إنفوجراف| أسعار الذهب في مستهل تعاملات الجمعة 3 مايو    أسعار البيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. عز ب 24155 جنيهًا    دايملر للشاحنات تحذر من صعوبة ظروف السوق في أوروبا    المرصد السوري: قصف إسرائيلي يستهدف مركزا لحزب الله اللبناني بريف دمشق    «القاهرة الإخبارية»: أمريكا تقمع طلاب الجامعات بدلا من تلبية مطالبهم بشأن فلسطين    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    حرب غزة.. صحيفة أمريكية: السنوار انتصر حتى لو لم يخرج منها حيا    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    جدول مباريات اليوم.. حجازي ضد موسيماني.. ومواجهتان في الدوري المصري    الكومي: مذكرة لجنة الانضباط تحسم أزمة الشحات والشيبي    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 4 مايو 2024 | إنفوجراف    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    ضبط 300 كجم دقيق مجهولة المصدر في جنوب الأقصر    معرض أبو ظبي يناقش "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"    زي النهارده.. العالم يحتفل باليوم العالمي للصحافة    «شقو» يتراجع للمركز الثاني في قائمة الإيرادات.. بطولة عمرو يوسف    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    إبراهيم سعيد يكشف كواليس الحديث مع أفشة بعد أزمته مع كولر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    بعد تغيبها 3 أيام.. العثور على أشلاء جثة عجوز بمدخل قرية في الفيوم    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظهير الشعبى
نشر في الأهرام اليومي يوم 15 - 02 - 2014

زَعَّقْت ويمين الله من غيظى فى البنت الشغالة: "إنت كنت لسّه يا غبية قبل ما يهل العريس مانفضتيش الكراكيب من قبل ما نبيَّض البيت ونرفع الستاير ونفتح الشبابيك ونغسل البقع وننجد الكنب ونصرف العفاريت ونقرأ عدية ياسين ونسرب ريحة اللى مايتسموا..
رايحة يا موكوسة تجيب لى جرنال أصفر من السنة اللى قبل قبل اللى فاتت وتحلفى لى بالخاتمة الشريفة إنه جديد!!.. جديد فى عينك وعين اللى خلفوك بدليل أخباره البايتة وعناوينه وريحة البوب وحكاية حكم العسكر وممارسات الدولة البوليسية والمجلس القومى لحقوق الإنسان والنخب السياسية ومفوضية الشباب ومستشارى الرئيس وتنمية سيناء، وتفجير أنابيب البترول والغاز، وحق الدفاع، ومعايير الاختيار للصحف القومية، وحكم الفرد، والرئيس الفرعون، وشراء الأصوات، وأجرومية: حجر الزاوية ورمانة الميزان وتثمين المنجزات، ومبادرات المصالحات وتقنين التجاوزات.. والمجلس الرئاسى، والظهير السياسى، والظهير التشريعى دونما ذكر للظهير الشعبى.. وغداً هامش من جديد للديمقراطية..!!! و..عيش حرية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، ورئيس حزب مصر القوية عنده النية لكن شوية شوية، هذا بينما عنان قد امتطى آخر دراجة بخارية حصلت على الترخيص والباب موارب.. وشرخ!!
العين حق!!
