كلمة أيقونة تعريب للكلمة اليونانيه "أيكون"،وتعني صورة أو شبه، وتُرسم الأيقونة بأساليب معينة واعتبارات لاهوتية محددة، لترتقي بحياة الناظر إليها من الشئون الأرضية إلى المستوي الروحي.وتميّزت الأيقونة بكونها فنا شعبيا، أي أن الشعب يبدع فنه بنفسه، وينفق عليه من ماله الخاص. وهو فن ريفي نشأ في عصور الاضطهاد بعيداً عن أماكن السلطة، واتسم بالبساطة لأن الرهبان الذين رعوه و أشرفوا عليه لم تكن لهم دراية بالأصول الفنية. واهتم فن الأيقونة برسم الهالة حول رءوس القديسين والشهداء، أوالتاج، أو الإثنين معاً، وامتازت رسومه بالرمزية، فإذا تأملنا أية أيقونة لا تستوقفنا الأبعاد الفنية، بقدر ما تأخذنا إلي ما وراء الألوان، وخلف تفاصيل الرسم، إلى عالم وشخص صاحب الأيقونة، فنقرأ فيها آلامه ومعاناته، وتوحي بما قدمه عبر حياته،وتبرز الأكاليل التي نالها. وفي المنظور الشعبي إتخذ العامة من الأيقونة موضوعاً للتقديس ووسيلة للتضرع والتوسل،ونافذة على الأبدية، وهدفاً للخلاص، خاصة التي تمثل السيد المسيح، أو أحد القديسين والشهداء الأوائل في المرحلة المسيحية الباكرة، وتنوعت رسومها بين السيد المسيح وهو يحمل صليبه، وتم تمثيل الروح القدس على شكل حمامة. ومنذ القرن الرابع الميلادي انتقلت الأيقونة من مرحلة الرمز أو الصورة إلى الواقعية والتجسيد المادي،حيث استعملها الرهبان ورجال الدين أداة تعليمية للأميين من المسيحيين، ومنذ القرن الخامس الميلادي أُستخدمت للتعريف بالإنجيل وتصوير أحداثه. وتأثر فن الأيقونة برموزسابقة علي المسيحية مثل علامة عنخ الفرعونية (مفتاح الحياة)، واستمر الفنان المصري في استخدام الصليب الفرعوني حتى منتصف القرن السابع الميلادي، إضافة لتصويره آلهة اليونان والرومان، فضلا عن صور المحاربين، والعازفين على الناي والقيثارة، بجانب موضوعات العهد القديم. وتم إستلهام رسم صورة تمثل الإله “حورس” ابن “ إيزيس وأوزوريس” وهو يضرب عمَّه “سَتّ” إله الشر بِرُمحه، وتحولت إلي صورة مار جرجس وهو يطعن التنين بالرمح. واستخدم الفنان المصري رموزامتعددة في الأيقونات، وهي رموز بسيطة يستطيع المتلقي فهم دلالاتها بسهولة، مثل استخدامه للنسر كرمز للقيامة وهزيمة الموت، وارتباطه أيضاً بالقديس يوحنا في كثير من الأيقونات. واستخدم الطاووس باعتباره طائر الفردوس، ورمز القيامة والطهارة، حيث لا يفسد جسده بعد الموت. أما الحمام فيحمل رمزية الوداعة والبشارة. ومع انتشار حركة الرهبنة في صحراء مصر، استخدم الفنان رمز الغراب وهو يحمل الخبز اليومي إلى القديس بولا، باعتباره خبزاً سماوياً، واستخدم الزواحف في رسومه أيضا باعتبارها من قوى الشر، خاصة الحية التي تجسد داخلها الشيطان الذي همس إلى حواء. ويُعتبر رسم الأيقونة أحد فروع الفن المصري الذي يعد في شتى مجالاته وريثا للحضارة الفرعونية وما تلاها من تداخل للحضارات التي تعايشت مع الحضارة المصرية. كما اعتمد رسم الأيقونة على مراعاة البعدين الأول والثاني في الرسم ، وهي من سمات الفن المصري القديم، وتوارثها الفنان الشعبي، كما استفاد بالمجموعة اللونية التي استخرجها المصري القديم من محاجر ومناجم مصر وطورها في رسم الجداريات بالمعابد، والألوان التي تُستعمل في الأيقونات كانت في أغلب الأحوال من النوع المُسمي بألوان التمبرا، وتُخلط بالغراء أو الصمغ أو زلال البيض، ومن الشائع أن الفنان يلجأ لتذهيب خلفية الرسم، وبعض أجزاء منه مثل هالات القديسين التي تلون بصفائح ذهبية دقيقة، واستخدم فنان الأيقونات أكاسيد طبيعية توحي بدلالات معينة، فاللون الأصفر يرمز للقداسة التي تنبعث من النور الإلهي، واللون الأحمر أكسيد الحديد بدرجاته ويرمز للمجد والفداء، والأبيض يعنى الطهارة القلبية ، “إغسلني لأبيضّ أكثر من الثلج”، واللون الأزرق يرمز إلى الأبدية التي لا نهاية لها، والأسود يرمز للوجود ويُستخدم دائماً في تأكيد الأشكال وإبراز التصميم،والبنّي يرمز للأرض فآدم خلق من التراب، والبنفسجي يرمز للاتحاد بالإله وهو مزيج من الأزرق، طبيعة البشر، ومن الأحمر، رمز الطبيعة الإلهية. وهذا يؤكد أن الفنان الشعبي المصري تمتع برؤية فلسفية في ترميز الأيقونات، وموضوعاتها، وألوانها، وأن لاشئ فيها يخلو من دلالات روحية، تداخلت فيها فنون حضارات مصر القديمة واليونانية والرومانية مع المقدسات المسيحية بسماحة إنسانية لافتة، وهو عكس ما أراده البعض من تهميش لدور الفنان المصري، ونفيه خارج دائرة الفن وبؤر الجمال الذي سيظل نهراً يربط ماضينا بحاضرنا حتى هذه اللحظة.