يبدو ان مصر قد اصيبت بعجز شديد في وضوح الرؤية بعد الثورة, فقد كان الامل في العبور بالبلاد خارطة المستقبل هو ان تنجح مصر في اختبار دستورها, و هذا النجاح لايصل في اكثر الشعوب ثقافة وديمقراطية الي الاتفاق والموافقة علي الدستور بنسبة تزيد علي60% في أحسن الأحوال. و فاجأت مصر العالم بالموافقة بنسبة تزيد علي98% ولم يصدر من أي من المراقبين الدوليين والمحايدين أي تشكك في النتيجة أو ادعاء بالتلاعب, إلا في مصر حيث بدأ المغرضون أو المسيرون أو الرافضون لأي شيء أو لكل شيء بدأوا في الادعاءات بأن الموافقين هم38% ممن لهم حق التصويت واعتبروا ان الباقي رافضون للدستور وهم معظم الشباب او رافضون ماسموه بالحكم العسكري, وهنا يجدر تحليل الموقف علميا واستعراض البدائل والاحتمالات. هناك دائما قطاع من السكان لايشارك في التصويت في أعظم دول العالم, ويصل هذا القطاع الي30 40% من السكان لأسباب متنوعة اهمها التراخي أو نقص الوعي بأهمية صوت واحد في مجموع ملايين الناخبين أو لاسباب شخصية أخري, أما الرافضون فأغلبهم يشارك ايجابيا ويرفض أو لايوافق. يعرف الشباب فنيا بأنهم المواطنون بين عمر18 34 سنة, وهذه النسبة لاتزيد علي25 30% في مصر, والمحتمل ان منهم من لم يصوت لأنه كان منشغلا بامتحانات الجامعات التي لم تنتبه أو تجاهلت مواعيدها الجهة التي نظمت الانتخابات, ومنهم من يعمل بالخارج ومنعته لجنة الانتخابات من التصويت بالبريد, أما الباقي فهم رافضون ينقصهم الوعي الحضاري بالمشاركة وابداء الرأي من فئات كثيرة منها من اعلنت المقاطعة أو دعمت الدستور اعلاميا ولكن لم تظهر في صفوف الناخبين أو من الفئات التي احترفت الحشد في الشوارع أو في الملاعب لرفض أي شيء أو كل شيء. إذا فرضنا جدلا ان الناخبين في مصر قد حققوا أعلي نسب التصويت في العالم ووصلوا إلي70% من المقيدين بجداول الانتخاب, وتضمن ذلك تصويت كل الشباب أو معظمهم, بل ونفرض ان كل هؤلاء الممتنعين صوتوا بلا, تصبح النتيجة57% بالموافقة مقابل43% رافضين, وهذا فوز مرتفع لاي دستور في العالم أو نجاح كاسح لأي رئيس في انتخابات ديمقراطية حرة فالحقيقة الدامغة انه لايبقي الان اي مجال للجدل او العناد او الانكار حول نتيجة الاستفتاء علي الدستور ثم ماذا بعد؟ بدلا من ان تقبل الاقلية رأي الاغلبية الكاسحة, كما يحدث في جميع الدول المتحضرة, لم نتحرك إلي الامام, بل عدنا نجادل في محاذير الاحتفال بعيد الثورة أو الجدل حول من يترشح للرئاسة والأولي بالرافضين ان يسمحوا باختيار رئيس يدعمونه في الانتخابات بقوة لكسب موقعهم في حكم البلاد بالطريقة التي يفضلونها, ولكن بدلا من ذلك يبذلون جهدهم في رفض المرشح الذي اجمعت عليه الغالبية وكافة التوقعات العقلانية, بل والبعض يرفض الترشح لو ترشح الفريق أول عبدالفتاح السيسي وحقيقة الأمر انه لايستطيع المنافسة, ولايختلف اثنان من العقلاء علي ان الفريق السيسي لاخيار له في ظل مطلب شعبي جارف والتحديات الخطيرة التي تواجهها البلاد. كفانا ضياعا وتدهورا في كافة القطاعات ولفترة وصلت إلي ثلاث سنوات بالرغم أن أغلب الدول الحديثة افاقت من صدمة وخلافات الثورات في أوروبا الوسطي والشرقية مثلا في فترات لم تتعد سنة أو سنتين, انطلقت بعدها في برامج الاصلاح الشامل, انصحوا الرافضين او اتركوهم جانبا لننقذ البلاد, و خصوصا ان نسبة منهم يسعون الي تدميرها ويستعينون في ذلك بما يتيسر من القوي الخارجية امامنا الكثير الذي ينبغي تحقيقه ومنه: استكمال حماية أمن واستقرار البلاد داخليا وخارجيا, وقد اثبتت مصر بقيادة الفريق السيسي كفاءة نادرة في هذا المجال في شهور قليلة رغم عمله ضمن حكومه قاصرة وأحيانا معطلة لهذه الجهود. يجب تغيير الحكومة الحالية أو علي الأقل تعديلها جذريا لتكوين فريق متناسق وقادر علي العمل الجماعي وله الكفاءة اللازمة لاستكمال المرحلة الحرجة من عمر الوطن والتخطيط السريع للمرحلة القادمة لأنه لاوقت يبقي للانتظار ولأن السير في طريق المستقبل لايتعارض أبدا مع اصلاح القطاعات المختلفة بل ويدعمه. بينما ينبغي تحضير وتحسين الظروف لاجراء انتخابات حرة للرئيس ثم مجلس النواب, يجب ان يقدم مرشحو الرئاسة والأحزاب برامج واضحة وعملية علمية تتضمن السياسات الخارجية والاقتصادية والاجتماعية التي يتبناها المرشح أو الحزب وأول من ينطبق عليه ذلك هو الفريق أول السيسي. مراجعة وتعديل جميع القوانين التي تخالف الدستور او تعرقل الاستثمار أو الاقتصاد وأهمها ضمان الاستثمار وتحديد صلاحيات أي فرد في اتخاذ قرارات سيادية في تخصيص او اسناد مشروعات الدولة أو املاكها, او اراضيها بل يتم ذلك بمعايير توضع مسبقا طبقا للمبادئ العالمية وقرارات تؤخذ بمجالس عالية القدر من الحيادية والخبرة. وبدء العمل الفوري لانشاء وتفعيل مفوضية مكافحة الفساد في جميع القطاعات دون تردد او تراخي أو التفاف. يجب ان تعطي الحكومة الجديدة قصاري جهدها لتخطيط القطاعات وليس الوزارات, باستراتيجيات وخطط طويلة المدي تتصف بكونها علم. أستاذ ومستشار التخطيط والإدارة الصحية بالولايات المتحدة لمزيد من مقالات د.سمير بانوب