ماذا يحدث بعد أن تهبط مركبة العشاق على أرض الزواج، ويكتشف كل طرف أن شريك عمره لم يكن ملاكاً أو نسخةً طبق الأصل منه، وأن هناك اختلافاً بينه وبين من أحب واختار، من حيث الهوايات، الطعام المفضل، العادات اليومية، وغيرها من أمزجة وسلوكيات؟ هل ينجح مثل هذا الزواج أم لا؟ وكيف يستطيع الزوجان التكيف مع هذا الاختلاف للعبور بالسفينة إلي بر الأمان؟ ثمة إجابة تقدمها دراسة أمريكية، أثبتت أنّ الاختلافات فى الطباع بين الأزواج تُعد أحد الأسباب الرئيسية لنجاح الزواج، حيث يؤدي التشابه والتماثل في الصفات الشخصية والحياتية، إلى الشعور بالملل والفتور تجاه الشريك الآخر. هذه الدراسة، التي أجراها الباحثون فى «جامعة كاليفورنيا» فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، شملت عينة من الأشخاص الذي مرَّ على زواجهم أكثر من 40 عاماً. طرحت الدراسة على الزوج والزوجة، كل على حدة أسئلة خاصة، دار أغلبها حول فترة الزواج، بما تضمنته علاقتهم الزوجية من مواقف صعبة وحزن وسعادة وما إلى ذلك. وفى النهاية، أوضحت نتائج الدراسة أن معظم الأزواج يفضلون الشريك المختلف عنهم فى الطباع الشخصية، والذى تختلف نظرته إلى الحياة عمن يشابههم في الصفات. لكن، يا تُرى، هل يتفق الجميع مع نتائج هذه الدراسة؟ وكيف نضمن ألا تتسبب هذه الاختلافات في إيقاع الخلافات بشكل دائم بين الأزواج؟ الإجابة فى السطور القادمة. إن نجاح الحياة الزوجية بين أى طرفين يتعلق بظروفهما الخاصة، إذ أن لكل زواج سماته وظروفه التى تصنع عوامل نجاحه أو انهياره.. هكذا بدأت د.هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الزقازيق حديثها، واستطردت قائلة:والتشابه في شخصيتى الزوجين قد يكون من أهم أسباب نجاح العلاقة فى زيجة ما، وفى أخرى قد يبعث علي حدوث الملل والصمت الزواجي، كذلك فإنّ الاختلاف فى طباع الزوجين، قد يكون سبباً في صمود زيجة ما أو انهيارها. كما أن تماثل أى شخص مع آخر، هو أمر لا يمكن حدوثه بين أغلب الناس، خاصة بين الزوجين، حيث نشأ كل منهما في بيئة تختلف عن الآخر، كونت سلوكه ومزاجه، إضافة إلى الاختلاف الطبيعي والبديهي في التركيبة النفسية والاجتماعية لكل شخص عن الآخر.لذا فمن النادر أن نجد أزواجاً متماثلين في الطباع والهوايات. وعند ظهور الاختلافات بين الزوجين، فإنّه يجب عليهما التعامل مع كل اختلاف على أنّه فرصة لتوطيد العلاقة وإظهار المهارات الزوجية اللازمة لاحتوائها. وهذا الأمر لن يتحقق إلا فى وجود الحب والاحترام بين الطرفين، ورغبة كل منهما فى العيش بسلام مع شريكه. ومن أهم القيم التى يجب أن يتحلى بها الطرفان للخروج من مأزق الاختلاف فى الطباع التضحية وقبول التنازلات المعقولة ومراعاة شعور الطرف الآخر واحترام رغباته ورفع شعار: «نتفق على حق كل منا في الاختلاف». وهنا، يمكن أن يتحول عامل الاختلاف إلى متعة تلوّن الحياة الزوجية بألوان مختلفة، وهذا بدوره ينعكس على الأبناء فينشأون في حالة من الأمان والتوازن النفسي. وعلي الآباء أيضاً أن يعلموا أبناءهم المقدمين علي الزواج إدراك أن كل شخص يحمل جوانبا وطباعا مختلفة عن الآخر وهذا أمر طبيعى وأن على كل طرف أن يقدم التنازلات للالتقاء في منطقة وسط. ويعلق د.عادل المدني أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر ومستشار العلاقات الزوجية قائلا: من التصورات الخاطئة التي يتصورها البعض أنه عند ارتباط شخصين ببعضهما فلابد أن يكونا متشابهين في التعاملات والتصرفات والأفكار، وفكرة الاختلاف هى سنة كونيه وقد جاء فى القرآن الكريم «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» (سورة هود). فالاختلاف هو الأساس في الطباع الإنسانية ويجب أن يقتنع به كل من يقدم على خطوة الزواج وفى ذلك جزء كبير من حل المشكلة. وهناك العديد من الدراسات في الحياة الزوجية وتوافقاتها أظهرت أن الزوجين ممكن أن يكونا مختلفين اختلافا كاملا وليس اختلاف تضاد. فمثلا لو كان هو عصبيا وهى هادئة فسوف تستطيع استيعابه وتحمل عصبيته، أو هي متسرعة وهو متعقل فيحدث تكامل وتوازن في الحياة بينهما، وهناك توافق وتشابه بمعنى أن يكونا متشابهين فى أشياء كثيرة وعندهما أرضية مشتركة ولكنهما ليسا متطابقين بشكل تام، لأنه حينها يكون هناك نوع من التكرار الممل الذي يجعل الحياة الزوجية بلا حركة وحيوية وتفاعل. والمشكلة الأكبر التى تواجه الحياة الزوجية أن يكون فى مكنون أحد طرفيها تغيير الآخر ومحاولة جعله شبيها له والطرف الأقوى هو الذي يحاول أن يفرض نفسه وفي الغالب يكون هذا الطرف هو الرجل الذى يريد أن تصبح زوجته مثلما يرغب تماما وعندما تختلف عن توقعاته وتصوراته يشعر وقتها بوجود أزمة فى العلاقة بينهما. ويضيف مستشار العلاقات الزوجية أن وضع نموذج مثالى لشريك الحياة الزوجية فى ذهن المرء يجعله يحاول السيطرة على الطرف الآخر ليتوافق مع ما يريد وهذا الأخير مقتنع بأنه إنسان حر ومن حقه أن يظل بطباعه وشخصيته ويكون نفسه وألا يسيطر عليه أحد فعندما يجد أنه مطلوب منه التغير ليطابق نموذجا ما فى ذهن الآخر.. حينها يشعر بالاهانة وأحيانا تحدث حالة من العناد فيصمم علي عدم التغير أو يفعل عكس ما يريده الآخر. ويختتم د.عادل حديثه قائلا: ومن هنا فلابد من تقدير الاختلاف لأنه احترام للكيان الإنساني، فالله سبحانه وتعالى جعل لكل منا بصمة خاصة في تكوينه الجسمانى والروحانى والعقلى وهذا من شأنه أن يضيف حركة ومعنى للحياة وتنوعا، كما أن هذا الاختلاف مفيد للأبناء من حيث أنهم يجمعون بين الصفات والسمات الحسنة من الأب والأم، فعلى الزوجين أن يستفيدا من مساحة الخلاف بينهما.