وكأنما أرادت لنفسها أن تكون التحدى الأكبر الذى يواجه الحكومات المتعاقبة.. وللاسف فانه فى كل المعارك تخرج العشوائيات منتصرة وترفض اعلان استسلامها أبدا .. بل على العكس تتمادى فى التحدى فيمتد سرطان العشوائيات ويتغلغل. حتى أصبحت دويلة داخل الدولة "تحقيقات الأهرام "تفتح الملف الحديث القديم ، ونعرض نموذجا صارخا من قلب العاصمة لاحدى المناطق العشوائية معبرة عن الأوضاع المتردية للبشر والمكان على حد سواء ,مع تقديم اقتراحات الخبراء لكيفية التصدى لتفاقم المشكلة ,وتوجهنا بدورنا للمسئولين لنتعرف على ما أعدته الحكومة الجديدة من خطة دفاعية للمواجهة، خاصة بعد أن أعلن المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء مؤخرا أن هناك أكثر من 4 ملايين من سكان القاهرة الكبرى وحدها يقطنون العشوائيات. عزبة العسال: «مقبرة» كبيرة تحقيق:محمد القزاز: " تصوير تانى، تلاتين مرة صورتوا ومشفناش حاجة" تستقبلك هذه الجملة حين تدخل عزبة العسال بشبرا، وتعكس كم الإحباط الذى سيطر على أهالى أقدم عشوائية فى مصر..تبددت أحلامهم بعد أشهر من الإعلان عن بدء التطوير، فما تم تطويره لم يدم طويلا، طلاء من الخارج، وضيق من الداخل، فمن كان يسكن فى حجرة ضيقة لا تسع بالكاد سريرا، أضيف إليها حمام ليزداد المكان ضيقا، تتسرب مياهه على الساكنين أسفله، وتعصف بالتطوير الذى تم. لم تتوقف الحكايات عن الفقر والجهل والأمية، الثلاثية القاتلة، لم يشعر الناس بشىء، بل زادوا إحباطا بعد وعود بالتطوير، فأطلقوا العنان لأحلامهم، وانتظروا أن يتغير وضعهم، ويشعروا بآدميتهم، فلم يجدوا من ذلك شيئا. 65 مليونا حجم ما أعلن عن رصده لتطوير العزبة، من صندوق دعم مصر ( 30/6 30/6) خلال أربع سنوات هى عمر مشروع التطوير. لم يختلف حال سكان من تم تطوير منازلهم عمن هم فى انتظار التطوير، شهوار سيد فرغلى تقول إنها تركت المنزل منذ ثلاثة أشهر، وهم فى العراء الآن، ولم يعد الاحتمال ممكنا حتى نعود لمسكننا مرة أخرى، فالمكان الذى لا تتعدى مساحته 81 مترا يسكنه 40 فردا، وحين طالبنا بمكان بديل لم يكن هناك رد سوى خيمة فى منطقة أحمد حلمى. فى حارة سليمان شحاته، تمت إزالة ثلاثة منازل وحتى الآن لم يتم بناء غيرها، علما - كما يقول أيمن أحد المشرفين على المشروع -أن التطوير يتم بنفس المساحات التى كانت موجودة دون نقص أو زيادة إضافة إلى إنشاء دورة مياه فى كل حجرة بدلا من المشتركة. المنطقة التى يقطنها نحو 40 ألف نسمة وتضم مئات المنازل، كلها آيلة للسقوط، يقول نصر كامل عباس، كنا نتمنى أن يتم التطوير بنظام وأن يشمل كل شارع على حدة وليس منازل منتقاة، ففى شارع محمد عبدالوهاب تمت إزالة أربعة منازل لا تتعدى مساحتها مائتى متر، وهم يشترطون أن يكون البناء بنفس المساحة دون زيادة، فحتى الآن هناك 10 منازل تمت إزالتها ويقومون ببنائها من جديد ولا زيادة فى الادوار أو المساحات، وهم يطالبون بارتفاع المبنى وبدلا من حجرة تكون شقة، والمشروع معرض للفشل نتيجة عدم تعاون الحى مع الصندوق، والشكوى من البطء، كذلك حين يتم إخلاء المنازل لا نجد بديلا غير العراء. أمام المنازل التى تمت إزالتها يأتيك صوتها مكسورا، "يااستاذ إحنا عايشين فى سراديب" تأخذك منى خليفة 40 سنة إلى ما يشبه اللحد، وتشير بيدها إلى غرفة لا تتعدى عشرة أمتار" هذا المكان نعيش 8 أفراد ثلاثة أخوة و4 أولاد، بعد ما تركت زوجى" ثم تشير مرة أخرى إلى ماسورة صرف" مفيش يوم يعدى إلا