الأحداث الجسام هى ما تخلق الزعماء العظام، فالرجل لا يعرف إمكاناته، ولا يقدر نفسه حق قدرها، إلا عندما يختبرها فى غمار الأحداث والتعقيدات، التى تحاصره، فيكتشف فى نفسه قدرات، ترتفع به إلى مستوى اللحظات التاريخية المكثفة فيعرف من الناس كبيرهم وصغيرهم، إنه ولد ليكون مع موعد مع القدر، ليكون زعيما وعظيما بإرادته أحيانا وعلى غير إرادته فى أحيان كثيرة أخرى! تعيش مصر، ومن حولها الأمة العربية، ومن خلفها العالم الإسلامي، ومن أمامها العالم كله، لحظة انتظار لذلك الزعيم، الذى يقودها فى عالم مضطرب، بالتحولات الكبري، والأزمات المركبة، والاشتباك المفاهيمى فى القيم والأخلاق والدين، واضرابات نفسية واجتماعية، تحتاج لساحر لا لرجل، ولكن التاريخ قدم لنا رجال فاقت عزيمتهم قوة الجبال، بلا أى سحر أو شعوذة،بل فقط بنور العقل اهتدوا وقادوا وانتصروا وعبروا، وسجلهم التاريخ فى سجل العظماء! يأتى الرئيس المصرى القادم ليحتل موقع الزعامة الشاغر، لا ليقود شعبا، ولكن ليقود جيشا من المفكرين الفلاسفة والعلماء، ليقودوا بدورهم الشعب، فى هذا التيه، تحولات دولية كبرى لواقع العولمة، التى أصبحت نظاما عالميا جديدا، لا مجرد ظاهرة أو أيديولوجية، وكذلك الأزمات المركبة الاقتصادية والأهلية والأيديولوجية، التى تحتاج إلى عقد اجتماعى جديد، ينظم التنافس على السلطة وطبيعة العلاقات بين الناس والأفكار، والتنظيم الاقتصادى لإدارة شئون الدولة، وقبل كل ذلك فك الاشتباك المفاهيمي، أساس الفوضى الجديدة، للصراعات الأهلية على أسس عرقية ودينية، مما يتطلب السعى إلى وفاق وطنى جامع شامل على الجميع احترامه، طوعا أو كرها، ولا يخفى على أحد، أن الأمن الوطنى حاليا يقوم على الأمن الاجتماعى والإنساني، المستمد من التنمية الشاملة والحريات، مما يتطلب مواجهة علمية ومفاهيمية وأمنية للمخربين وأعداء الحرية، يتصدرها الشعب كله. إذن الرئيس القادم يواجه الفاشية الجديدة فى الخارج والداخل، والتى ولدت كل هذه الموالد من العنف، فى كافة الأقطار العربية، فرموز العولمة فى أشرس حالاتها، للسيطرة على العالم، وانتهاك مصالح الأكثرية من شعوب العالم، بسلب القدرة على التحكم فى السياسة الاقتصادية لتصبح رأسمالية السوق الحرة القوة الدافعة للعولمة، بصرف النظر عن مصالح الفقراء فى الدول التى عجزت عن التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولا تتورع قوى العولمة المتوحشة من إضعاف الدول الفقيرة على ضعفها، بتفتيتها وتقسيمها، لتصبح كيانات هشة تابعة للشركات الدولية والمؤسسات المالية الدولية، التى تحمى مصالحها وتكرس سلطة الشركات الفاشية الجديدة. هذه الفاشية الخارجية تحالفت مع تيارات الفاشية الداخلية، التى لا تشكل معيارا مؤسسيا كافيا، لجماعة سياسية أو اجتماعية، لاعتبارها معبرة عن الدين الإسلامي، وممثلة له أو للشعب، بقدر ما هى تيارات هامشية، لا تمثل إلا شخوصها من المرضى النفسيين، الذين حاولوا أسلمة الهستيريا، وفق مخيلتهم، لا وفق مباديء الدين الأساسية