فى نفس الأجواء ومع حلول الانتخابات البلدية التى تجريها فرنسا كل ستة سنوات لاختيار رؤساء البلديات أو "العمد"،تعيش الساحة الفرنسية حالة متباينة من الجدل وتبادل الاتهامات على خلفية تناوب عقيم للأدوار يشهده المعترك السياسى للثنائى الحزبي اليمين واليسار ويسأمه المواطن العادي. والواقع ان المواطن الفرنسى العادى غير معنى بهذا الجدال السياسى العتيق..فما عبرت عنه صناديق الاقتراع ماهو سوى موجة غضب عارمة يعبر من خلالها الناخب عن استيائه من الأوضاع بطريقتين، إما بالتغيب عن المشاركة،أو بالتصويت العقابى لليمين المعارض، المتمثل اما فى حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية"(UMP الحزب الحاكم سابقا برئاسة ساركوزي-او حزب «الجبهة الوطنية» المتطرفة (FN)، وزعيمتها مارين لوبن المتربصة للاليزيه!. فمن المنتظر ان يحسم الناخبون اختياراتهم اليوم فى الدورة الثانية من تلك الانتخابات بعد ان احتل الحزب الاشتراكي الحاكم الموقع التالى خلف حزب اليمين «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، وكانت المفاجأة التى فاقت التوقعات،بان ينتزع اليمين المتطرف لحزب الجبهة الوطنية (FN) عددا من المدن التى كانت معاقل لأحد الثنائى الحزبى منذ اكثر من خمس عقود. وقد يضيف الى نقمة الشارع واحتمالات المقاطعة, التقرير الصادر عن ازدياد نسبة البطالة ليزيد الطين بله ويضاعف من أزمة الاشتراكيين، صدور التقرير قبل اربعة ايام من الجولة الثانية الذى يفيد ان نسبة البطالة قد ازدادت فى شهر فبراير 9% بمعنى زيادة 31500 عاطل خاصة فى صفوف الشباب. وتجدر الاشارة الى ان نسبة التغيب فى الدورة الاولى سجلت38.72%، وهى نسبة عالية فاقت نظيرتها فى 1988، واعتبرت قياسية بالمقارنة لعام 2008 التى سجلت 33.46%.. وأرجأ المراقبون جزءا منها كنوع من العقاب بعد الكشف عن عدد من قضايا الفساد،والفضائح التى فاحت على الساحة فى الفترة الماضية.وبالطبع طوعته الجبهة اليمينية المتطرفة لتحتل المرتبة الثالثة بعد الثنائية الحزبية وتنتزع عدة بلديات كانت من اهم المعاقل لليساريين او لليمين(UMP). وبنظرة تحليلية للاحداث لوجدنا ان الاحوال المعيشية للفرد فى تدهور مستمر ايا كان بفرنسا او ببعض الدول على المستوى العالمي،قد نأخذ منها امثلة لدول اوروبية كانت فى تعداد الدول المتقدمة كايطاليا، اسبانيا، اليونان بل ودول كبرى كامريكا..كلها تعانى اقتصاديا وفى تدهور–حتى لو كان نسبيا-مستمر مع صراع طاحن على تناوب السلطة مابين يسار ويمين وبنفس الاليات والسياسات العقيمة دون تغير!. ونجد انه غالبا ما ينفجر غضب المواطنين فى وجوه هذه السياسات المتعفنة التى عفى عليها الدهر عبر الانتخابات الرئاسية او المحلية البلدية على حد سواء..فكلها تحمل رسالة واضحة هى بمثابة ثورة ضمنية او باردة-ان صح التعبير-لان الثورات غالبا ما تنفجر فى ظل الديكتاتوريات..وبما ان الغرب تخطى هذه المرحلة فالديمقراطية المتاحة لدى مواطنيهم تمنحهم حق الثورة بالتعبيرعن الراى عبر صناديق الاقتراع..