اختتمت أمس بالعاصمة الإماراتية أبو ظبى فعاليات المنتدى العالمى: «تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة» بمشاركة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، و 250 عالما ومفكرا وباحثا إسلاميا من مختلف الدول. وبحث المؤتمر على مدى يومين القضايا الإنسانية التى تسببت بها الصراعات الفكرية والطائفية فى المجتمعات المسلمة، فى ظل التحديات الكبيرة التى تعانى منها الأمة الإسلامية فى سياقها الزمنى الراهن، وسبل تكثيف الجهود والعمل بشكل منهجى ومدروس من قبل العقلاء أولى الأيدى والأبصار من أهلها لتشكيل جبهة موحدة لمواجهة الفكر التكفيرى والنزاعات الداخلية فى الدول العربية والإسلامية. كما بحث المنتدى الذى عقد تحت رعاية الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية بدولة الإمارات، سبل تعزيز السلم بالمجتمعات المسلمة. وقد التقى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر عددا من الشخصيات المهمة منها سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبو ظبى والدكتور هادف بن جوعان الظاهرى وزير العدل الإماراتى ودعا الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الى اطلاق مبادرة دولية للتعارف انطلاقا مما ورد فى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) “الحجرات : 13” لتَعزِيزِ السلمِ فى المُجتَمعات العربية والإسلامية، وفتحِ قَنَوات اتِّصالٍ مُباشِرٍ بينَ العُلَماءِ والحُكَماءِ وبينَ صُنَّاعِ القَرار من السياسيِّينَ فى الشرقِ والغربِ، وترسيخِ قِيَمِ السلامِ والأمانِ والأُخوَّةِ والمحبَّةِ عبرَ برامجِ الحوارِ، وعبرَ برامجَ تعليميَّةٍ لتربيةِ النَّشءِ والأطفالِ واختيارِ المُمارَسات السلميَّة فى الحياةِ اليوميَّةِ. وقال شيخ الأزهر، خلال كلمته بالمنتدى، إنه آن الأوان لبناء مؤسسات دولية فعالة وتستبعد الحروب وتتجنبها وتتخطاها لإيجاد وسائل بديلة للنزاعات الدولية وفى مقدمتها النزاع فى منطقتنا العربية والتوترات الكريهة التى أسفرت عن وجهها القبيح فى بعض بلدان المنطقة. وأكد الطيب حاجة العالم الملحة الآن إلى إحياء مفهوم السلام العادل، وإلى تطبيقه وتنزيله على واقع الناس، مشيرا الى أن الفيتو الأمريكى فيما يتعلق بالنزاع الصهيونى الفلسطينى هو أهم أسباب الإرهاب الدولى والتشجيع عليه، بل المشاركة فيه بصورة أو بأخرى، وذلك على الرغم مما يصدر عن أصحاب هذا الفيتو من بيانات تصف ضحية الإرهاب بأنه الإرهابى الأول. وأضاف قائلا: وإنى وإن كنت لا أعول كثيراً فى تفسير مصائبنا التى تحدق بنا فى الشرق على نظرية «المؤامرة» التى تجعل من التآمر الغربى باعثاً رئيساً لمشكلاتنا فى الأمن والاقتصاد والصحة والتعليم، إلا أن المسرح الذى تتتابع على خشبته هذه الأحداث البشعة هو مسرح عبثى وفوضوى يشير بكل قوة إلى هذه الأيدى الخفية السوداء التى تمسك بخيوط اللعبة الماكرة”. وأكد الطيب أن القائمين على مؤسسة الأممالمتحدة الذين حددوا بكل وضوح أن حفظ السلام والأمن الدوليين ومبدأ المساواة بين الدول الأعضاء وتحريم استخدام القوة أو مجرد التهديد بها فى العلاقات الدولية، من مبادئ المنظمة لم يكونوا جادين فيما يقولون وفيما يضعون من مواثيق زعموا أنها من أجل الإنسان والحفاظ على حقوق الدول، وبحيث لا تتميز فيها دولة عن دولة.. ولا يتفاضل فيها الإنسان الغربى عن أخيه الشرقي.. ومن ثم لم يكن غريبا أن نرى منظمة كمنظمة الأممالمتحدة عاجزة عن القيام بأى دور فى ردع كثير من السياسات الجائرة والظالمة. من جانبه قال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، فى افتتاح أعمال المنتدى إن “أشباه” العلماء أشعلوا الحروب الطائفية فى المنطقة، وأن من أهم أسباب الشقاق والحروب الطائفية التى تمزق أمتنا اليوم تصدر أشباه العلماء مواقع الريادة ومنابر الفتيا واحتلالهم وسائل إعلام متنوعة. وشدد على ضرورة عودة العلماء المشهود لهم بالعلم والفضل إلى الواجهة. وأكد أن الشريعة الإسلامية الغراء نزلت بمقاصد سامية وقيم راقية