قبل أيام قليلة، بدأت المملكة العربية السعودية احتفالها بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة السنوي المعروف باسم "الجنادرية"، وذلك في دورته التاسعة والعشرين بالرياض تحت عنوان "كوكب الأرض"، والتي تستمر 17 يوماً حتى الجمعة 28 فبراير 2014. يعد الجنادرية أشهر وأكبر المهرجانات في السعودية، ويقام كل ربيع بداية من 1986، أسسه الحرس الوطني بعد تولي الملك عبد الله بن عبد العزيز رئاسته، رغبة في الاهتمام بالتراث والثقافة وحتى يكون تجمعاً سنوياً للحوار حول الثقافات، وذلك بإقامة لقاءات على هامشه للثقافة والصناعة والإعلام والتعليم والصحة. و"جِنْدار "اسم علم مذكر خليجي ، وهو لفظ فارسي محرَّف عن " جاندار "، مركب من "جان" أو الروح، و "دار" لاحقة تدل على الملكية، أي "ذو الروح"، وهو الجندي الفدائي المقدام، وكان بمثابة رتبة عسكرية خاصة، والجندارية هم حرس الأمير الخاص، ولفظوه الجنادرية. و"جندر" الكتاب جندرة أي مر القلم على ما درس منه ليتبين، و"جندر" الثوب أي أعاد وشيه بعد ذهابه، والجنادرية أيضاً هي الميدان البري المغبر. ويولي المهرجان اهتمامًا بجميع ألوان التراث الشعبي المختلفة كالصناعات اليدوية، والحرف التقليدية، عبر قرية تراثية تتجسد فيها نماذج استوحيت من البيئة القديمة تمثل كل منطقة من مناطق المملكة وتضم بيوتًا، وسوقًا، ومعرضًا حيًّا لمختلف الصناعات والحرف اليدوية القديمة، والأدوات المستخدمة قديماً، فضلاً عن معارض للفنون التشكيلية، والكتاب، والوثائق، والصور، والأزياء الشعبية، إلى جانب عروض للفلكلور، والتراث الشعبي، وندوات فكرية، ومحاضرات، وأمسيات شعرية، وأوبريتات غنائية، وبرامج للأطفال، ويكتمل كل هذا بالسباق السنوي للهجن، الذي تشارك فيه عدد من دول مجلس التعاون الخليجي. وكما أوضح د.عبدالعزيز آل داوود، مدير تحرير مجلة الحرس الوطني، ومسئول باللجنة الإعلامية بالجنادرية، ورئيس تحرير نشرة الجنادرية التي تصدر مواكبة لأيام المهرجان, فإن فعاليات الجنادرية هذا العام ستضم ندوات شعرية وأخرى ثقافية حول المملكة والرواية العربية والإسلام السياسي وغيرها، وسيشارك فيها مثقفون ومفكرون من خارج المملكة، كما ستمتد خارج منطقة الرياض والقرية التراثية لإتاحة الفرصة للمتابعة، وذلك في نوادي الأدب في الدمام ونجران وتبوك وجازان والاحساء وجدة، فضلاً عن ندوات في الجامعات كالدمام ومحمد بن سعود والأميرة نورة بنت عبد الرحمن ، حيث تستضيف الأخيرة ندوة للنساء فقط عن المرأة السعودية وقضايا المجتمع. والجدير بالذكر أن الدورة السابقة للمهرجان كانت قد حظيت بضجة بسبب طلب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية من القائمين على جناح دولة الإمارات، التي تحل هذا العام ضيف شرف للمهرجان لأول مرة، بإبعاد ثلاثة شبان إماراتيين بسبب وسامتهم الزائدة التي قد تتسبب في فتنة النساء الزائرات للجناح الإماراتي، وقد استجاب المسئولون عن الجناح الإماراتي وقاموا بترحيل الشبان، بحسب عدد من الصحف الخليجية. نساء في المشهد الثقافي السعودي يثير مهرجان الجنادرية في نسخته المحافظة عديدا من الأسئلة المتعلقة باقتصار أنشطته على الرجال، وعلى رأسها الاحتفالات الفلكلورية والمسرح والتمثيل، حيث لا يسمح للنساء بالمشاركة فيها أو حضورها إلا في ساعات محددة سلفاً للعائلات. في الوقت نفسه، تسعى بعض النساء لاختراق الفضاء الثقافي في المملكة دفاعاًً عن حقهن في الإبداع، وخاصة عشق المسرح والكتابة له الذي ظل حكراً على الرجال، في الوقت الذي لمعت فيه أسماء سعوديات مبدعات في مجالات الشعر والقصة القصيرة والرواية. وتظل د.ملحة عبد الله هي سيدة المسرح السعودي، بفضل الريادة التي اكتملت بالبحث والدراسة ونيل درجة الدكتوراه في الدراما، ومن مسرحياتها الناجحة "الليبرو" التي قدمها قبل سنوات الفنان سعيد صالح. تقول د.ملحة: "في كتاباتي إما أن استلهم الأساطير وأعالجها، وإما أن أصنع الأسطورة وأوجدها، لأن في الأسطورة انفلاتًا من قيود الوعي". وعن واقع المسرح العربي تقول: "أري أن المسرح العربي مادام يحمل هوية عربية ولغة عربية، فلابد أن يكون مكتوبًا باللغة العربية الفصحي، وهذه ليس شوفينية ولكن من أجل أن يصل النص إلى الوطن العربي كله، فإذا كتب النص باللهجات والعامية فسيتفرق".