ترتبط الشعوب بهوية يفرضها عليها الأصل واللغة، والتاريخ والبيئة، والثقافة. وكما يقول باختين فإن الهوية تتكون فى العلاقة بجماعة أخري:«أنا لا شيء بدون الآخر». ويبدو وجود الآخر ضرورياً لتحديد هويتنا فى ظل مجتمعات متعددة اللغات والثقافات. ويؤكد أمين معلوف فى الهويات القاتلة أن هويته واحدة هى لغته وعقيدته وبلده ولكن انتماءاته متعددة فهى فرنسية ، إفريقية ، عربية ، ولبنانية. أن هذه الانتماءات قد تكون دينية ، أو عرقية أو وطنية ، وقد تتغير الأولويات بمرور الوقت . وكل انتماء يربطنى بمجموعة من الناس ولكن الهوية التى تميزنى عن الآخر ، هى انتماؤنا للبعض واختلافنا عن البعض الآخر، هى وعى بالذات مقابل الآخر. والهوية بناء متكامل ثابت لا يتغير فى حين أن الانتماء يمكن أن يكون للبلد الذى درست فيه ، واللغة التى تعلمتها ، والثقافة التى تعرفت عليها. وهو متعدد الثقافات واللغات ولكن الهوية تبقى واحدة وإن تعددت انتماءاتنا فلا يمكنك أن تمتلك عدة هويات فى آن واحد .ولمصر بالرغم من ذلك ثلاث هويات : عربية وإسلامية وإفريقية كما تؤكد المادة الأولى من الدستور الجديد. فما هى هوية مصر الإفريقية ما هو مدى انتمائها للقارة الأفريقية ؟ وما مدى معرفتنا بأدب ولغة افريقيا السوداء ؟ وما هو دور الأدب واللغة فى التقارب بين شعوب القارة السمراء؟ يعتز أهل الفكر والسياسة والفن الأفارقة بمصر وهذا ما أكده لى الكثير من السفراء عند لقائى بهم فى مناسبات متعددة ، وهذا ما يبرر وجود عدد كبير من الطلبة الأفارقة فى آداب القاهرة حيث أنهم كانوا يمثلون فى عام من الأعوام نصف طلبة الفرقة الدراسية أو فى جامعة الأزهرالشريف ، وإن كان هذا الشغف بمصر لم يظهر فى أعمال كتاب افريقيا الأدبية كما ظهر فى أعمال كتاب شمال إفريقيا. نحن لا نعرف الكثير عن الأدب الإفريقى رغم تميزه وحصوله على جوائز عالمية. والأبحاث والدراسات والرسائل الجامعية التى تتناول هذا الأدب مازالت قليلة اذا ما قورنت بدول العالم الأخرى فى امريكا وأوروبا وخاصة فرنسا وانجلترا لأن الكثير من الأعمال الأدبية الإفريقية تكتب بلغتى هذين البلدين. إن الاهتمام بالأدب الإفريقى ونشره وترجمته هو وسيلة التقارب بين الشعوب والانفتاح عليها.وكما نجهل هذا الأدب ، فنحن لا نعرف الكثير عن العادات والتقاليد والثقافة الإفريقية, فى عام 1971 نشر اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا انطولوجيا من ثلاثة أجزاء باللغة الفرنسية: الأول والثانى عن القصة القصيرة والثالث عن الشعر، تناولت أعمال الأدباء المصريين والأفارقة وأدباء شمال إفريقيا. إن تعزيز الروابط والصلات بين العرب والأفارقة الذين يقيمون فى قارة واحدة يكون بعدة وسائل نذكر منها ما يلي: السعى لتعليم اللغة العربية فى إفريقيا وتعلم اللغات الإفريقية فى الجامعات والمراكز الثقافية. ودراسة الأدب الإفريقى المكتوب باللغة العربية أو باللغتين الإنجليزية والفرنسية وترجمته. وفتح قنوات علمية مشتركة بين الجامعات المصرية والإفريقية والتواصل الدائم عن طريق المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية. ودراسة المجتمعات الإفريقية من خلال الأدب فهو يعكس صورة هذه المجتمعات ويعبر عنها. ونحن نأمل مع بداية العام الجديد مزيداً من الاهتمام بهويتنا الإفريقية وأن يلعب الأدب والترجمة دوراً فى تنمية هذه العلاقات وفى مزيد من التقارب . وأنهى بهذه الكلمة لأمين معلوف فى كتابه «اختلال العالم » لكى يكون الماضى ماضياً ، لا يكفى أن يمر الزمن . ولكن على المجتمع أن يضع حداً فاصلاً بين حاضره وماضيه (...) يجب أن يؤكد كرامته واحترامه لنفسه وهويته . أستاذ بآداب القاهرة لمزيد من مقالات د.غراء مهنا