كتب لى زمانى بعد هدهدة ثورتين متلاحقتين بإرهاصاتهما وتوابعهما وركوبهما ومسيراتهما وشهدائهما ودمائهما ونشطائهما وتسريباتهما، وخروج باعاتهما الجائلين لسد جميع الطرقات والأنفاس بشماعات هدوم سوق الكانتو ووكالة البلح، وأتحدى أن يكون أحدا من الركاب أو المشاة قد لمحَ يوماً ظلا لمشتر ما بين بنطلوناتها وبلوفراتها وجاكتاتها وترنجاتها وقمصان نومها، بما يوحى بأن المسألة لا تمت للبطالة ولا للتجارة ولا للكساد بصلة، وإنما لا تخرج عن مؤامرة للتشويه والتعتيم والتطفيش والتزهيق والإنذار والتحرش والاحتلال بالتى هى أوحش!.. نهايته.. كتب لى زمانى بعضاً من راحة من بعد قلة الراحة لأروِّح عن النفس يومين فى رحلة جماعية على ظهر مركب نيلية رايحة وجاية ما بين الأقصر وأسوان، فمددت ظهرى فوق ظهرها العائم، وفى مجال البصر بانوراما تخلب اللب وتسرق العقل وتسر الفؤاد، بصفحة النيل الزرقاء، وجزيرة النباتات، وعناق النخيل مع نسمة الجنوب، وفى أعلى ربوة مقبرة أغاخان التى سرحت معها فى البيجوم عاشقة أسوان، ووردة حمراء كانت تضعها كل صباح فوق قبر زوجها زعيم الطائفة الإسماعيلية التى بلغ من هوس أفرادها أن كانت تزن الزعيم مع ذكرى مولده كل عام بما يعادل ثقله ذهبا وأحجارا كريمة، ومع تداعى ذكرى مقابر الحب أتى على البال والخاطر "تاج محل" فى الهند المقبرة التى شيّدها أحد المهراجات العِظام كمثوى لتخليد جسد الحبيبة الراحلة، فأصبحت من معالم الهند وأحد عجائب الدنيا السبع.. و..مقبرة "دودى" حبيب الأميرة ديانا ورفيقها فى الرحلة الأخيرة بالمرسيدس فى نفق باريس التى أقامها له والده الملياردير محمد الفادى صاحب محلات هارولدز على الطراز الفرعونى بلندن.. ومثلما تمثل مقبرة أغاخان الفرعونية الطراز نقطة الارتكاز فوق هضبة أسوان، ترتفع الأبصار فى أثينا اليونان من جميع الجهات إلى معبد الأكروبوليس الإغريقى فوق أعلى قمة تل فى العاصمة اليونانية، حيث يبلغ ارتفاعه 156 مترا فوق سطح البحر.. و..طوفان من المعانى والتواريخ والعواطف وأجساد الأحبة خلف البروج المشيَّدة، وأنا مسترخية وفى عينى شمس، وفوق جبينى شمس، وفى كفى اليمين تسكن جوهرة من شمس رع، وفى الشمال خبيئة من ذهب بصك آمون، وتاج رأسى آتون، وهشاشة عظامى من تحت أشعة شمس الوادى المقدس أصبحت فى دقائق معدودات حجر صوان، وعلى لسانى عبدالحليم: احنا بنينا السد العالى، ولم يعد النيل نجاشى من بعد رفض الحبشة للتفاهم والحوار فى مسألة سد النهضة.. ولما اهتزت المركب قلت لروحى عروس النيل نزلت تغسل شعرها.. ولما ارتفع صوت الغناء النوبى وحشنى محمد حمام.. ولما انقطع الإرسال وغاب الجرنال ضربت لسيادة الهدوء تعظيم سلام.. و.. وفجأة رنين الموبايل.. واحشانى.. إنت فين؟! ضربت لك فى البيت أكثر من مرة!!.. أنا مش فى البيت.. أمّال إنتِ فين رعبتينى عليك.. اوعى تكونى مسافرة؟!!.. عارفة أنا فين عقبال عندك.. أنا هنا فوق ظهر مركب بتتمخطر فوق لجين الماء بأسوان، والطير عرائس الملكوت بيضاء بتطوف وترقص على مسرح السماء الزرقاء، وأمامى والله العظيم منظر قطعة من الجنة ولا تقولى الكارت بوستال السياحى.. و..