من النبع الصافي، الذى أوصله إلينا كبار العلماء، الراسخون فى العلم، لا من يتمسكون بقشور لا يعرفون غيرها، ويتاجرون بها للبسطاء، على إنها صحيح الدين، ليتبعوا أهواءهم، ولأن الأهواء لا تملك الحجج العقلانية ولا الحلول العملية العلمية ، فبالتالى يصبح الإرهاب هو المكون الذهنى التى تستند إليه فتلصق الهستريا بالإسلام، مما يلقى ترحيبا من الفاشية الدولية، التى تقدم لتلك التيارات المعزولة، الدعم المادى والغطاء الدولي، لتساعدها على تقسيم وتفجير الأوضاع الداخلية للدول العربية الإسلامية، فتدوم الهيمنة والفاشية الخارجية، بفضل الفاشية الداخلية الإرهابية! النبع الصافى للإسلام كرسالة دينية أخلاقية يعتبر نفسه الدين الأول، الذى أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى المرسلين رحمة للعالمين، من إبراهيم حنيفا، فالديانة الحقة هى أن يؤمن الإنسان بجميع الرسل من أولهم إلى آخرهم، بل ويفتح العالم الإسلامى الراحل (محمد فريد وجدي) الباب أمام جميع الأديان، الصينية واليابانية والإفريقية.. وغيرها ليعتبرها واجبة الاحترام، لأن بها أصل من أصول الإيمان، ثم حرفت فيما بعد، على أيدى الشراح والكهان، ويستدل على ذلك بقوله تعالى «وإن من أمة إلا وخلا فيها نذير»، وأيضا قوله تعالى «منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك» فالأصل فى المعاملة الإسلامية احترام الآخر، وإن جادلناهم فبالتى هى أحسن! هذه القاعدة لدين الفطرة السليمة، أعتقد أنها الأصل، لتحويل المسار العالمى من توحش الشركات الدولية، للسيطرة والهيمنة على فقراء العالم، إلى «تنافس الشعوب المنتجة حضاريا» ، وهذه القاعدة كفيلة بإرساء قواعد تحالف السلام العالمي، الذى دعى إليه الفيلسوف الألمانى (كانت) ، تحالف يدعم السلام والوفاق بين الشعوب، على أساس أن التفوق لأكثرهم حضارة وإنسانية، لا تخلف وهمجية سواء من الفاشية الدولية، أو الفاشية الدينية الداخلية. الرئيس القادم يحارب على جبهتين، فى حرب عادلة، يدعمه الشعب المصرى الحضاري، الذى خاض التجربة حتى آخرها، واطلع بالعين المجردة على إفلاس الحركات المتاجرة بالدين، على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والأخلاقية، وقرر إنهاء مولد العنف، بمواجهته والقضاء على منابع الإرهاب الخارجى والداخلي، لا الاستسلام لشروره المتوالية من عنف لعنف، فى اختطاف غير مسبوق للدين الحنيف! صراع الرئيس المصرى المنتظر، سيكلل بالنجاح بالقضاء على تلك الفاشية الجديدة بالداخل والخارج، إن استطاع قيادة تيار فكري، وتحالف دولى للسلام، يؤمن بما آمن به المفكر الألمانى الكبير (جوته) عندما قال: من حماقة الإنسان فى دنياه أن يتعصب كل منا لما يراه، وإذا كان الإسلام معناه التسليم لله فإننا جميعا نحيا ونموت مسلمين!، فليس النجاح يتحقق بكشف أطماع الفاشية الجديدة، بقدر ما يتحقق بالقدرة على ملء الفراغ الفكرى وإقناع الناس أن بإمكانهم أن يعيشوا جميعا أخيارا فى تحالف السلام العالمى! لمزيد من مقالات وفاء محمود