراما وليس غزل شبين بحسب نص حكم المحكمة وصيغته التنفيذية.