من أعلاها وأهمها تعزيز السلم وحفظ الأنفس وصون الدماء وإفشاء السلام، مشيرا إلى أن الإسلام جاء لجمع الكلمة وإشاعة المحبة وبث روح الوئام بين الناس على اختلاف دياناتهم وتنوع معتقداتهم. وقال إن من أهم أسباب الشقاق والحروب الطائفية التى تمزق أمتنا اليوم غياب صوت العقل وانحسار مبدأ الاختلاف الذى جبلت عليه الخليقة وتصدر أشباه العلماء مواقع الريادة ومنابر الفتيا واحتلالهم لوسائل الإعلام المتنوعة فاستخفوا رهطا من الناس فانساقوا خلفهم من دون وعى ولا دراية. وشدد على أنه لكى تعود الأمة إلى صوابها لا بد من عودة علماء الدين المشهود لهم بالعلم والفضل والوعى بمقتضيات العصر وتغيرات الزمان ليكونوا فى الواجهة فلا تأثير لعالم منفصم عن واقع أمته وغائب عن فهم حاجاتها ناهيكم عن جاهل بالمتغيرات الحضارية التى تقتضى إعادة النظر وتجديد الخطاب الدينى ليكون عقلانيا متزنا ونابعا من حاجات الإنسان فمن تلك حاله لا يمكن أن يؤثر إيجابيا فى أمته. وشهدت المنتدى عقد جلستين علميتين ناقش المشاركون خلالهما 6 أوراق علمية، تناولت موضوعات تدبير الاختلاف وثقافة الحوار، وآليات التعاطى مع المواثيق الدولية فى مجال حقوق الإنسان. وجمع المنتدى كبار العلماء والمفكرين فى العالم فى جبهة موحدة لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة التى تخالف القيم الإسلامية ومبادئ الإسلام السمحة، من خلال الدراسات الإسلامية السليمة المبنية على مبادئ صحيحة متعارف عليها لإيضاح حقائق مهمة بأن الأيديولوجيات المتطرفة أشعلت الصراع الطائفى وتسببت فى تصاعد الإرهاب والتحريض المتزايد على العنف والاقتتال، كما تسببت فى استقطاب العالم الإسلامى وزعزعة الاستقرار فيه وشوهت صورة الإسلام. كما ناقش المنتدى القضايا الإنسانية التى تسببت بها الصراعات الفكرية والطائفية فى المجتمعات المسلمة بسبب استقواء كل طرف بمن يعينه ويحتضنه على حساب مصلحة الأمة. وانتهت المناقشات إلى رسم خريطة طريق نحو الأمام للمجتمعات الإسلامية للعيش بسلام وتناغم مع المفاهيم العالمية بدون شكوك أو مسائل تدعو للجدل، وجسر الهوة فى الفهم بين المجتمع المسلم والمجتمع الدولى من خلال عرض العقيدة الإسلامية بشكل واضح ولا لبس فيه وعبر تعليقات تستند إلى مرجعية دينية حقة تدحض تبريرات الأفكار والأفعال المتطرفة. وأكد المنتدى فى ختام أعماله أهمية الحوار واحترام الآخر وإخماد الحرائق والضغائن والأحقاد المتأججة فى جسد الأمة التى تهدد نسيجها الاجتماعى بالتفكك والخراب وتضعف كل عوامل المناعة الذاتية فيها فى مواجهة التحديات والأطماع والمؤامرات. وأكد المتحدثون فى المنتدى أنه لا اختلاف فى القيم الأساسية الكبرى كالحق فى الحياة وكرامة الإنسان والحرية والمساواة والعدل وأن احترام هذه الحقوق الضرورية ومراعاة ثقافة الاختلاف وترسيخ أهميتها وإقامة الجسور بين مختلف الشعوب والأمم هو وحده الذى يعيدنا إلى قيمة الإنسان ويذكرنا أننا جميعا نستحق هذه القيم بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو الدين.كما أكدوا أهمية دور علماء الدين وأهل الفكر فى ترسيخ هذه القيم وتحجيم القيم المضادة ليكونوا جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة. وطالب المنتدى فى ختام أعماله بعقد جلسات حوار بين جميع الأطراف، واصفا تلك الفئة بالخوارج الذين خرجوا على الأمة، وأنهم لا يسيرون على المنهج السلمى الذى ارتضته جموع الشعب، مؤكدا ضرورة تعريف جميع دول العالم بالتجاوزات التى ارتكبتها هذه الفئة، فضلا عن محاصرتها محليا وخارجيا. وأكد الدكتور نصر فريد واصل، مفتى مصر الأسبق، أن ما تشهده الساحة المصرية من عنف ومظاهرات وتعدٍّ على الجيش من قبل من يدعون الدفاع عن الشرعية، يخرج تماما عن حدود الشريعة والدين الإسلامي، لافتا إلى أن الدين الإسلامى يأمر بتحقيق الأمن والسلام. وأن تلك الإحداث ساهمت فى تعطيل جزء من الحياة اليومية للمواطن، وقال : هذا خروج وإفساد فى الأرض، فالتغيير يكون بطريقة سلمية، ولا بد أن يبتعد كل البعد عن العنف.