ونلاقى الصرف الصحى داخل علينا الغرفة" بجوار منى، تجلس امرأتان يعيشون فى هذه اللحود، يدعونك لرؤيتها ثم يرجونك أن تناشد المسئولين ألا نترك المكان، سوسنا منصور شراينى" عاوزة أبقى جنب كنيسة أرمانطوس" بينما ليندا عوض المرأة السبعينية لا تقوى على الكلام ، ترجو منك النظر إلى القبر الذى تسكنه، فلا تقوى على رؤيته، من كم الروائح المنبعثة منه والظلام الذى يسكن جنباته. إذن لا جديد فى حياة سكان عشوائية عزبة العسال، فمن لم يتم تطوير منزله، يعيش فى قبور، ويتعايش مع مياه الصرف الصحى وروائحها، ومن تم التطوير له لم يشعر بجديد، فحارة عبدالدايم بعزبة الصفيح التى تلاصق عزبة العسال وجرى تطويرها وافتتحها محافظ القاهرة د. جلال سعيد منذ شهر، لم يشعر أهلها بتحسن أحوالها، بل إن التطوير كان نقمة عليهم، فأصبحت الحمامات فى الأدوار العليا تتسرب منها الماء على الحوائط والأسقف الخشبية، وأصبحوا يدفعون إيصالات مياه شهرية بدون عدادات، لكل حجرة 52 جنيها، ومن قام ببناء غرفة تم توقيع غرامة عليه 5 آلاف جنيه. تقول إحدى السيدات، لم نستفد من التطوير فى شىء، بل أصبحت الحجرة أشد ضيقا مما قبل بعد إدخال دورة المياه فيها، بل أن الماء يتسرب الى الغرفة من دورة المياه التى تعلو الحجرة ، كنا نحلم بالتطوير لنعيش فى مكان أوسع، " يا تطوير حقيقى ياتسيبونا فى حالنا" قالتها إحدى السيدات للتطوير وجوه كثيرة لم يشعر أهالى عزبة العسال بالتطوير، هذه حقيقة، ولكن دكتورة منى زكريا المشرفة على مشروع التطوير لها رأى آخر، إذ تقول: لم ير أحد الاماكن التى كانوا يقطنونها من قبل، وكيف كان حالهم، ومن يريد أن يعرف الحقيقة عليه أن ينظر إلى المنازل المجاورة ليعرف ما بذل من جهد وعرق للارتقاء بمعيشة هؤلاء المواطنين . وبحسب د. منى زكريا فإن معظم السكان يقدمون مبررات عديدة ومطالبهم فوق الاحتمال، فالمنازل لم يكن فيها ماء أو صرف صحى، ودورة مياه مشتركة وحين انتهينا وجدنا أنهم يسعون لبناء غرف جديدة وخرجت الاموال التى تحججوا بأنهم لا يملكون فى هذه الدنيا شيئا. وتضيف أن التنمية الحقيقة ليس تطوير مكان بل تنمية بشر وإيجاد سبل معيشة وتوفيرفرص عمل، بمعنى تنمية حقيقية على الأرض بكل مستوياتها، فمستوى التعليم والجهل جعل الناس لا يقبلون بأى شىء، بل يطمعون فى المزيد، ، فهناك من تم البناء لهم وفوجئنا بان بعضهم يتزوج على زوجته ويبنى حجرة أخرى لزوجته الجديدة، هذا هو السبب وراء التمسك بتحديد المساحات والأدوار وعدم زيادتها، لأن التجربة علمتنا ،فبسبب الاهمال عادت المنازل الى شكلها العشوائى القديم ، وتسرب المياه الذى يشكون منه يرجع الى أنهم قاموا بهدم بعض الأساسات لبناء حجرات أخرى، ليس لهم بل لتأجيرها، كما ان مطالب البعض بشقق فى أماكن مختلفة،الهدف منه التربح وبيعها للاخرين والعودة الى منطقتهم مرة اخرى نظرا لارتباطهم بها بسبب أعمالهم وعلاقاتهم الاجتماعية بجيرانهم. وتضرب د. منى زكريا مثالا على ذلك بمدينة السلام بأنه تم تخطيطها تخطيطا رائعا، وفيها كل المرافق من ماء وكهرباء وغاز طبيعى، ولكن لأننا أهملنا العنصر البشرى فيها وتنميته التنمية الصحية وتركنا الجهل والبلطجية وتجار المخدرات، أصبحت المدينةالمكان الأكثر للمخدرات وشتى أنواع الجريمة. وفى النهاية تبقى كلمة اخيرة وهى عدم الوصول الى نقطة التقاء فيما بين مطالب سكان العشوائيات وخطط المسئولين فكلاهما يقف على طرفى النقيض من الاخر .. تر ى ماهو الحل ؟!