علاقة غريبة تلك التي يرصدها الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جان بودريار في كتابه «روح الإرهاب» الصادر حديثا عن «سلسة الفكر» التابعة للهيئة العامة للكتاب ومن ترجمة الناقد السوري بدر الدين عرودكي، وهي علاقة الفعل ورد الفعل بين طبيعة النظام العالمي الساعي إلي الكمال ومشاعر الإرهاب. في البداية يخبرنا بودريار أننا جميعا أبرياء وإرهابيون في ذات الوقت ويلقي بالمسئولية علي النظام العالمي نفسه، يقول أن «المخيلة الإرهابية تسكننا جميعا دون أن نعرف»، بل ويذهب إلي أننا جميعا بدون استثناء ربما نكون قد حلمنا بما حدث من تفجير برجي التجارة العالميين فيما عرف بأحداث 11 سبتمبر، «لا يمكن لأحد ألا يحلم بتدمير أية قوة صارت علي هذه الدرجة من الهيمنة»، ويزيد أن الإرهابيون الذين فجروا البرجين هم من فعلوا، لكننا نحن الذين أردنا ذلك، المؤلف لا يصورنا علي أننا أشرار بالفطرة بل يوضح الأسباب التي تدفعنا دون أن ندري لنكون أشرارا ولتتولد لدينا الرغبة الطبيعية في تدمير الولاياتالمتحدةالأمريكية فيقول: «لا حاجة لغريزة موت أو تدمير، إذ بصورة منطقية جدا، يستثير تضخم القوة الإرادة لتدميرها». ولمزيد من التوضيح يقول بودريار: الإرهاب شأن الظل الملازم لكل نظام هيمنة، وأن تجمع كل الوظائف والتكنولوجيا والفكر والأوراق في يد نظام واحد، فإنه بذلك يرغم الآخر علي تغيير قواعد اللعبة، بل ويفرز خصمه، وفي إطار هذا التحليل يؤكد المؤلف أن ما حدث في 11 سبتمبر ليس صدمة حضارات ولا صدمة أديان، بل ويتجاوز الإسلام وأمريكا، ويصدمنا أكثر حينما يقول: «الحرب تلازم كل نظام عالمي وكل سيطرة مهيمنة، ولو كان الإسلام يسيطر علي العالم لوقف الإرهاب ضد الإسلام». لكن طالما أننا كلنا إرهابيون وأن نظام الولاياتالمتحدة الساعي للكمال هو السبب في خلق الإرهاب، فلماذا يقوم الإسلاميون فقط دونا عن باقي الشعوب الأخري بالعمليات الإرهابية؟، هذا السؤال أجاب عنه بودريار: «مع انمحاء الشيوعية والانتصار العالمي للقوة الليبرالية، انبثق عدو شبحي منتشرا في كل أنحاء العالم، عداء موجود في أعماق كل منا، والإسلام ليس إلا الجبهة المتحركة لتبلور هذا العداء، كما أن الإرهابيين يستخدمون أسلحة القتل التي صنعتها الولاياتالمتحدة إلي جانب سلاح الموت، فالرجال يتمنون الموت بقدر ما يتمني الأمريكيون الحياة، ولأن الانتحار في عقيدة الإرهابيين ليس بطولة فردية، بل هو فعل قرباني جماعي».