على الرغم من الدور البحثي المهم الذي ادته الباحثة سلمى مرشاق سليم لتاريخ الادب في مصر الا أنه دور شبه مجهول ويكاد ادراكه يقتصر على المهتمين بتقصي أوضاع الشوام المصريين . الذين تابعوا عملها الاكاديمي عن هجرة الشوام المصريين، بعد ذلك قدمت مرشاق كتابها عن اعمال ابراهيم المصري الذي كان احد اعلام الكتابة القصصية في الاربعينيات من القرن الماضي ورائدا لما اسمته ب «القصة النفسية». ومؤخرا قدمت كتابا جديدا بعنوان «نقولا الحداد»، الاديب العالم « صدر عن دار الجديد في لبنان أرخت فيه لحقبةغنية من تاريخ الادب العربي كانت تقوم على التفاعل الخلاق بين الشوام والمصريين، وكعادتها بذلت مرشاق جهدا استثنائيا في تتبع اثار نقولا الحداد ومساهماته النهضوية وهي جهود ربطتها بسيرتها الذاتية في المقدمة الرشيقة التي قدمت فيها للكتاب. ولفتت الى هوسها بالموضوع بحكم انتمائها للشوام المصريين ودراستها في كلية البنات الأمريكية في مصر (مدرسة كلية رمسيس الان) ثم دراستها للصحافة في الجامعة الامريكية بالقاهرة قبل انتقالها للعيش في لبنان منذ نهاية الخمسينيات. وفي المقدمة تؤكد الباحثة انها اختارت الكتابة عن نقولا الحداد بسبب الصلة العائلية بين عائلة الحداد وعائلة والدها فضلا عن اثر لقاءين مباشرين معه في اوائل الخمسينيات واخيرا كونه أحد رواد التنوير الذين لم ينالوا حقهم الا في اشارات بسيطة اوردها محمد يوسف نجم في كتابه الموسوعي عن القصة العربية ورفعت السعيد في سلسلة كتبه عن اليسار المصري وقد اشار في احدها الى ان كتابات الحداد عن الاشتراكية كانت في قمة التطور والنضج، كما ان اسماعيل ادهم يعتبر كتابه عن «النسبية» الاول من نوعه حول هذا الموضوع العلمي، كما يصفه الصحافي المخضرم وديع فلسطين ب «اينشتاين مصر» وتتتبع مرشاق في الفصل الاول سيرة الحداد منذ ميلاده عام 1872 في قرية الشوف بلبنان وحتى وفاته مرورا بحصوله على شهادة الصيدلة في العام 1902 ثم زياراته لامريكا قبل عمله في الصيدلة الى جانب احترافه للعمل الصحفي في «الأهرام» وتوليه رئاسة تحرير مجلة المقتطف بعد اعفاء اسماعيل مظهر من رئاسة تحريرها. وترصد الكاتبة حضور الحداد في العديد من الكتب والدوريات المعنية بالتاريخ الادبي وكلها تؤكد قوة الدور الذي لعبه في تأصيل الثقافة العلمية، لدرجة وصفه ب «السًباق» نظرا لانه كرس جهده لعلوم الرياضيات والذرة كذلك كان من اوائل من بشروا بالاشتراكية الى جانب سلامة موسى وعصام حفني ناصف على الرغم من عدم مشاركته التنظيمية في صفوف اليسار المصري . وتبنى مرشاق جدارية كبيرة تظهر دور الحداد جمعت تفاصيلها من قصاصات الصحف والمجلات الادبية التي ورد فيها ذكر مساهماته عبر رؤى صاغها اعلام عصره من كتاب ومفكرين وتتوقف بشكل خاص أمام كتابات وداد سكاكيني ووديع فلسطين التى نشر بعضها عقب رحيل الحداد عام 1954 وفيها اشارات لدوره كشاعر وهي مرحلة تكاد تكون مجهولة في تاريخه الادبي. وتحت عنوان «نقولا الحداد عبر كتبه» نكشف عن أدوار اخرى متعددة ومساهمات لمثقف موسوعي يندر ان نجد له مثيلا بين معاصريه من المفكرين امتدت وتنوعت بعدد الصحف والمجلات التي كانت تصدر في مصر منذ نهاية القرن 19 وحتى منتصف خمسينيات القرن الماضي والتي انتهت الى توافر نحو 35 كتابا ألفها وسارت في مسارين، الاول هو المسار الادبي له ككاتب قصصي، ومن المؤسف ان العديد من اعماله لم يعد طبعها من ناحية ومن ناحية أخرى سقطت من تاريخ الادب اذ لم يتم تناولها نقديا بطريقة تضعها في السياق العام، اما المسار الثاني فيتعلق بدوره كمعني بتاريخ العلوم وبالبحث العلمي وعلم الاجتماع، كما انه خص الموسيقى بالكثير من المقالات مرفقة بالنوتات الموسيقية التي تعرض فيها لأعمال سامي الشوا ومنصور عوض كما ترصد كتابات له كمبشر اجتماعى صاغ عدة مشروعات إصلاحية بهدف الحد من تفاقم المشكلات الاجتماعية قبل ثورة يوليو 1952 واللافت للنظر ان اغلب مؤلفاته في هذا المسار شبه مجهولة ومن ثم تكتسب محاولة مرشاق لتوثيق وتدقيق تواريخ نشرها اهمية كبيرة للمعنيين بهذا الجانب من تاريخنا العلمي كما عرضت الباحثة ملخصات وافية لمقالاته في الصحف والمجلات وفقا لتواريخهاوللموضوعات التي تناولتها وهي مهمة صعبة خاصة وان اغلب هذه الدوريات بلا فهارس الكتاب :نقولا الحداد المؤلف : سلمى مرشاق سليم الناشر : دار الجديد _ بيروت عدد الصفحات 222 صفحة من القطع الكبير