يمين الله العظيم بالثلاثة ولا لكم علىّ يمين ما لم أكد أكمل جملتى لصاحبتنا معذرة وأنا لم أزل فى منتصفها مشفوعة بذكر العظيم الأجّل إلا وفجأة ذهب الفجر وطلع الليل وغاض النيل وأفلت الشمس واسودت السماء ودُحرت جزيرة النباتات وانتحرت رءوس النخيل وطويت صفحة الإسماعيلى أغاخان، وبدلا من سحابات طير الباليه أتت الغربان الأبابيل تنعق فى الأجواء، وحتى الهواء شفط من الأنحاء لتزكم الأنوف روائح الزفارة والمازوت مع ظهور مركب آخر كأنها طلعت من تحت الماء لترسو صف ثان فى واجهة مركبنا لتحتل المشهد من جميع أطرافه دون أن تترك شريطاً من ضوء لتصفع أبصارنا نوافذ سوداء مغلقة.. و..بسملت وحوقلت ومن شر حاسد إذا حسد، وخمسة وخميسة، وذكرت قول النبى صلى الله عليه وسلم: "علام يقتل أحدكم أخاه.. ألا باركت.. إن العين حق".. ووجهت اللوم إلى روحى يعنى كان لازم أتنيل وأقول لصاحبتنا أنا متنيلة قاعدة فين وأغاخان متنيل نايم فين.. وعموماً ومن الآخر رحلتنا السياحية النيلية اليتيمة اتنيلت كلها مثل غيرها من الرحلات فبمجرد هبوطنا من فوق السقالة للأرض كان طاقم المِلاحة يقوم بتبخير الكبائن ورفع الأسرّة وطىّ المراتب وتخزين المقاعد والشماسى وأدوات الطعام فى الكرار لأجل غير مسمى.. رغم أننا لم نزل واحسرتاه على السياحة فى أوج الموسم والسماء صحو والشمس دافئة والبحر زاد والآثار لا مثيل لها على خرائط الكون.. والنجوم فى قبة السماء تُرى بالعين المجردة: المشترى وعطارد والزهرة والمريخ.. و..زُحل!!!!
دخان لم يذهب فى الهواء
عجبت لماذا؟!.. لماذا لم يزل رغم السنين يسكنني؟!.. لماذا يرتفع فى أذنى ثانية ذاك الرنين البعيد كلما جاء ذكر لأية انتخابات خاصة فى نقابة الصحفيين.. يومها زمان.. مع طلعة الشمس ركنت مولودى عاويا بجوارى لأسكت على الجانب الآخر صوت الرنين المتواصل وصرخت: آلوووه.. فأتانى كلامه من بعد سلامه هادئا رقيقا يحمل لى الأثير وقع ابتسامته الدمثة التى لا تغادر أبدا ملامحه وكأن الأستاذ جلال الدين الحمامصى قد ولد فى المهد بها.. هنأنى بالمولود الجديد وأعقب تمنياته الحارة برغبته الحارة فى ضرورة حضورى للنقابة للإدلاء بصوتى فى الانتخابات التى ستنعقد هذا الصباح، ولم يشأ أن ينهى طلبه الحاسم المشبع بدفء أبوى إلا بحاشية بليغة المحتوى من أن لى مطلق الحرية فى اختيار شخصية النقيب!!
وكانت المعركة على مستوى النقيب غاية فى السخونة بينه ممثلا لأسرة أخبار اليوم، وبين الراحل على حمدى الجمال على رأس أسرة الأهرام.. وكنت أنا فى موقع الحيص بيص واقعة فى مطب المفاضلة بين ممثل منبتى الصحفى ومسقط رأسى فى أخبار اليوم، وبين بيتى ونموى وعملى واكتمالى فى الأهرام.. وضعنى أستاذى الحمامصى برنينه المبكر فى منطقة البين بين ما بين مرتع الصبا وجدران الوقار، وكدت أعده بانضمامى لمعسكره مع تقديم كافة فروض الاحترام، لكنى تراجعت فى اللحظة الأخيرة بحجة بليغة ودامغة أن ليس هناك من أترك له مهمة رعاية المولود وهو لم يزل لحمة حمراء، فأتتنى إجابته العملية الفورية ذات الإصرار الارستقراطى بأنه سيرسل لى وبفوريةNurse أى مربية تمكث إلى جانبه لحين عودتي.. وأسقط فى يدى وذهبت للنقابة وسلمت عليه وشكرته وتسللت لأنتخب على حمدى الجمال وفى أذنى طنين اصطنعته ليعلو على صوت الأصول وحق الأستاذية ورد الجميل وغض النظر عن هدية الNurse، وحجتى فى فعلتى أن الأستاذ جلال ذات نفسه قد منحنى حريتى التى استخدمتها بكامل حريتى فى انتخاب الأستاذ الجمال، وأنا فى ذلك لم أحد عن مبادئه وما كرسته فينا دروسه الصحفية: نريد جيلا رائدا عملاقا لا يعرف النفاق.
