1 قبل أن نتجه للإفطار وشرب الشاي, كنت أنقل رزم الخطابات عبر المصعد الحديدي الي عربة الميكروباص الصغيرة المركونة في حوش المبني الكبير, المزدحم بالعربات وأكياس الخطابات والموتوسيكلات ذات الملاحق الجانبية. 2 كنا نظل في مقهي السروجي نتكلم ونشرب الشاي وبعد ماينتهي منصور من إفطاره مع زملائه السائقين, يأتي يأخذني الي حي قصر الدوبارة, كانت هذه منطقة التوزيع التي نقلوني اليها عقب حادثة المنطقة السابقة. هي من المناطق التي يطلق عليها الإفرنجية, تفرقة لها عن المناطق الاخري الشعبية المنطقة الافرنجية لاتتعدي عدة عمارات وفلل محدودة لكن مايخص عمارة واحد يتجاوز حجم مايخص منطقة شعبية كاملة لذلك يقوم منصور بالتوقف أمام عدة عمارات وسفارات, حيث نترك في كل منها ربطة كبيرة أقوم أنا بالمرور عليها خالي اليدين, الخطابات العادية والمسجلة بعدما أذن لي أصحابها أن أوقع بدلا منهم, وهو الامر الذي تسبب لي في مشكلة استوجبت التحقيق كنت أسقطها داخل الصناديق التي توجد غائرة في الجدران الرخامية علي جانبي مدخل المبني الواسع بينما يحمل كل منها رقم الشقة وبطاقة باسم صاحبها أما اذا كانت فيلا مثل التي يستأجرها الميجور وايز فإنك سوف تلمح فإنك سوف تلمح صندوق البريد الاقرب الي دولاب صغير وهو واقف علي الارض تحت الاغصان الكثيفة وراء السياج الحديدي النحيل. 3 الامر في المناطق الشعبية يختلف نادرا ماتجد صندوقا للبريد في حوش أحد البيوت يكون عليك أن تقف هناك وتصفق بيديك وتزعق بعلو صوتك مناديا علي صاحب الخطاب, هكذا كان موسي يفعل وهو يقوم بتدريبي علي معرفة شوارع وحواري المنطقة الشعبية التي كانوا أرسلوني اليها هناك جزء من شارع قصر العيني وشوارع تنحدر منه مثل المواردي وبستان الفاضل وبستان الخشاب وأفراح الانجال. لانمشي في الشارع كيفما اتفق ولكن حسب خارطة محددة في المكتب نقوم بترتيب الخطابات حسب ارقام البيوت التي سوف تمر عليها علي الناحيتين. خطاب المنزل رقم6 الزوجي في هذه الناحية من الطريق سوف يتم توزيعه قبل خطاب المنزل رقم3 لأنه الاقرب. لابد أن تعرف ترتيب البيوت وتقوم بترتيب الرسائل علي هذا الاساس قبل خروجك من باب المصلحة وعندما تصل الي احدي الحارات عليك أن تدخل حتي منتصفها فقط, النصف الباقي سوف تدخله من الشارع الموازي للشارع الذي أنت فيه الآن علي هذه الخريطة يعتمد المفتش في متابعة الموزع ومعرفة أين يكون بالتقريب في الساعة العاشرة مثلا. 4 كان يعطي الخطابات لبقالين ومكوجية يعلم أنهم يعرفون أصحابها. يصفق في أحواش البيوت وينادي صائحا باسم صاحب الرسالة مرات عدة كنت في الثامنة عشرة وأتجول معه وأضحك مع أولاد بلد وبنات في أحواش البيوت والمسائل ماشية, كان يشير الي ويقول ان هذا عبد الله الذي سوف يستلم المنطقة بعدي ويرحبون بي وعندما نعود لتوزيع الدورة الاخري التي في المساء كنت أراه يتجه فورا الي الثلاجة الخشبية العاطلة التي ركنها صاحب محل الكبابجي في حوش المبني المجاور, كان يفتح أحد أبوابها الخشبية القديمة ذات المفصلات النحاسية اللامعة ويضع ربطة الخطابات ويغلق عليها. في الصباح يضم الاثنتين الي بعضهما ويقوم بتوزيعها دفعة واحدة. 5 عندما انتهي تدريبي وخرجت وحدي للتوزيع وقفت في حوش البيت, ونظرت الي أعلي, ولم أتمكن أبدا من التصفيق ولا الصياح باسم صاحب الخطاب, رحت أخرج من البيت الي الشارع, ثم أعود الي البيت وأحاول وصوتي لايخرج أبدا حينئذ أخذت الخطابات كلها وخرجت الي قصر العيني ودخلت البيت, حيث ثلاجة الكبابجي وفتحت باب الثلاجة الخشبي ووضعت ربطة الخطابات وأغلقت عليها حينئذ شعرت بالخلاص وعدت الي البيت. 6 كل يوم أفتح الباب أضع الخطابات في الثلاجة وأنصرف, ولما مرت الايام وجدت الجانب الأيسر امتلأ. وللكلام غالبا بقية.