عنوان هذا المقال هو عنوان لكتاب مترجم من الفرنسية إلى الانجليزية للفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسى جان بودريار ( 1929- 2007). نشرت الترجمة «فرسو» أكبر دار نشر يسارية فى انجلترا فى عام 2002 وذلك بمناسبة مرور عام على تدمير مركز التجارة العالمى بنيويورك أو البرج التوأم بفعل نفر من الأصوليين الإسلاميين. وعنوان الكتاب يشى بالتعامل الرمزى مع الارهاب، إذ استعان بلفظ «روح» وليس بلفظ «عقل» بدعوى أن الحدث مغاير تماماً لأى حدث آخر تم فى تاريخ البشرية. ولأنه كذلك فليس له منافس، ومن ثم يمكن القول إنه «حدث مطلق». وبناء عليه فإن العادات الذهنية التقليدية لفهم ذلك الحدث لن تكون صالحة لفهمه. أما ما هو صالح لفهمه فهو القول إن أمريكا من حيث هى قوة عظمى بلا منافس هى السبب فى أحداث 11 سبتمبر، إذ أثارت فى نفوسنا ما يمكن تسميته ب «الخيال الإرهاب» الذى تحكم فى عقولنا ودفعنا إلى حلم رأينا فيه تدمير القوة المهيمنة التى هى أمريكا. وكل ما فعله الإرهابيون هو تحقيق ذلك الحلم فى الواقع وهم على وعى بأن الكل مشارك فى ارتكاب تلك الجريمة. وهنا نخطئ إذا استدعينا فرويد وقلنا معه إن ذلك الحدث المطلق قد تم بفعل غريزة التدمير أو غريزة الموت. فمثل هذا الاستدعاء مرفوض من قبل بودريار، أما ما هو مقبول عنده فهو القول إنه كلما تصاعدت قوة القوة العظمى تصاعدت ارادة التدمير لديها، ومن ثم تصبح مشاركة فى تدمير ذاتها. ومن هنا يصاب المرء بانطباع غريب وهو أن انهيار البرج التوأم جاء استجابة لانتحار الطائرتين اللتين أغارتا عليه. ومن هذه الزاوية يمكن القول إن الغرب من حبث هو المعادل الموضوعى لله قد أعلن الحرب على ذاته. ومن هنا نشأ مبدأ جديد وهو أن أى نظام يكون مماثلاً لله من حيث هو مطلق فانه يكون قابلاً للسقوط والانهيار، أو بالأدق يكون قابلاً للانتحار. ومع ذلك جاءت نتيجة ذلك الحدث المطلق مناقضةلذلك المبدأ الجديد، إذ صممت القوة المهيمنة والمتحكمة فى ظاهرة الكوكبية على مواجهة الارهاب بالإرهاب، ولهذا فهى خالية من أى ايديولوجيا بما فى ذلك الايديولوجيا الاسلامية، وبالتالى ليس من حقنا القول إن هذه الايديولوجيا هى التى أشعلت الارهاب. ويخلص بودريار من ذلك كله إلى أن الارهاب مثل الفيروس قادر على الانتشار كوكبياً مع كل نظام يتصف بالهيمنة وكأن الارهاب هو مجرد ظل لأى قوة عظمي. اذن ما حدث فى 11 سبتمبر لم يكن صداماً بين الحضارات أو صداماً بين الأديان، إذ هو قد تجاوز كل من أمريكا والاسلام. والقول بعكس ذلك، فى رأى بودريار، هو من قبيل الوهم لأن ما حدث كان ضد الكوكبية، أو أدق من ذلك هو القول إن الكوكبية كانت تعارك ذاتها، والعراك، من هذه الزاوية، هو فعل لا أخلاقي، أى شر. وإذا كانت الكوكبية شراً فما هو هذا الشر؟ ومغزى هذا السؤال يكمن فى أن فهم الارهاب يستلزم فهم الشر. والامتناع عن هذا الفهم يقع على مسئولية الغرب وفلسفته فى التنوير وفى العلاقة بين الخير والشر. والرأى الشائع، هنا، هو أن تقدم الخير يعنى هزيمة الشر، ولكنه رأى فى حاجة إلى مراجعة لأن الخير والشر يتقدمان معا، وغير ذلك ليس بالصحيح بل وهماً، إذ هما متلازمان ومفترقان، ومن ثم يمتنع تفوق أحدهما على الآخر، وبالتالى يتحقق الاتزان. أما إذا حدث وتفوق الخير إلى الحد الذى فيه يستطيع إقصاء الشر فإن الاتزان يتواري، ولكن الشر لن يستسلم، إذ يعود مرة أخري، وقد كان، فبعد انهيار الشيوعية وانتصار الليبرالية بزغ عدو جديد وسرعان ما انتشر فى كل مكان مثل الفيروس: إنه الأصولية الاسلامية، وبذلك أصبحنا أمام ارهاب ضد ارهاب. امتنع فيه العدو الإرهابى عن الانتحار بلا مقابل، يكمن فى تحول الموت عنده إلى سلاح مطلق يشهره ضد نظام مهيمن أساسه رفض الموت واحتضان الحياة فى حين أن الموت عند ذلك العدو الإرهابى رمز على التضحية. وهذا هو روح الارهاب. هذا موجز لرأى بودريار فى كتابه المعنون » روح الارهاب« أما رأيى فعلى الضد منه. وهذه الضدية مردودة إلى تعريفى للإنسان بأنه » كائن مبدع« قبل أن يكون » كائناً اجتماعياً«، إذ هو الذى ابتدع الحضارة الزراعية ثم أسس المجتمع. ومعنى ذلك أن تقدم الحضارة مرهون بالإبداع، أى لا تقدم بلا ابداع. كما أن هذه الضدية مرهونة كذلك بما انتهيت إليه من أن » الضعيف هو الموَلد للقوي« وعكس ذلك ليس بالصحيح. وقد تبدو العبارة غريبة إلا أن الغرابة تزول عندما نربطها بتعريفى للإنسان بأنه حيوان مبدع. وهذا الربط هو على النحو الآتي: إذا كبت الانسان طاقته الابداعية فانه يضعف، وبالتالى يصبح جاذباً لأية قوة تكون قادرة على استثماره بلا مقاومة. وهذا ما حدث للعالم الإسلامى عندما أدان الابداع بدعوى أنه مشتق من بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار. والمقصود بالبدعة هنا الفلسفة بوجه عام والفلسفة اليونانية بوجه خاص. واستناداً إلى ذلك أدان الغزالى فى كتابه » تهافت الفلاسفة« الفلاسفة المسلمين الذين تأثروا بتلك الفلسفة بأنهم كفار وزنادقة. وحاول ابن رشد فى كتابه » تهافت التهافت« تبرئة هؤلاء ولكن بلا جدوي، إذ اتهم بدوره بأنه مثلهم. ولا أدل على صحة رأيى من قول المفكر الجزائرى الإسلامى مالك بن نبى بأن » العالم الإسلامى لديه القابلية للاستعمار«. لمزيد من مقالات مراد وهبة