جلال الحمامصى.. الصحفى المصرى الوحيد الذى تم فصله بقرار مكتوب. رفده عبدالناصر ولم يعتقله فى 31 ديسمبر1960.. لم يكتب القرار ناصر شخصيا لكنه أوصى به كمال الدين رفعت الذى كان مشرفا على أخبار اليوم فى ذلك الوقت، وكانت آخر تعليمات الرئيس من فوق الباخرة "الحرية" المسافرة به إلى المغرب: «ارسل لجلال الحمامصى خطاب فصل»، وتلقى الحمامصى القرار من سطر واحد مرفقاً بشيك راتب شهر ديسمبر لعام 1960.
ويسألون الحمامصى لماذا؟! فتأتى إجابته: لأننى حاربت الفساد فى عهد عبدالناصر.. ومع السادات أيضا كانت للحمامصى حكاية ورواية.. في6 يناير1946 أطلق حسين توفيق الرصاص على أمين عثمان وكان السادات وراء هذه المجموعة، وللاحتياط ولكى يكون بعيدا عن مسرح الأحداث توجه يومها لزيارة جلال الحمامصي، وفى التحقيق شهد الحمامصى بذلك وكانت شهادته أبلغ مبرر لبراءة السادات من الاتهام.. وفى أخريات عهد السادات كان الحمامصى ممنوعا من الكتابة!..
وليس هناك صحفى قضى حياته فى معارك بسبب أفكاره ومواقفه مثلما فعل الحمامصي.. لم يكن كلامه دخانا يطير فى الهواء وإنما نقدا يحرك المياه الراكدة ويعود عليه بالمتاعب.. اختلف مع عبدالناصر ففصله من الصحافة، واختلف مع السادات فمنعه من الكتابة ومن الظهور فى التليفزيون، واصطدم مع رئيس الوزراء الدكتور عبدالعزيز حجازى حول مياه الحنفيات التى تنزل على وجوه الناس طينا، واصطدم مع حافظ بدوى رئيس مجلس الشعب وقتها بسبب أحد القصور فقال له حافظ بدوي: لا تنسى أننى الرجل الثانى فى مصر، ونسى الرجل الثانى أن الصحفى المقاتل اختلف مع الرجل الأول عبدالناصر، ومع الرجل الأول السادات، وكشف الحمامصى مبكرا قضية الفساد فى شركة هيديكو لصاحبتها هدى عبدالمنعم التى هربت من مصر، وكتب متسائلا عن كيفية هروبها ومن ساعدها؟ وضرب مثلا بأن جاسوسا سويسريا هرب من سجنه فاستقال وزير العدل فى سويسرا لأنه المسئول عن السجون وبالتالى عن هروب السجين.. وهو صاحب تحقيق العشرة ملايين دولار التى دخلت مصر أيام النكسة من الملك سعود، وانبرى السادات دفاعا عن ناصر ومهاجما الحمامصى فى خطبة عامة، وكان الكتاب الأسود لصاحبه مكرم عبيد ضد النحاس سببا فى اعتقال جلال الدين الحمامصى عام1943 وراء أسوار معتقل الزيتون لمدة18 شهرا مع البكباشى أنور السادات والشيخ أحمد حسن الباقورى وموسى صبرى والشيخ عبدالمنعم النمر.. الكتاب الذى شارك الحمامصى فى وضعه كنتيجة من نتائج الخلاف الأساسى بين الصديقين النحاس ومكرم.. ويسأل زملاء المعتقل الحمامصى عن الكتاب فيجيب: اتصلت بأحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى وسألته: ألا من سبيل لوقف هذا الفساد؟ فرد قائلا: لا يمكن أن أتحرك إلا إذا كانت هناك أدلة ووقائع تحت يدي، وفى اليوم التالى رويت لمكرم ما دار بينى وبين حسنين فصمت قليلا وقال: ما رأيك فى أن نجمع الوقائع ووثائقها ثم نضمنها عريضة نرفعها للملك.. تلك كانت نقطة بداية الكتاب الأسود..
