تتجاوز دلالات زيارة القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى المشير عبدالفتاح السيسى إلى روسيا وتوقيع صفقة السلاح معها, تلك الصفقة إلى أبعاد سياسية أخرى وتمثل فرصة لاستعادة التوازن المفتقد فى علاقات مصر الدولية لأكثر من ثلاثين عاما مضت. وترى الدكتورة نورهان الشيخ أستاذة العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن زيارة المشير السيسى لموسكو تمثل نقلة نوعية فى علاقات التعاون الاستراتيجى العالى المستوى بين البلدين مشيرة إلى أن استعادة هذا النوع من التعاون أمر ممكن لعدة اعتبارات أهمها أن هناك تشابها كبيرا فى العقيدة العسكرية المصرية والعقيدة العسكرية الروسية سواء من حيث النظر إلى طبيعة التحديات والمخاطر أو سبل التعامل معها فضلا عن أن التسليح الروسى مازال يمثل 40% من احتياجاتنا العسكرية وقدراتنا التسليحية, وتستدرك الشيخ قائلة أن أمريكا كمصدر رئيسى للسلاح بالنسبة للجيش المصرى تمدنا به فى إطار سقف معين بحيث تضمن التفوق النوعى والاستراتيجى لإسرائيل ومن ثم كان لابد لنا من التعاون فى هذا المجال مع دول أخرى وتحديدا مع روسيا بما يمنح مصر فرصة لاستعادة التوازن مع إسرائيل خاصة فى مجال مد مصر بمنظومات دفاعية روسية متقدمة وقوية ومن المعروف أن روسيا متقدمة عن غيرها فى هذا المجال خاصة وأن نظمنا العسكرية والأمنية شرقية سواء من حيث التجنيد وهيراركية المؤسسات وغيرها . وتقول الدكتورة نورهان أن خطورة التعاون مع أمريكا جعل مصر منكشفة على العدو التقليدى لها وهو إسرائيل خاصة وان إسرائيل ربيبة أمريكا سياسيا وعسكريا بالمنطقة مما يجعل إسرائيل قادرة على ان تعرف عنا كل شيء خاصة عسكريا, لذا فالتعاون مع روسيا كما حدث إبان حرب أكتوبر المجيدة 1973 التى انتصرنا فيها بالسلاح الروسى يجعل قدراتنا العسكرية ليست فقط فى مأمن وإنما لديها القدرة على المناورة والخداع الاستراتيجى ما يجعل صانع القرار فى القاهرة لديه قدرة أكبر على الاستقلالية فى سياسة مصر الخارجية والداخلية وخاصة فى مواجهة أى دولة تهدد الأمن القومى لمصر . وتؤكد الدكتورة نورهان الشيخ , أن هذه الزيارة ستفتح أفاقا جديدة ومتنوعة من العلاقات مع روسيا فى مختلف المجالات وهذا له انعكاساته الإستراتيجية والاقتصادية والتكنولوجية وخاصة على قدرة صانع القرار المصرى فى التحرك دوليا بحرية وإيجاد فرص للتنوع على المستوى العالمى, كما أن هذا التعاون يمنح مصر مزيدا من الاستقلالية فى سياستها الخارجية خاصة فى موقفها من قضايا الصراع العربى الإسرائيلى والقضية الفلسطينية ونهر النيل وغيرها خاصة وأن واشنطن مازالت تعمل ضد مصر من خلال دعمها لجماعة الإخوان الإرهابية وتجميدها لبعض المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر فى هذا المجال فضلا عن تبنيها مواقف غير صديقة لنا فى المحافل الدولية, وترى الشيخ ان الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية هى التى صنعت الأزمة مع مصر بسبب موقفهم المناهض للإرادة الشعبية المصرية التى تجسدت فى ثورة 30 يونيو . وتؤكد الشيخ أن العلاقة مع روسيا ليست خصما من علاقات مصر مع واشنطن او الدول الغربية لكنها تأتى فى إطار التنوع المطلوب . ويقول الخبير فى الشأن الروسى محمد فراج أن هذه الزيارة تأتى لتدعيم نتائج زيارة 2+2 التى قام بها وزيرى دفاع وخارجية روسيا لمصر فى نوفمبر الماضى التى لا تعتمدها روسيا إلا مع الدول الكبرى . ويضيف فراج تتسم هذه الزيارة بأبعاد إستراتيجية وسياسية مهمة وكبيرة فى وقت مهم من تاريخ الوطن الذى جسدت ثورته فى 30 يونيو مرحلة مهمة من الاستقلال الوطنى على كافة الأصعدة بعدما كان يخطط تحالف الإخوان والغرب إلى إلحاق مصر فى مخطط الشرق الأوسط الأمريكى ومصر فى هذه اللحظة تبحث عن التوازن فى علاقاتها الدولية ومع كل القوى الكبرى