شاعر وكاتب وباحث, من أصل أسيوطي, ولد في الاسكندرية, وامتلك مخيلة شغوفة من صغره, فقضي طفولته يستمع إلي المواويل والفوازير الشعبية. وحين عاد في صباه مع الأسرة إلي قرية بني زيد الأكراد بأسيوط ألهبت جدته ذهنه بالحكايات والأمثال والنصائح, فأدركه الشعر, وأصدر عدة دواوين بعد تخرجه وإقامته في القاهرة, وقاده حبه للتراث الشعبي إلي المشاركة في جمع السيرة الهلالية, فوضعته في مواجهة الأغاني والحكايات والألعاب الشعبية في أماكن مختلفة, فلم يستطع مقاومتها, وأنتج لنا كتاب أغنيات الفراق عن العدودة والأحزان, و ألعابنا الشعبية المصرية, والحكايات الشعبية في أسيوط في جزأين, ثم كتاب الحواديت موسوعة حكايات الطفل في مصر من أربعة أجزاء. غاص في وجدان المجتمع والشعب, فأثمر دررا نحاوره حول بعضها اليوم. كيف بدأت علاقتك بالأدب الشعبي, خاصة الحكاية الشعبية؟ في صغري كنت أجلس ليلا في حجر والدي, أستمع منه إلي الأحاجي والمواويل التي كان يحفظ منها الكثير, وكنا نعيش وقتها في الإسكندرية, وعندما أصبحت صبيا أخذنا والدي في رحلة إلي قريتنا في محافظة أسيوط, فاقتربت أكثر من ذلك العالم العجيب الذي عرفت بوادره في حكايات والدي, وتحددت أكثر عندما رأيتها وعايشتها في القرية, وحكايات جدتي, وأغانيها ونصائحها وملاحظاتها المصحوبة بالكثير من الأمثال والمرويات الشعبية, ومن هنا بدأ عشقي لهذا العالم المختلف كثيرا عن عالم المدينة. ما الذي رأيته وعايشته وجعلك تقترب أكثر من هذا الواقع الشعبي وحفزك علي جمعه وتوثيقه؟. عندما استمعت لأحاجي جدتي وأمثالها وأقوالها وشاركت أطفال القرية ألعابهم التي لم أكن أعرفها, وشاهدت عادات وتقاليد ومعتقدات وطقوس وممارسات غريبة علي أحسستها تنحو منحي الغربة, والفراق, والبكاء علي الأطلال, واختلطت كل عناصرها بمفردات البيئة, وشكلت وجدانا شعبيا يعتنق الحزن ويعايشه حتي في لحظات فرحه. وعندما اقتربت أكثر عرفت أن ما تغنيه تلك السيدة المتشحة بالسواد وهي تبكي وسط النساء المتشحات مثلها بالسواد يسمي العديد, وفيما بعد قررت أن أجمعه وبالفعل جمعت بعضه في كتاب أغنيات الفراق الذي طبع في سلسلة التراث بالهيئة العامة للكتاب عام.2005 والحكايات الشعبية؟ بدأت جمع الحكايات الشعبية حين كنت ضمن فريق عمل يجمع روايات السيرة الهلالية من محافظتي أسيوط وسوهاج, مع الأصدقاء الباحثين د. محمد حسن عبد الحافظ, والأستاذ مدحت صفوت, والأستاذ نور الجيزاوي ضمن مشروع مع الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية, وفكرت بعدها في جمع الحكايات الشعبية من محافظات الصعيد, وقدمت فكرة المشروع وحصلت علي التفرغ من وزارة الثقافة أعوام2008,2007,2006, وكانت نتيجتها دراسة الحكايات الشعبية في أسيوط طبع الجزء الأول منها2009 بالمركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية, والجزء الثاني تحت الطبع في خطة هذا العام عن نفس المركز. ما أنواع الحكايات التي توصلت إليها خلال رحلة البحث؟ هناك مراحل للحكاية, تبدأ بمروية, وهو نمط من الحكي يدور حول ما يحكي من حوادث ونوادر لأشخاص بعينها أو حدث مرتبط بمكان, مرورا بالحدوتة وهو نمط من الحكي البسيط الواضح محكم ومؤلف من بداية وحدث ونهاية, ثم تأتي الحكاية وهو نمط أكثر تعقيدا. أما أنواع الحكايات وتصنيفاتها فهي متعددة, ويعنيني منها تلك التصنيفات التي تفرضها طبيعة ميدان الجمع, والتي أستلهمها من أقوال ومسميات الرواة أنفسهم والتي اتخذتها منهجا لتصنيف الحكايات التي جمعتها. ما سبب إقدامك علي جمع وتوثيق الحكايات الشعبية؟ أحببت هذا العالم السحري الذي شكلته المخيلة الشعبية وتربيت عليه واستفدت من تعاليمه الكثير, لذا حرصت علي المساهمة في الحفاظ علي هذا التراث الإنساني من الضياع وسط انتشار الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تغفل الوجدان, وهجمة العولمة الشرسة التي تستهدف الهوية. هل لاحظت العلاقة بين الإبداع الشعبي الذي تتبعته في رحلة بحثك والتراث الفرعوني؟ نعم. هناك حكايات مصرية قديمة أثرت وما زالت تؤثر في القصص المصري والعالمي, مثل قصص الملاح الغريق والأخوين التي تتشابه مع بعض قصص ألف ليلة وليلة مثل قصة قمر الزمان, وكذلك قصص الشقيقان والأمير المحتوم القدر وغيرها من الحكايات التي ما يزال البعض منها وكثير من عناصرها تحكي حتي الآن وقد دللت علي ذلك تفصيليا في الدراسة الخاصة بكتاب الحكايات الشعبية في أسيوط. وكذلك الألعاب الشعبية, فكثير منها له امتداد فرعوني مثل التحطيب, والطاب( أصل لعبة الطاولة), وشبر شبرين, والحكشة وهي( أصل لعبة الهوكي), وغيرها من الألعاب التي لها عمق تاريخي. وتكلمت عنها في ألعابنا الشعبية المصرية الذي صدر عام2009, عن المركز القومي للطفل. وهل علاقة للنص الشعبي بالمكان والإنسان؟ النص الشعبي لا تكتمل ملامحه والهدف منه إلا إذا وضع داخل سياقه هناك المكاني والمجتمعي, لذا فإن الباحث الذي يجمع المادة من أماكنها الطبيعية, ومكونها المجتمعي يجب أن يدون المادة بنفسه لأنه يستوعب تلك المساحة الدلالية التي يتركها الراوي لتكملها المشاهدة( المكان, والحضور, وتفاعله مع الراوية, الأحداث الفرعية التي تحدث أثناء رواية الراوي لنصه وتفاعله معها). وهل للاختلاف الجغرافي تبايناته في الإبداع الشعبي؟ نعم, فإبداعات البلدان النيلية تختلف عن إبداعات البلدان الجبلية, وتختلف عن إبداعات البلدان الساحلية, فخيال المناطق النيلية امتداده يري بالعين لذا فله حدود, وخيال البحر امتداده البصري خارج مدي الشوف لذا فهو مجهول, أما الجبل فيضفي علي المجتمع نوعا من الغلظة والقساوة والخوف من المجهول, وتختلف رواية النص في القري التي تقع غرب النيل عن القري التي تقع شرق النيل, ويتجلي هذا في روايات السيرة الهلالية التي غالبا ما يكون رواتها في القري التي تقع شرق النيل ينتمون للهلايل أي رواياتهم تنحاز لأبو زيد الهلالي, ومن ملاحظتي حول هذه السيرة أنها تنتشر علي خط سير طريق الهلايل سواء في مصر أو غيرها من البلدان العربية في شمال أفريقيا ما تسمي بأبيار مسعود نسبة لأسطورة حربة أبو زيد الهلالي التي ألقي بها أثناء موته فانغرست في الأرض بالقرب من الاسكندرية فحفرت بئرا, ويقال أن هذا الطريق يمتليء بهذه الآبار لأن قبائل الهلايل كانت تحفرها لتشرب منها هي ومواشيها أثناء رحلتها لتونس. ومن الملاحظات المرتبطة بالجغرافيا أيضا وجدت أن عروس النيل بالنسبة للبلدان المطلة علي البحر علامة من علامات الحسن والجمال ونذير خير, وبالنسبة للبلدان المطلة علي النيل تتحول لمسحور كل عام له ضحية من أبناء البلدة, لذا فهو نذير موت, أما في بعض حكايات عروس البحر للبلدان التي تقع علي البحر والنيل مثل بعض بلدان محافظة دمياط عروس النيل أو البحر هي رمز للجمال ونذير موت إذا تم الإعتداء علي حريتها من قبل بعض الشباب أو الصيادين, وجمعت بعض الحكايات التي تشير لذلك وضمنتها في كتاب الحواديت.. موسوعة حكايات الطفل في مصر.