ويعترف الحمامصى فى أكثر من حوار معه فى الثمانينيات بأن وقائع كثيرة ذكرت فى الكتاب الأسود على أنها خطيرة وتدين النحاس باشا تبدو له الآن تافهة للغاية مثل ترقية موظف من الدرجة السادسة إلى الدرجة الخامسة بصفة استثنائية أو عن طريق المجاملة، أو أن زينب الوكيل زوجة النحاس باشا استغلت نفوذها وأجهزة الدولة فى شراء قطعة صغيرة من الفراء وتم ذلك عن طريق برقية أرسلت بالشفرة من رئيس الوزراء إلى سفير مصر فى انجلترا... يعترف الحمامصي: «حينما يقال لى الآن أنت كتبت الكتاب الأسود؟ أقول: نعم.. خجلا.. بينما كنت أقولها عام1942 افتخارا».
الحمامصى.. ابن دمياط الذى ولد أول يوليو من1913، وقد التقى وهو فى السادسة بالأخوين على ومصطفى أمين ليصدرا صحيفة طبعوها بالبالوظة، وتنتقل الأسرة للقاهرة ليحصل على الابتدائية من الناصرية وبعدها السعيدية ليفصل فى الثالثة الثانوية لاشتراكه فى المظاهرات فى عهد وزارة إسماعيل صدقي(30 1934) ويلتحق بالجامعة الأمريكية ليلتقى ثانية بعلى ومصطفى أمين، ويتزعم مظاهرة فتفصله الجامعة فى آخر العام الدراسى ويعود للسعيدية ليحصل على الشهادة الثانوية ويلتحق بكلية الهندسة جامعة فؤاد الأول ويتخرج فيها عام1939.. وفى مشواره الطويل انتخب عضوا بمجلس النواب وعمره 29 عاما، ورفض خمسة آلاف جنيه من المصروفات السرية كى تستمر مجلته «الأسبوع» فى الصدور مفضلا إغلاقها، ورأس «الزمان» عام 1947، ولمدة عام كان وزيرا مفوضا لمصر بواشنطن..
وأبدا لم يذكر الحمامصى طوال حياته أنه ساهم فى تشييد صرح أخبار اليوم لنظل نقول ويقول معنا الحمامصى أخبار اليوم لصاحبيها على ومصطفى أمين..
الحمامصى رجل الساعة من شدة انضباطه كان يلتقى على كوبرى قصر النيل فى التوقيت المحدد مع رجل الساعة الآخر نجيب محفوظ فكلاهما حدد ساعته لرياضة المشى فيلتقيان كل صباح عند نقطة منتصف الكوبرى بالضبط، ويلتقيان أيضا كل صباح على صفحات الأخبار عندما يقرأ نجيب للحمامصى مقاله اليومى دخان فى الهواء.. وتحاول الزوجة أن تثنيه عن موعد مشواره الأخير، وتلح ويصمم فتصحبه، وبينما يسيران تصله الدعوة فتلبى روحه قبل نهاية المشوار!
وإذا ما كان لجلال الحمامصى جانب من السياسة والصحافة معروف للجميع فله جانب من الإيمان بينه وبين ربه لم يلحظه سوى الراصدين.. ما مضى به فجر إلا وكان بين المصلين فى مسجد الحسين، حيث يذهب يوميا من بيته بجاردن سيتى إلى حفيد المصطفى سائرا على قدميه ليصل هناك قبل الفجر بثلث ساعة، وما يأتى عصر خاصة طوال رمضان إلا ويصليه بمسجد السيدة نفيسة ليمكث قارئا القرآن لا ينصرف إلا قبل آذان المغرب بدقائق..
