بعد ظهور طفل عمره 12 سنة وهو يحمل عبوة ناسفة استعدادا لتفجيرها من خلال جهاز لا سلكى بالتنسيق مع الجماعة الإرهابية فى شمال سيناء والذى يعد تطورا خطيرا فى استغلال الأطفال فى العنف السياسى الذى ظهر بعد أحداث ثورة 25 يناير. عندما شاهدنا أطفالا يشتركون فى حرق المجمع العلمى وأطفالا يتصدرون مشهد العنف ضد الجيش والشرطة فى أحداث محمد محمود.. ومؤخرا أطفالاًٍ أيضا يحاولون حرق جامعة الدول العربية وعلم مصر .. دفعنا دلك يدفعنا إلى اللجوء للخبراء والمختصين لتفسير هذا الأمر ومعرفة إجابة السؤال المهم: هل ظهور طفل إرهابى فى شمال سيناء يمكن أن يمتد إلى محافظات أخرى؟ وإلى متى سيستمر مسلسل استغلال الأطفال فى العنف السياسى؟ وكيف نتعامل مع هؤلاء الأطفال؟ وكيف يمكن مواجهة الأمر بشكل عام؟ بداية يعلل د.جمال شفيق أستاذ العلاج النفسى ورئيس قسم الدراسات النفسية بجامعة عين شمس أسباب هذه الظواهر، التى وصفها بداية بأنها ظواهر غير طبيعية، أنها بالتحليل النفسى ترجع إلى عاملين أساسيين، الأول هو إشباع حاجات الطفل المادية كحاجته للمأكل والمشرب والملبس والتعليم والمسكن والرعاية الصحية والترفيه واللعب، والعامل الثانى هو ضرورة إشباع الحاجات النفسية وهذه تعنى مدى احتياجهم للشعور بالحب والود والمشاركة والنجاح وحب الاستطلاع والاستقلالية والحرية والانتماء، وإذا حدث خلل أو إعاقة للإشباع أو عدم تلبية لأى من هذه الاحتياجات يشعر الطفل بالنقص والحرمان والدونية ويشعر أيضا بالغيرة والحقد ويكره نفسه ويكره الآخرين. وفى الفترة الأخيرة، تزايدت الأزمات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية مما أدى إلى عدم قيام الأسرة بالدور المنوط بها وهو رعاية وتربية وتنشئة الأطفال واحتوائهم وتمسكهم بالأسرة، وحين لا يجد الطفل الحب الكافى والحضن الاجتماعى ولا المأوى داخل الأسرة فإنه بطبيعته الإنسانية يبحث عن هذا الانتماء فى مكان آخر مهما كان نوعها أو شكلها، وهنا من الممكن أن يشعر الطفل بانتمائه واندماجه وارتباطه بمثل هذه الجماعة الخارجة عن القانون والتى هى فى نفس الوقت ضد المجتمع، فالطفل لا يدرك الخطورة هنا لأن قدراته العقلية فى هذه السن لا تمكنه من التمييز مابين الحق والباطل أو الخير والشر أو الحلال والحرام، فكل تركيزه فى أن يجد جماعة تساير سلوكه أو يساير سلوكها وتوافقه ويوافقها هو على السلوكيات والتصرفات المنحرفة دون لوم أو عقاب أو تأنيب أو مراجعة، بجانب غياب دور المدرسة التى تخلت عن دورها فى التربية القائم على الحب والاهتمام والتوجيه والإرشاد والاحترام والتقدير بين المدرسين والتلاميذ وحصرت دورها على التعليم فقط من خلال الحفظ والتلقين. وكذلك التأثير السلبى على المتلقى من الأطفال لوسائل الإعلام المختلفة لبثها برامج ومواد وإعلانات دون مراعاة للقواعد المهنية والأخلاقية المفروض أن تتسم بها رسالتها، وأيضا انفراد الطفل بالانترنت دون رقابة من الأهل واطلاعه على أمور وأحداث تفوق قدراته ولا يستطيع تحملها، والطفل بطبيعته يميل إلى التقليد وحب الاستطلاع والاستكشاف، ولذا مطلوب من كل منهم أن يستعيد دوره فى التربية والتنشئة تجاه الأبناء. ومن المنظور الاجتماعى يرى د.رشاد عبد اللطيف أستاذ التنظيم الاجتماعى بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان أن الاستغلال السئ للأطفال غالبا ما يكون لأطفال ينتمون إلى الأسر الضعيفة أو الأسر الفقيرة للغاية التى ليس لها مكان فى المجتمع، فالفقر والجهل وصغر سن الأطفال وعدم إدراكهم لخطورة ما يحدث.. فذلك كله يحقق لهم أهدافهم فى استغلال الأطفال فى العنف السياسى. ويتوقع أستاذ تنظيم المجتمع ارتداء الأطفال لأحزمة ناسفة فى الفترة القادمة بنسبة مابين 60 و 70% من قبل تلك الجماعة الإرهابية، ويعلل ذلك بعدم مراعاة البعد الاجتماعى لهذه الأسر الفقيرة من قبل الدولة، ويقول: لابد أن تكفل الدولة هذه الأسر ولا تتركها فى مهب الريح وتجفف منابع الفقر على كل المستويات، ولابد من تشديد الرقابة الأمنية وألا يترك الأمر لعامل المصادفة والعشوائية، ويرى أن الطفل الإرهابى ليس شرطا أن يكون له أصول إرهابية بل من الممكن أن يكون مستقطبا من قبل تلك الجماعة الإرهابية والتى تدفع الأموال لهؤلاء المشردين الباحثين عن مصدر رزق من أى طريق حتى ولو كان طريق الإرهاب. ويطالب هانى هلال أمين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل بأهمية التعامل مع الأطفال المستغلين فى الأحداث السياسية بمنطق «الطفل الضحية» المستغلة من قبل بالغين من عصابات إرهابية ويحتاج إلى حماية ورعاية وإعادة تأهيله لدمجه فى المجتمع بشكل إيجابى، مع تعقب هؤلاء المجرمين وتوقيع أقصى عقوبة عليهم تماثل عقوبة الاتجار بالبشر.. ويقول: لدينا فى الائتلاف العديد من الجمعيات الأهلية على مستوى الجمهورية تعمل فى مجالات التأهيل النفسى والمعنوى وهى على أتم الاستعداد لتقديم كل إمكانياتنا لاسترداد أطفالنا مرة أخرى وإن كان قد تم بالفعل تأهيل عدد كبير من أطفال الشوارع ولكن الأطفال الذين ينتمون لأسر لهم أصول وانتماءات سياسية ويستغلونهم للدفاع عن اتجاههم السياسى، فهذا شكل من أشكال الاتجار بالبشر وتعريض الطفل للخطر، وفى هذه الحالة سنطالب بنزع حضانة هذا الطفل من أسرته لو ثبت استغلاله بالفعل.