صفحة جديدة افتتحها الشعب المصري مع احتفالات الثورة بإلغاء حالة الطوارئ التي ظلت سيفا مسلطا علي رقبة أي إنسان صاحب فكر وإبداع ورؤية سياسية, فاستخدمها النظام البائد وسيلة لإرهاب المواطن وامتهان كرامته, والقضاء علي خصومه السياسيين والمعارضين, ليعيش الكثيرون منهم وراء القضبان لسنين طويلة وبلا محاكمة, فالطوارئ ذلك القانون المشبوه لم يكن يحفظ الأمن والأمان للمواطن بالدرجة الأولي ولكنه امتهان لكرامة أمة. الدكتور محمود كبيش, عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة, يري أن إلغاء هذا القانون فيما عدا البلطجة يعد تتويجا لجهاد شعب وثورة في عيدها الأول باتخاذ قرار ضروري من جانب المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وأن استثناء البلطجة جاء ضروريا للمرحلة التي عشناها ونعيشها الآن لظهور حالات ومظاهر البلطجة بدرجة غير معهودة في مصر, فإذا كانت رؤية البعض أنه كان لا يطبق, فنقول لهم والكلام للدكتور كبيش إن القانون العادي أصبح لايطبق أيضا علي المجرمين المنتشرين في أنحاء البلاد ويعيثون فيها فسادا, وأن قانون الطوارئ أعطي للسلطات التنفيذية سلطات بلا حدود للقبض علي أي إنسان تراه خطرا دون انتظار للقانون العادي, بينما نري الآن أن خطر البلطجية الآن زاد حتي مع وجود القانون, ويرجع البعض ذلك إلي خوف الدولة من الاتهامات أو من عدوان العصابات, في الوقت الذي يوجد فيه فعلا بعض رجال الأمن في موقع الاتهام تجاه المخالفات المرتبطة بعمليات الهريب بأنواعها. النظام السابق وأشار د.كبيش إلي أن الطوارئ في أي بلد تكون مؤقتة دائما فهي تسمي الطوارئ أي أنها وقتية ومع ذلك حرص النظام السابق علي استمرارها دون داع, لذلك فالبلد ليس في حالة حرب وانما في حالة استرخاء كامل لعشرات السنين, ومع ذلك كان هذا النظام يتغاضي عن القانون العادي ويطبق القوانين الاستثنائية, حتي إن الطوارئ اعتبرت قانونا دائما لاعتقال خصوم النظام وأغلبهم من الشرفاء لمجرد معارضتهم فيتعرضون بين يوم وليلة للحبس والتعذيب ولعل الإخوان المسلمين هم من عانوا أكثر من غيرهم من هذا القانون وحسب قول المرشد العام د.محمد بديع إنهم قضوا نحو20 ألف سنة بسجون الاعتقال وهو مجموع السنين التي قضاها الأعضاء جميعا, فكان هذا عورة وسبة في جبين النظام السابق, وأصبح قانون الطوارئ سلاحا لخروج الدولة علي الشرعية والحكم العادل فهي الخصم والحكم أمام أي معارض, ويظهر ذلك في أنه حتي بعد أن يتظلم المعتقل بهذا القانون وخلال30 يوما من الاعتقال ويعرض علي القاضي فإذا أمر بالإفراج عنه يكون في انتظاره بالباب وأمر اعتقال جديد ليعاود التظلم ويعاد اعتقاله دون رحمة أو شفقة أو حتي نظرة انسانية آدمية للشخص الذي تتعرض أسرته حتي في سنين اعتقاله للتدمير النفسي والمادي والأخلاقي والحقيقة أن هذا القانون جعل من الحكومة نوعا آخر من البلطجة. وأشار د.