تَضعُفُ حجةُ كلِ مَن يدافعون عن حقوق المرأة وعن مبدأ المساواة بين الجنسين عندما تقتصر مطالباتُهم على أن يكون للمرأة فرصة مثل الرجل فى تقلد المناصب الرفيعة لتصبح وزيرة وقاضية وسفيرة ومحافِظة وما إلى ذلك ليس لأنها لا تستحق أو لأنها لا تصلح، بل لما تُوحِى به مثل هذه النداءات وكأن أصحابَها لا يهمُّهم إلا تحقيق التميز والأبهة للمرأة وتجنيبها المسئوليات الحقيقية التى تترتب على إعمال مبدأ المساواة بجدية، خاصة فى المهن الشاقة كأن تكون أيضاً سائقة مترو أو قطار أو أمينة شرطة أو فى درجات صف الضباط بالجيش وما إلى ذلك، وهى المهن التى لا تجد المرأة غضاضة فى القيام بها فى المجتمعات التى قطعت أشواطاً على درب المساواة الطويل الذى، للأسف، لم يتحقق بالكامل بعد حتى فى هذه المجتمعات! وبداية، فإن حجة المساواة الحقيقية قوية وراسخة لدى قطاعات عريضة فى المجتمع المصرى، إما بالوضوح الفكرى عند متعلمين ومثقفين وإما بالقبول المُسَلَّم به عند بسطاء الناس حتى وهم ينكرونها بالقول، وهى مدعومة ليس فقط بما أقرّه الدستور فى أكثر من موضع، وهو ما كان له أن يتحقق إلا بنتائج تراكم نضال سابق، ولكن أيضاً بشواهد ناجحة عبر التاريخ المصرى كانت المرأة المصرية فيها ملكة محاربة تحوز النصر فى ميدان المعارك، كما كانت قادرة على صدّ مؤامرات الأعداء ضد عرشها، بل الإيقاع بهم أحياناً فى حبائل مؤامراتها، وكانت أيضاً قاضية حاسمة يمتثل المتنازعون إلى أحكامها، وكانت فقيهة تجيز القراءة لطالبى العلم من الرجال، وفى ذات الوقت فهى التى عملت منذ فجر التاريخ مثل زوجها تماماً فى الحرث والبذر والرى ورعاية الزرع والحصاد، ثم فى الوقوف لبيع المحصول فى الأسواق، بل كان لها منذ قرون ذمة مالية مستقلة عن زوجها تؤسس بها أعمالها وترأس أعداداً من الرجال يعملون تحت إمرتها، وشاركت أيضاً فى العصر الحديث كقيادة فى الأعمال الفنية حتى كان لها الريادة كأول إمرأة فى العالم تعمل فى الإخراج السينمائى، كما قامت بأداء الفقرات الخطيرة فى السيرك فى عروض حية مع الأسود والنمور، وأما دورها فى الثورات الوطنية والهبّات الشعبية فلها فيها صفحات وصفحات، وغير ذلك كثير. المشكلة الحقيقية التى تواجه دعاة المساواة هى هذه الردة المخيفة من المتجهمين الجدد الذين يستنكرون كل هذا التراث المجيد ويعتبرونه من الكوارث ويصمونه بالعفن!! ويعلنون عن إعجابهم الشديد بأسوأ التجارب الإنسانية، التى لم تشهد إنجازاً يُحسب فى تاريخ انتاج الحضارة، كانت فيها المرأة أصل الرذيلة وشيطان الفتنة، وكان الحكم عليها بالقصور العقلى وبالعجز عن الاضطلاع بالمهام التى تخصص فيها رجال هذه العصور الغابرة، وكانت المهمة الأولى لهذه التجارب التعسة إجبار المرأة على المكوث فى البيت وقيامها بأعمال العبيد والإماء، وقد أضفوا على مقولاتهم هذه قداسة دينية من بنات أفكارهم ومن انتاج هذه العصور! ورغم الكوارث التى أسفرت عنها تجارب من يسعون فى دول أخرى إلى تطبيق هذه الأفكار، إلا أن لدينا من يغمض العين ويغلق العقل ويُصرّ على الزجّ بالبلاد فى هذه المآسى! وهذا مما يضاعف من مسئولية المنادين بالمساواة ويعزز من منطق اتخاذ خطوة إلى الأمام بطرح القضية فى تجلياتها العملية وعدم الاكتفاء بالحجج النظرية وبترديد بنود حقوق الإنسان، أو بالتورط فى البحث لدى فقهاء الماضى عن عبارات تساند دعوة المساواة. ذلك لأن الفيصل الآن هو الدستور الذى يُقرّ مبدأ المساواة، فكيف يفوت على أحد ضرورة تعديل كل القوانين التى تتعارض مع هذا المبدأ الذى صار له الأولوية وفق الدستور؟ كما ينبغى أيضاً العمل على تعديل بعض المفاهيم السائدة التى تنظر إلى الخدمة العسكرية باعتبارها واجباً، فى حين أنها حق يُحرَم من شرف التكليف به مَن تحوم شبهات حول ولائه الوطنى، فكيف تُغمط الفتاة المصرية حقاً يكفله القانون لمواطنها الفتى بما يهدر قاعدة المساواة؟ ألا يستحق هذا تحريك دعوى قضائية تحسم الأمر؟ التخاذل فى خوض هذه المعركة هو إهدار لمبدأ دستورى راح من أجله ضحايا مخلصون، وهو، أيضاً، تبديد لانجازات 30 يونيو، وتقهقر إلى حدّ الإذعان لأفكار الإخوان وحلفائهم الذين يناقضون أنفسهم الآن وهم يدفعون بنسائهم إلى الصفوف الأولى! عندما تنال الفتاة حق التجنيد، وعندما تُثبت جديتَها والتزامَها بما لا يقل عن الفتى، ومن المؤكد أنها قادرة على ذلك، وعندما يدفع هذا بفرصها فى الالتحاق بمدارس الصفّ وبالكليات العسكرية والشرطية، وإلى الترقى حتى تصير لها القيادة على الرجال إلى أن يعتادوا على الانصياع لأوامرها وفق قواعد الضبط والربط، سوف يتشكل واقع جديد بأفكاره الجديدة، وسوف يسْهُل بعد ذلك أن تقطع المرأة خطوات جادة على سبيل استكمال حقوقها، وسوف تهزل مواقف من يعاندون وهم يرون تجسيداً مُفحِماً يَدحض مزاعمَهم الخرافية عن ضعف المرأة الطبيعى وعن قصور إمكانياتها وعن قلة حيلتها..إلخ هذه الخزعبلات! هذه معركة تطول، فيها معارضون أشداء من ناحية المبدأ، وفيها مراوغون يعلنون الحماس ويخططون للعرقلة، وفيها من يرفعون قدر المرأة المصرية عن هذا، وفيها من يثبطون العزيمة بيأسهم، وفيها من سوف تَفتُر همتُهم بعد خطوات، ولكن متى كانت الانجازات الكبيرة سهلة المنال؟! لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب