ناهد السيد تجر ذيل جلبابها المصرى وتنفض عنه غبار النجوع والقرى والأزقة،وتحتضن ما تبقى من نقوشه وصدريته متشابكة الخيوط والألوان عائدة به الى مصر مرة أخرى بعد أن نفته سنوات الحداثة وتطاولت عليه الموضة،وهاجمه مصممو الأزياء المعاصرون،ضاربين به عرض الحائط .. هكذا حاولت وتحاول الفنانة شهيرة محرز أن تعيد للجلابية المصرية هيبتها ومكانتها، ليس باعتبارها مجرد زى معاصرمستوحى من التراث،ولكنها كمادة لتوثيق التراث المصرى من خلال الجلابية فى كل أنحاء الجمهورية . ترتدى شهيرة محرز الجلابية المطرزة بالغرزة المصرية يدويا منذ 50 عاما تطوف بها قرى مصر ونجوعها، لتؤرخ بها للهوية والذات المصرية،رغم أنها نشأت فى أسرة إقطاعية لا تتحدث إلا الفرنسية، وكانت اللغة العربية فيها لغة ثانيةً بالنسبة لها قائلة « كنت أشعر بالتناقض بين احساسى ببلدى ولغتها وبين بيئتى الغربية البحتة، التى جعلتنى أعيش حضارة مغايرة لحضارتى وفى سن مبكرة قررت أن أتعرف على هويتى أكثر وبعد أن انهيت دراستى فى الجامعة الامريكية قسم كيمياء، درست التاريخ الاسلامى». عاشت محرز فى غربة ثقافية، لكنها قررت أن تعود إلى ذاتها، إلى هويتها الثقافية بعد أن اكتشفت ان لديها انفصاماً فى الشخصية، تعرفت بالمعمارى حسن فتحى وتعلمت منه أن تبحث عن حضارتها وأن تحصل من الحضارة الغربية على ما ينقصها فقط ،فبدأت بالاهتمام بالعمارة والفنون الاسلامية التي رأت أنها الأقرب إلى مصريتها ،وبعد أن خاضت فى دراستها لجامع السلطان حسن الذى اتخذته موضوع الدكتوراه،توقفت لكى لا تكرر ما فعله الآخرون،واتجهت للفن الشعبى. بدأت رحلة شهيرة الحقيقية،في الريف المصري،رافعة شعار استاذها « حسن فتحى» «البسطاء هم صناع الحضارة « لأنهم لم يخونوا الثقافة والهوية بعد،بل حافظوا عليها، ولهذا اكتشفت محرزأن لكل منطقة تراث خاص بها يحكى تاريخ اهلها وبيئتها وطبيعتها،وبدأت رحلاتها فى كافة انحاء الجمهورية تجمع الجلابيب من النساء، وتسأل عن حائكة كل ثوب ومن طرزته لتكتشف ما لديها من تشكيلات توثق طبيعة حى آخر أو زقاق فى نفس المنطقة . واكتشفت أن كل حى صغير له طراز معين وتصميم على اساسه يعرف الحى، ويقال «فلانة من دير كذا فى الشمال مثلا»،وتعرف بجلابيتها، وبدأت الترحال اسبوعيا لتطور رحلاتها خوفا على هذا الإرث من الاندثار،وأصبحت تصادق النساء وتساعدهن فى حياكة الجلابيب وتساعدهن في توفير المواد الأصلية ذات الجوده العالية ،وهى الان بصدد اصدار كتاب لتوثيق رحلاتها. كتاب يحكى حكاية كل حى ونجع وكفر من خلال غرزة جلبية وتشكيلة الخيوط،بداية من اكتشافاتها للاكسسوارت الفرعونية التى طعمت الجلابية فى بعض مناطق الريف والبدو،ومرورا بالرداء الكامل الذى يغطى الوجه ويجر 7 متر للوراء والطرحة التى تعرف الفتاه من لفتها اذا كانت متزوجة أو أرملة أو مازالت بكرا، والبراقع التى تشير الى هوية وحى المرأة ،والكلفة الحمراء التى تنتمى لبعض المناطق المتطرفة فى جنوبسيناء، أما خليط الألوان والتدخل مع الازرق مثلا فيتميز بها الشمال وهكذا رأت شهيرة أن تراثنا عرضة للاندثار ولابد من التكاتف للحفاظ عليه وأضعف طرق الحفاظ عليه هى ارتداؤه.