كبيش إلي أن الدول والمجتمعات الراقية لا تستعين بمثل هذه القوانين إلا في حالات الطوارئ القصوي مع توفير كل ضمانات المعتقل واحترام آدميته وتكون مدة الاحتجاز عدة أيام, وفي دولة مثل فرنسا لم يطبق قانون الطوارئ سوي مرتين في تاريخها الحديث في أيام حكم ديجول وبومبيدو وانتهت بمجرد انتهاء الحالة الطارئة, أما في ظروفنا الحالية مع حالة الانفلات فإن المشير أحسن في الاحتفاظ باستثناء القانون علي البلطجية دون إلغاء لأن هذه المرحلة محاطة فالفوران الذي يعقب الثورات وتحدث جرائم من كل نوع تهدد المجتمع, فالقانون العادي في مثل هذه الحالات قد لا يساعد في حسم هذه الظاهرة لأن إجراءات القبض علي مجرم قد تستغرق ساعات أو أياما إضافة لإقامة الدليل, وإثبات حالات التلبس وتلاعب المدافعين عنه وغيرها مما لا يحتمل كل ذلك لمنع المجرمين والجريمة. بداية الديمقراطية وتري الدكتورة فادية أبوشهبة, أستاذ القانون الجنائي بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية, أن خطوة إلغاء قانون الطوارئ تعتبر أولي خطوات الديمقراطية الحقيقية لأنها تحافظ علي كرامة الإنسان في ظل وجود قانون طبيعي, كما أنها تعتبر إلغاء لأي اعتقالات أو محاكمات عسكرية تحت أي مسمي إلا البلطجة ولا تكتمل هذه الخطوة إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية التي تنادي بها الثورة, ويحق لأي إنسان شريف أن يطمئن إلي أن بلده دخلت إلي الطريق الصحيح في تعاملها مع المواطن في الوقت الذي تتشدد فيه مع البلطجية وأعمالهم لأن تطبيق قانون الطوارئ عليهم يعني الوقاية من شر قائم, وتميزت هذه الحالة بتشديد العقوبات حتي الإعدام إذا كانت الجريمة قد أدت إلي حالة وفاة من المجني عليهم, فإذا كانت بتهديد السلام تصل إلي15 سنة سجنا مشددا, فهي جنحة تتحول إلي جناية إذا استخدم البلطجي سلاحا أبيض أو ناريا أو حيوانا لإرهاب المواطنين. وقالت د. فادية إن القانون الغي بحكم من المحكمة الدستورية العليا في عام1996 لعدم عرضه علي مجلس الشوري إلا ان ذلك لم يمنع النظام من استمراره وتجدد فيما بعد الثورة لمواجهة حالة الانفلات الأمني, وترويع الآمنين من عامة الشعب, وتحولت قضايا البلطجة إلي المحاكم العسكرية, إلا انه يعيب هذا القانون امكان تكريسه لمصلحة معينة بالقبض علي انسان دون تهمة أو ايجاد حق للدفاع عن النفس والتأكد من تطبيق حقوق الانسان.. بينما الغاء الطوارئ دون ذلك فليس من حق احد ان يلقي القبض علي مواطن فهناك قاض طبيعي ليس عسكريا ويتاح له ان يدافع عن نفسه بعد ان يعرف التهمة الموجهة إليه. واشارت إلي ان استثناء البلطجة من قانون الطوارئ جاء مهما للغاية لان الشهور الأخيرة وفي فوران الثورة حدثت حالات انفلات واسعة في انحاء مصر وعلي كل المستويات وكانت القنابل المفجرة لها هي العشوائيات وسكان المقابر وما سمي بثورة الجياع وكلها كانت متوقعة ولم تلتفت لها الدولة منذ مدة طويلة فضلا عن خروج المجرمين والمسجلين خطر من السجون, فظهرت حالات سرقة السيارات وبلغت حتي الآن21 الف قضية سرقة وسطو مسلح علي سيارات إضافة لنحو50 الف قضية سطو مسلح وهي قضايا لايمكن حصرها في هذه الجرائم المنظمة من خطف وقتل واعتداء في الطريق العام والطرق المفتوحة ساعدها حالات البطالة والفقر وفي ذلك لم يكن امام الحكومة الحالية سوي بذل مجهود لمواجهة ترويع المواطن. ثم جاءت مشكلة اطفال الشوارع الذين يفعلون اي شئ في سبيل50 او100 جنيه هذا ما حدث اخيرا في احداث مجلس الوزراء وشارع محمد محمود اضافة إلي اثارتهم للثوار