يمضى السؤال وراء السؤال كلما كان وقت الأستاذ يسمح بالسؤال فتتوالى إجابات الصحفى التليد التى تملأ مجلدات لا نستطيع أمام قلة حيلتنا هنا سوى اختطاف الشهاب: والدى كان شاعرا وأديبا ومستشارا لأحمد شوقى الذى كانت بيننا معه صلة قرابة ونسب.. خالى متزوج ابنته.. وما من قصيدة أو مسرحية شعرية كتبها شوقى إلا وقرأها على مستشاره اللغوى كامل الحمامصي.. أبي.. وكان شوقى كمثال لا يشاهد مسرحيته مجنون ليلى إلا وبجواره أبى فإذا أراد أن يغير كلمة فى بيت من الشعر فإنه لا يبدى رأيه للمخرج عزيز عيد أو أحمد علام وفاطمة رشدى قبل أن يقر أبى هذا التغيير.. أنطون الجميل باشا رئيس تحرير جريدة الأهرام كانت له جلسات فى مكتبه يحضرها الوزراء والأدباء والشعراء فكانوا إذا اختلفوا فى شيء أو بشأن تفسير كلمة يلجأون لوالدى أو يطلبونه بالتليفون ليسألوه رأيه... نعم كانت لى قصة حب وأنا لم أزل طالبا بكلية الهندسة، وصحيح بأن الصحفى يتزوج الصحافة، لكن إذا جاءت من تقبل أن تكون لها ضرّة فلا مانع، لكنى وقتها دخلت معترك الحياة السياسية مما يقودنى للمجهول فحكّمت صوت العقل وكسرت قلبى..
عادتى فى الكتابة مع الصباح أن أعمل فنجان قهوة وأخرج أمشى وخلال المشى تتكون خطوط الموضوع وتطرأ جملة أو فكرة فأدونها فى ورقة أحملها فى جيبي.. فصلت من الصحافة لأن عبدالناصر لم تكن تعجبه مقالاتى وقال عنى إننى ممرور أى ملئ بالمرارة.. مازلت أتمنى بعد الرحلة الطويلة أن أصدر صحيفة مثالية، والمثالية الصحفية فى رأيى هى الحقيقة المحبوسة...
أصدقائى ولله الحمد أكثر من الأعداء، وعندما أصدرت كتاب «حوار وراء الأسوار» ناصبنى الناصريون العداء بصورة مفزعة متصورين أن السادات هو من أوحى لى بالكتاب، وهذا غير صحيح ولعله كان دافعا له لمهاجمتى فى مجلس الشعب، وعندما بدأت أكتب فى عهد الرئيس السادات ضده آمنوا بأننى أكتب بوحى من ضميرى وما أؤمن به فإذا ما كانوا أعداء فهم أعداء رأي... من طبعى ألا أقترب من الزعامة لأنها تحرمنى من حريتى فى أن أنتقد ما أشاء، وأضرب مثالا على ذلك أننى كنت من أقرب الصحفيين لعبدالناصر وكنت أحبه جدا وهو الذى اختارنى لرئاسة تحرير الجمهورية وإنشاء وكالة أنباء الشرق الأوسط، وعندما تقترب من شخص تحبه يجب أن تخلص له النصيحة، وكان ناصر يستمع لى فى البداية ثم تحول إلى شخص آخر ينفر من هذه النصيحة ويضيق بها، وأنور السادات تجنبنى لأنه كان يعلم عنى هذه الطريقة فى التعامل مع الحاكم.. عيب أنور السادات أنه صبور أكثر من اللازم وأن تنفيذ خططه يأخذ وقتا أطول من اللازم ولهذا ظل الناس طويلا غارقين فى عدم الفهم»..
أستاذي.. جلال الدين.. سامحنا
سامحنا.. فقد خان معظمنا بنود العهد والقلم.
مهندس الصحافة.. إن القراء بالكلمات قد كفروا وبالكتاب قد كفروا وبالصحافة والصحفيين وبالمانشيت والصفحة الأولى وصاحب العمود الرأسى وبالعرض وبالنقد وبالتصريحات والإعلان والنعى والكاريكاتير والصور قد كفروا... فلماذا القلم حين يخون لا يستل سكينا وينتحر؟! أمير الحرف.. صاحب القلم الذى لم يمسح الغبار عن أحذية القياصرة.
المغامر العنيد.. من كان يكتب بالسكين ويعلمنا كيف يكون الحرف سكينا. كيف نفجر فى الكلمات ألغاما..