تحقيقا للمصالح الوطنية المصرية وضمانا للأمن القومى المصرى فى مواجهة أى تهديد . ويضيف فراج وتتيح لنا هذه السياسة الارتباط بالقوى الكبرى بعلاقات تعاون استراتيجية خاصة مع روسيا والصين اللتين تربطنا بهما علاقات تاريخية وتبديان استعدادا لمساعدتنا فى تحقيق طموحات شعبنا بالتعاون معنا فى مجالات تكنولوجية وعلمية وعسكرية واقتصادية بما يجعل مصر اكثر قدرة على مواجهة المخاطر المحدقة بها وسط بيئة اقليمية تعانى من الحروب الاهلية وعدم الاستقرار ولم يعد بها جيش قوى سوى الجيش المصرى لذا قدمت السعودية والإمارت وروسيا دعمها لمصر متمثلا فى هذه الصفقة العسكرية المهمة التى تتجاوز دلالاتها السياسية أهميتها العسكرية . ويتوقع فراج ان تكون الصفقة التى وقعها السيسى فى روسيا مقدمة لصفقات عسكرية اخرى موضحا أن الحديث عن تغيير العقيدة العسكرية المصرية لا محل له فالعقيدة العسكرية لا يصنعها السلاح او مصدره وانما تصورات البلد وقادته لمحددات أمنه القومى ومصادر تهديدها ويتم اخضاع السلاح مهما تنوعت مصادره لهذه المفاهيم, وهذا مستقر فى مصر كبلد محورى مهم فى المنطقة وأكبر دليل على ذلك أن الولاياتالمتحدة كمصدر رئيسى لتسليحنا منذ أكثر من 35 سنة لم تستطع تغييرعقيدة الجيش المصرى العسكرية ولم يمنع التسليح الامريكى قادة الجيش من تبنى مواقف مساندة لارادة الشعب فى 25 يناير وفى 30 يونيو رغم معارضة امريكا والغرب لهذه المواقف . ويضيف فراج , ان هذه الزيارة ستحقق اختراقا مهما لمصر فى مواجهة الارهاب خاصة ان روسيا تصنف جماعة الاخوان بانها ارهابية عكس امريكا واوروبا, ومن ثم ستستفيد مصر من الخبرات الروسية فى مواجهة الارهاب سواء كانت معدات متقدمة او معلومات امنية مهمة فضلا عن التعاون مع أجهزة الأمن والمخابرات الروسية فى هذا المجال لانها تمتلك معلومات مهمة عن هذه الجماعات التى مارست العنف على الأرض الروسية منذ 20 عاما وخاصة ان الدول الغربية ومخابراتها وأجهزتها الامنية لا تقوم بواجبها فى محاربة الارهاب كما ينبغى له ان يتم لانها تقدم الدعم السياسى واللوجيستى للاخوان .وأنصارهم . وترتبط مصر وروسيا بعلاقات اقتصادية فى مختلف المجالات حيث أنها تزود كبريات مشروعاتنا الاقتصادية بقطع الغيار والصيانة والآلات الحديثة وخاصة مشروعات الحديد والصلب والألومنيوم والسد العالى, كما أنها أهم مصدر للسياحة الأجنبية (2 مليون) وترغب مصر فى استعادتهم,كما أنها أهم مورد للقمح من حيث تسهيلات السداد وتكلفة النقل عن القمح الامريكى والارجنتينى والاسترالى, وخاصة أنه بدون شروط أو أثمان سياسية . وتوقع فراج أيضا, ان تشهد العلاقات الاقتصادية طفرة كبيرة خاصة فى مجال الاستثمار لان روسيا لديها احتياطى نقدى ضخم وعندها رغبة قوية فى تطوير مصانع الإنتاج الحربى فى مصر التى أنشئت بتكنولوجيا روسية فى عهدى الرئيسين عبد الناصر والسادات, وتوطين هذه التكنولوجيا مهم لمصر ويمثل ضمانة لأمننا القومى وكما يتوقع فراج تفعيل الاتفاقات الموقعة مع روسيا فى عهد الرئيس الأسبق مبارك بإقامة المدينة الصناعية الروسية فى برج العرب التى تقوم على صناعة الالكترونيات والهندسية والسيارات, وهذا سيمنح مصر القدرة على توطين تكنولوجيا هذه الصناعات (أسرار الصناعة) التى لا تقدمها لنا الدول الغربية خاصة أمريكا, كما ستشهد العلاقات مع موسكو تعاونا مثمرا فى مجال تكنولوجيا الاستخدامات السلمية للطاقة النووية خاصة أن روسيا متقدمة فى هذا المجال عن غيرها من الدول الكبرى فهى أكثرها تقدما فى مجال المفاعلات النووية الأكثر أمانا مستفيدة من حادث تشرنوبيل الشهير , وهذا يعطى دفعة قوية للمشروع النووى المصرى الذى بدأ بتكنولوجيا روسية (مفاعل أنشاص) كما أن علماء مصر فى هذا المجال قد تدربوا وتعلموا فيها ومن ثم فالتكنولوجيا الروسية فى هذا المجال هى الأكثر ملاءمة لمصر .