لمساعدتهم ضد حراس المباني ووزارة الداخلية, لذلك فان اي انسان شريف يمكنه الآن ان يعيش في اطمئنان اذا ماحرصت الدولة علي مطادرة البلطجية, وتعريفهم للاحكام العسكرية فورا فالجيش الآن يؤدي الأمانة بما يستحق التقدير والعرفان. يواكب الثورة اما المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاه السابق فيري ان قرار الغاء الطوارئ جاء في وقته مواكبا للثورة محققا لاحد اهدافها المهمة, ولكن يجب ان تعرف ان الحكومات التي تعتمد عليه تكون ضعيفة جدا, وذلك انه برغم من وجود هذا القانون لم تتوقف جرائم الإرهاب في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي لان هناك عوامل باعثة علي الإرهاب او البلطجة تستحق ان تواجهها في تدني الحياة المعيشية وانفجار العشوائيات والفقر الشديد, لذلك فانه كان يمكن الغاء القانون بلا استثناء حتي من البلطجة لان القانون الحالي يكفي لمواجهة كل المخالفات, فهناك جرائم التلبس في البلطجة ولاتحتاج قانون طوارئ تحت اي مسمي, ويمكن للأمن إجراء المحضر والتحريات ويحصل علي باذن من النيابة ولكل ذلك في ساعات قليلة دون اللجوء لطوارئ البلطجة. وهناك قاض يستطيع ان يفصل ويحكم فيما يعرض عليه فهناك قول مأثور: اعطني قانونا ظالما وقاضا عادلا, لارساء الحق. ويعرض المستشار زكريا عبدالعزيز اقتراحا لتفعيل القانون الحالي دون الطوارئ بانواعه ومن خلال وزير العدل ومجلس القضاء الاعلي, بتخصيص قاض يوميا في الفترة المسائية خاصة بقضايا التلبسات السريعة حيث تتولي النيابة المسائية التحقيق في القضايا مثل الجنح وتقدم القضية فورا للقاضي المسائي المقترح ليصدر حكما فوريا بعد دراسة أو تأجيل بما لايهين كرامة المتهم ويكون حكم القاضي في المسائي هنا درجة أولي ويكون الاستئناف يوما بعد يوم بما يعجل بحسم القضية واقرار العدل تجاه التهم وجريمته, وتتم الإجراءات الاولية كلها منذ التحقيق والعرض علي النيابة حتي الحكم في حدود5 ساعات فقط او اقل حيث يمكن للقاضي اتخاذ إجراءات عاجلة بحجز القضية للحكم, خاصة في حالة المتهم بالتلبس والذي يحال في الفترة التي القي القبض عليه فيها مسائية او صباحية وبدوائر الجنح المستأنفة, وبذلك يتحقق الروع دون الرجوع لقانون استثنائي وذلك مراعاة لفكر الثورة بإجراءات سريعة عاجلة في المحاكمات وبشرط ألا تكون متعجلة. احد ثمار الثورة ويري الدكتور جمال زهران المعارض السابق بمجلس الشعب واستاذ العلوم السياسية, ان خبراء الغاء الطوارئ من محاسن الثورة واحد ثمارها المنتظرة والمطلوبة وهو حلم كل انسان محترم وكريم في مصر, غير ان استثناء البلطجة يحتاج منا تعريف: ماهو البلطجي, لانه يمكن تفسيره باي شكل تري كانت عادية بين شخصين فتوصف بالبلطجة مثلا لذلك فالخطوة المطلوبة حاليا تحديث مفهوم البلطجة فقط حتي لانكون خاضعين لقانون الطوارئ بطريقة اخري, فاذا كان القرار يقصد منع البلطجة, فانه يمكن مواجهة هذه الظاهرة حاليا ولو مؤقتا باعتقال كل المسجلين خطر وهم معروفون لدي الأمن جيدا والتحفظ عليهم لايقاف موجة ارهاب المواطن ولومؤقتا حتي تتوازن الأمور. وقال إن قانون الطوارئ قد وجد اهتماما لدي الدولة بالغائه واقرار مبدأ الحرية والديمقراطية الحقيقية للمجتمع.