بالتأكيد شيء يسعد كل مصري وليس فقط كل مهتم بالمسرح أن يري مسرح الهناجر بعد تطويره وقد تحول إلي قاعة عرض كبيرة وأنيقة بخشبة متسعة عظيمة العمق سمحت بوجود فريق آلات شعبية خلف ستارة ومن أمامهم أعداد من الممثلين تتحرك براحة في عرض "أهو ده اللي صار"، الذي اختير لافتتاح المركز من تأليف محمد الرفاعي وإخراج المبدع محسن حلمي.. والمسرحية تدور أحداثها قبل ثورة يناير وتعلل من وجهة نظر مؤلفها ومخرجها أسباب حدوث الثورة بتصور كاريكاتوري حيث يقرر الفلاح هيثم لطفي لبيب أن يترك قريته ويذهب إلي القاهرة مع زوجته مصرية مني حسين بحثا عن ابنهما التائه الذي انقطعت أخباره ويجدان في رحلتهما مجموعة مصادفات تجعلهما شاهدين علي العديد من مظاهر الفساد في تلك المرحلة فبداية يحترق بهما قطار الصعيد ولا ينجو من الحريق غيرهما ثم يجدان نفسهما في داخل مظاهرة دون قصد تندد بالسياسات الأمريكية في المنطقة.. ثم يقبض عليهما جهاز أمن الدولة بتهمة حرق القطار إلي أن يصير ذلك الفلاح البسيط واحدا من الثوار والمعتصمين بالميدان انتظارا للخلاص. الفكرة جيدة, ولكن معالجة الرفاعي لها في الحوار وتسلسل الأحداث كان في الحقيقة أقل بكثير من فكرة العمل وظهرت العديد من المواقف الكوميدية المكررة والشخصيات النمطية المعادة مثل المذيعة الجاهلة المبالغة في الاهتمام بمظهرها, ومساعدها الأقرب إلي التخنث والمحقق الساذج الذي يتصور دائما وجود مؤامرات وتنظيمات أجنبية خلف كل مشكلة تافهة وغيرها من شخصيات قتلت عرضا عبر مختلف وسائل الدراما, لكن في الحقيقة اجتهد محسن حلمي في صنع ايقاع متسارع وحركة دائمة مبررة علي خشبة المسرح تجعل حتي المواقف الكوميدية المكررة مستساغة. وبالتأكيد كان حضور لطفي لبيب وأسلوبه المميز في الاضحاك ببساطة ودون افتعال سببا في جذب المشاهدين ونجاح العرض.. وتألق معه من الفنانين مني حسين وأحمد الحلواني وهشام عطوة وهاني عبدالمعتمد ومجموعة كبيرة من الوجوه الشابة ربما يقف أغلبهم علي المسرح لأول مرة. أجاد محمد باهر في استخدام تيمات موسيقية شعبية تتناسب مع طبيعة الأحداث وأجواء الريف الذي يحمل تراثه ويمثله بطلا العرض.. كما استطاع فادي فوكيه أن يختزل في عناصر الديكور بحيث تؤدي الغرض الايحائي دون تفاصيل زائدة تعرقل انسياب المشاهد في سرعة أرادها المخرج.. وكذلك وفق في اختيار الملابس الملائمة للشخصيات وبخاصة ملابس المطرب الشعبي الذي أداه أحمد الحلواني ببراعة وخفة ظل.. والعرض في مجمله يستحق أن يفتتح موسم الهناجر بعد تجديده وان يكون دافعا لنجوم آخرين, بالإضافة إلي لطفي لبيب لإضاءة المكان بعروض جديدة متنوعة.