مرفوع القامة والهامة.. يا من أردت الحقيقة لا أكثر ولا أقل.. بلا إثارة. ورفضت المانشيت الأحمر، ورأيت أننا نسرق حق القارئ فى أوراق صحيفته بالإسراف فى ضخامة العناوين..
المحترم.. من اكتسب احترامه من استقلاله فلم يحسب على أحد وإنما حسب على قلمه وموقفه الشخصي.
الناقد بالمستند والدليل... الجرئ فى المواجهة
الصحفى.. بالموهبة والهواية والحرفة.. من رفع شعارا بأن الصحفى ملك الشعب، وأن الكتابة ليست أكل عيش، وأن الصحافة مهنة بلا أتعاب، وأنه من العار تحول حقوقنا إلى هبات، وأن حرية الصحفى أن يكتب لحريات الآخرين، وأنه فى الصحف القومية حرية صحفيين وليس حرية صحافة، وأن أمانة الصحفى فى أن يعبر عن ضمير الناس ويحفظ أسرارهم، وهى رأس المال الوحيد الذى يتضخم دوما مهما خوت الجيوب.
المعلم.. من كان يحب اختلاف تلامذته معه ولا يختلف هو معهم.. الصلب إلى حد العناد.. كنت تكتب وتنقد وتجد من يرد عليك.. الآن يا طويل البال نحن نكتب وننقد ونكشف ونفضح ويتركنا المنقود نهوهو فى ساحة اللاجدوى ونعض فى الأرض دون أن تمتد لنا يد ترفعنا من على الأرض.
صاحب دخان فى الهواء.. الذى أطلقته فوضحت الرؤية ولم يكن سحابة مريبة سوداء تخنق الأنفاس والرؤية.
أستاذ أخلاقيات الصحافة.. يا من أرضعتنا حليب التحدى ورددت فى مسامعنا أن الكلمة الحقيقية هى الكلمة الناقدة، وإذا ما كان نزار قبانى قد قالها بأن الكتابة عمل انقلابى فقد كنت أنت قائد كتيبة الانقلاب فى الصحافة الذى ارتأى أن التصفيق قد يغرق بينما النقد يحذر من الوقوع فى المطب.
المحارب.. مقاتل برتبة صحفى سلاحه القلم وقلمه السلاح.. من دخل الميدان متبوعا لا تابعا.. يسبح ضد التيار ولا يبالي.. يمارس الصحافة ليعلنها حربا لا هوادة فيها ولا مهادنة ضد المحتل الخارجى والفساد الداخلي.
المستقيم.. مثال للمثل القائل امشى عدل يحتار عدوك فيك، ولقد عجز كل من حاول الهجوم عليك فى أن يجد بقعة سوداء فى ثوبك الناصع.
مهندس العِبارة خريج العمارة من عهدته يمشى فى ردهات الصحافة بأسلوبه الرياضى المشرق مرتديا قفازا طويلا أسود يحمى به أكمام دوق الصحافة من بقع حبر الطباعة المغموس فيها ليل نهار.. من ظل يمشى لنهاية المشوار لا يرى أو لا يريد أن يرى أن جلودنا قد أصبحت ميتة الإحساس، وأرواحنا تشكو من الإفلاس، وأيامنا تدور بين تقديم أوراق الالتماس والنعاس، وأننا أبدا لسنا خير أمة قد أخرجت للناس.. لكنه.. حتما رأي.. بدليل عنوان كتابه الأخير «القربة المقطوعة»، وبدليل قوله قبل النهاية: ماليش نفس أكتب.. لا أشعر بأى رغبة فى الكتابة ثم أضاف: اللى نبات فيه نصبح فيه!.
سؤال وجواب
عند مرور خليفة المسلمين عُمر بن عبد العزيز بالمسجد يوماً داس سهواً على قدم رجل فى الظلام فرفع من صوته قائلا له: "أمجنون أنت؟"، فقال عمر: "لا والله" ومضى، فهم الحارس بضرب الرجل فنهاه عمر قائلا: "لقد سألنى وأجبته، فعلام تروعه؟!»..
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.