الا ان ما حدث فى فرنسا خلال الحقب الرئاسية السابقة (ميتران، شيراك، ساركوزي) يزداد سوءا من حيث تلبية متطلبات المواطنين الذين يعانون من تدنى فى مستوى المعيشة،وتفاقم فى منسوب البطالة،وأزمة فى الإسكان،اوانخفاض القدرة الشرائية..وجميعها متطلبات مشروعة لم تقو على تلبيتها السياسات التقليدية المتتالية التى عهدها الفرنسيين بتبادل الادوار مابين سياسية اليسار الاشتراكي أو اليمين الديجولي. جميع هذه العوامل تجعلنا نلمح ضرورة تغير أعمق من المفهوم التقليدى للتغير, ربما تكون الحاجة الى تغير هيكلى يماثل ما تم بعد الثورة الفرنسية الاخيرة.. بمعنى ان الفرنسيين لديهم مشاكل حقيقية تمنحهم الشعور بفقدان الرفاهية او المكتسبات التى خولتها لهم الثورة الفائتة،وبدورها تلقى تلك المشاكل بظلالها على كافة المناحى الحياتية بداية من التعليم والامن والبطالة وتدفق المهاجرين وتداعياته على هذه المجالات..قد يجعلنا نتفهم مااطلقت عليه الساحة بعد الدورة الاولى من الانتخاب البلدية بالاكتساح المدوى لليمين المتطرف المعروف بسياسته المعلنة الرافضة للمهاجرين والاتحاد الاوروبى على السواء. والجدير بالذكر ان تنامى حزب الجبهة الوطنية المتطرفة (FN) وزعيمتها مارين لوبن يثير مخاوف شديدة بفرنسا، وعلى مستوى الاتحاد الاوروبي،ويفسح المجال للتكهنات بنتاج وخيم لتداعيات هذا الإحباط المجتمعى ,وقد نعيد التذكير بتصريحات مؤسس الجبهة الوطنية المتطرفة (FN)جون مارين لوبن الأب الكاره للمهاجرين العرب والمسلمين بالأخص الذى قال قبيل الانتخابات بان الحزب سيحقق انتصارا مدويا يضم فيه بعض المدن ليكون ذلك ضمن سلسلة من الانتصارات تؤهل جبهة اليمين وزعيمته مارين لوبن للرئاسة فى 2017.وعلى نفس الصعيد من محاولات جذب المزيد من الناخبين لمعسكر اليمين المتطرف..سارعت زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن بتصريحات لاغراء الناخبين لخفض الضرائب فى المدن التى سيطر عليها اتباعها من جبهة (FN).ورحبت لوبن بأولى النتائج التى أعطت مرشحى حزبها المراتب الأولى فى عدة مدن مرددة الكلمة التى استخدمتها الساحة فى الفترة المنصرمة وهى نهاية سيطرة الثنائى الحزبى –الاشتراكى واليمين الجمهورى اللذين حكما فرنسا فى الفترة الماضية وفى الوقت الذى لا يزال اليمين المتطرف حاضرا بكل قوة فى العديد من المدن الكبرى والبلديات،يستعد اليسار بكافة اطيافه من الاشتراكيين وحلفائهم الخضر أنصار البيئة والحزب اليسارى الشيوعى المعارض لمواجهة الهجمة الزقاء لاحزاب اليمين المعارض. وفى خطوة ايجابية رفض رئيس"الاتحاد من اجل حركة شعبية"جان فرنسوا كوبيه،الذى اعيد انتخابه في «مو» شرق باريس للمرة الرابعة، سحب مرشحيه أمام مرشح اشتراكى أفضل حظاً بغية قطع الطريق على اليمين المتطرف رافضا أى تحالف مع الجبهة الوطنية. ويبقى الرهان الصعب للاشتراكيين فى معركة الصمود فى الدورة الثانية للانتخابات المحلية مفتاح لاستكمال مسيرة الرئيس فرانسوا اولاند والبقاء فى الاليزيه لحقبة رئاسية ثانية وقتما يحين الاستحقاق الرئاسي..وهو مايتتطلب المزيد من العمل والتغير الجوهرى والانصياع لمتطلبات الفرنسيين.