يحل مساء اليوم المفكر إيلان بابيه أحد أبرز رجال تيار المؤرخين الجدد الذين يعيدون كتابة التاريخ الصهيونى بطريقة مغايرة للرواية الإسرائيلية الرسمية، ضيفاً على مسرح السرايا فى يافا الواقعة ضمن أراضى 48، وذلك فى محاضرة عامة ونقاش مفتوح عن موضوع: التطهير العرقى فى فلسطين 2014 – 1948، بإدارة الباحث خالد جبارين. وتعود أهمية الحدث إلى تزامنه مع الاحتفاء بذكرى يوم الأرض، فى زيارة مؤقتة للمفكر بابيه الذى اختار فى العام 2007 الخروج من دولة الاحتلال لصعوبة الاستمرار فى قبول سياستها الظالمة، ووفاءً لصدقه المهنى والبحثى بكشف لخرافات الدولة التوراتية فى أوراقه وبحوثه ومحاضراته وكتبه. ويعتبر إيلان بابيه المولود لأبوين يهوديين هربا من معسكرات اعتقال النازى هتلر من أبرز دعاة حل الدولة الواحدة، كما أنه من مؤيدى مقاطعة المؤسسات التعليمية الإسرائيلية كأحسن وسيلة لإنهاء "أفظع احتلال عرفه التاريخ الحديث". وقد تعرض بابيه للكثير من النقد فى إسرائيل بسبب تأييده للحقوق الفلسطينية فى مقاومة الاحتلال وعودة اللاجئين. دفع بابيه الثمن منذ عقود، ولم يختتمه بالخروج من الدولة العبرية تاركاً خلفه جامعة حيفا إلى بريطانيا حيث واصل كتاباته المناهضة للاحتلال، وكانت لدى بابيه عدة أسباب لتركه قسم علوم السياسية بحيفا وقبوله الأستاذية بجامعة أكستر البريطانية، كما قال فى حوار مع معاريف، وترجمه الكاتب وائل الطوخي: "من يواجه الحقائق التى تربى عليها مجتمعه يتحمل الكثير من العداوة والحسد والكراهية. يجب على الإنسان أن يأخذ مهلة من هذا، يؤسفنى أننى كنت كبش فداء للمجتمع الإسرائيلي. لن أتنازل عن الحقيقة ولكن ليس من اللطيف تحمل هذه العداوة. السبب الثانى هو الترقية الأكاديمية، أنا شخص أكاديمى ويستحيل بالنسبة لى العمل كمؤرخ محترف فى إسرائيل. أقوم بدراسة أمور يصعب على المجتمع الإسرائيلى تقبلها. هم لا يقومون بترقيتى بسبب آرائي. كل من نشر 12 كتابا تتم ترقيته إلى درجة بروفيسور فى أى مكان آخر بالعالم، وقد عرضوا على منصب "بروفيسور" فى جامعة أكستر". أما السبب الثالث لمغادرته إسرائيل كما صرح فهو اعتقاده بأنه من الأسهل دفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين من الخارج وليس من داخل إسرائيل. تضم كتب بابيه قائمة طويلة استهلها بكتاب عن السياسة الإسرائيلية فى سنة 1948، وآخر عن التطهير العرقى فى فلسطين، بينما تناول كتابه تاريخ فلسطين الحديثة ما دار فى القرنين الماضيين مع التركيز على القضايا الاجتماعية والثقافية. وتضم قائمة كتب بابيه عناوين عدة منها: بيروقراطية الشر: تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، المقاطعة سوف تثمر: وجهة نظر إسرائيلية، فرض العقوبات على إسرائيل، الفلسطينيون المنسيون: تاريخ الفلسطينيين فى إسرائيل، غزة فى أزمة: أفكار حول الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، خارج الإطار: الكفاح من أجل حرية أكاديمية فى إسرائيل، صناعة الصراع العربى – الإسرائيلي، أما أحدث كتبه المقرر صدوره الشهر القادم فبعنوان: شعوب منفصلة: إسرائيل، وجنوب إفريقيا وقضية الفصل العنصري. وقد تم قبل شهرين إصدار النسخة العربية من كتابه الفلسطينيون المنسيون: تاريخ فلسطينيى 1948، الذى ترجمته هالة سنّو، والذى صدر فى 2011 بالإنجليزية مع إهداء إلى الشهداء الفلسطينيين الثلاثة عشر الذين قتلتهم شرطة الاحتلال مع اندلاع الانتفاضة الثانية فى سبتمبر 2000، ويعد الكتاب إضافة مهمة للمكتبة العربية نظراً للحضور الخافت لفلسطينيى الداخل مع ندرة المتخصصين الموضوعيين فى تدوين تاريخ فلسطينيى الداخل، مما يجعل القارئ فى الشرق والغرب أسيراً لرواية المحتل للأحداث وأسرى الصورة النمطية عن الآخر الفلسطينى . وفى تصريح ل محررة صفحة ثقافة عالمية، قال بابيه: "إنه لمن دواعى سرورى وقلقى أيضاً أن تصدر أخيراً الترجمة العربية لكتابى الفلسطينيون المنسيون الذى يحكى تاريخ المواطنين من عرب 48 كما يطلق عليهم فى الأدبيات العربية. وطبقاً لارتحالى الدائم فى العالم العربى كمنشق يهودى معارض للصهيونية وفى الوقت نفسه مواطن إسرائيلي، فأننى أرى أن المجتمع العربى بخصوصيته، التى لم يتم فهمها بالكامل، إنما وقف صامداً وفاعلاً إيجابياً وبصورة متفردة فى الحفاظ على القضية الفلسطينية حية وحاضرة. يشرح هذا الكتاب لماذا أصبح هؤلاء الفلسطينيون إسرائيلى الجنسية، مع وصف تاريخى لطريقة معاملتهم فى الخمسينيات من جانب الاحتلال، وكيف عانوا من الفصل العنصرى منذ 1967. وأتمنى أن يلقى هذا السرد التاريخى الضوء على الظروف الخاصة والصعوبات التى عاش هؤلاء فى ظلها، آملاً ًأن يتفق القراء معى فى ضرورة الدفع بشدة من أجل السلام والعدل فى فلسطين".