شعب ينهض من تحت الركود. أمل ينفجر في صورة جموع حاشدة تهدر من كل حدب وصوب. زئيرينطلق كالبركان من الصدور يزيح أنظمة وعروشا.تلك بعض من لقطات الثورة في الأفلام السينمائية التي تقشعر لها الأبدان. منذ بداية ميلاد الفن السابع شعر السينمائيون بمدي قوة تقديم الثورة في الأفلام السينمائية. ولعل فيلم المدرعة بوتومكين لرائد السينما الروسي آيزنشتاين الذي أنتج عام1923 هو أول الأفلام الملحمية الضخمة الي قدمت ثورة المظلومين علي من يقهرهم. أما ثورة25 يناير وعلاقتها المتشابكة والمتقاطعة مع السينما المصرية, فهي باب للحديث الشجي والوثاب. بقلم: أحمد عاطف السينما في حد ذاتها ثورة. منذ حرك توماس اديسون الصورة الثابتة واخترع الة التصويرثم اتم الاخوان لوميير الفرنسيان الاختراع بالكامل وسمياه السينماتوغراف. ومنذ مولدها, لم تتخلف السينما المصرية عن مواكبة موضوع الثورة.لهذا لم يكن غريبا أن يخرج فيلم لاشين عام1938 من انتاج استوديو مصر واخراج الألماني فريتز كرامب, والذي يقدم حاكما فاسدا يثور الشعب عليه وينصب قائد الجيش العادل النقي. منعت الرقابة وقتذاك هذا الفيلم بحجة اساءته للذات الملكية والتحريض علي التمرد والثورة. سارت السينما المصرية علي هذا النهج بما توافر لأبنائها من المخرجين من روح طليعية ورفض للظلم بأنواعه. وكانت أشهر الأفلام التي قدمت روح الثورة( في بيتنا رجل) الذي أخرجه بركات عام1961 الذي يتكلم عن الشاب الثائر الذي اغتال رئيس الوزراء المتعاون مع الاستعمار و(المماليك) الذي أخرجه عاطف سالم عام1965 عن ثوار بقيادة وزير صالح ضد الأمير شركس الطاغية الفاسد.( الله معنا) الذي أخرجه أحمد بدرخان عام1955 عن قصة لإحسان عبد القدوس وسيناريو ليوسف السباعي,وانتهي الفيلم بقيام ثورة يوليو. و في السبعينيات نجد( غروب وشروق) الذي اخرجه كمال الشيخ عام1970 الذي دارت أحداثه بعد حريق القاهرة عام.1952 طبعا ناهيك عن تقديم ثورة1919 في العديد من الأفلام لعل أهمها( بين القصرين) لحسن الامام عن رواية أديب مصر العالمي نجيب محفوظ. لم يكتف السينمائيون المصريون بتقديم ثوراتهم في السينما لكنهم ذهبوا لتقديم الثورات العربية الأخري. فبرز فيلم( جميلة) للمخرج الكبير الراحل يوسف شاهين باعتباره أحد أيقونات السينما المصرية بتقديمه ثورة أهل الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي. وتميز كذلك فيلم ثورة اليمن الذي أخرجه عاطف سالم عام1966 الفنان الثوري لا يبحث عن زبون.فالثورة هي هدفه في كل وقت هكذا قال الفنان الأسباني العظيم بابلو بيكاسو.الذي يضيف أيضا: لا يحتاج الفنان الثوري الي إشادة من مؤسسات الفن العليا.بل يعمل ضد كل ما يعجب نقاد الفن.يبدو ان هذه الرؤية قد تبلورت في أذهان صناع السينما المصرية طوال ثلاث أحقاب من بداية الثمانينيات حتي نهاية العشرية الأولي للألفية الجديدة. فيحسب لجيل الواقعية الجديدة في السينما المصرية ومعاصريهم وتلاميذهم بث روح التحريض وممارسة الكشف الاجتماعي لواحدة من أقصي فترات الظلم في التاريخ المصري المعاصر. كان أبطال أفلام محمد خان وعاطف الطيب يأنون ويتمردون ويقدمون أروع صور الثورة علي الواقع. ومن صرخة نور الشريف في سواق الاتوبيس لصرخات أحمد زكي في البرئ, لاهات عادل امام في الحريف, الكل كان يراكم صيغ الاحتجاج ليشحن النفوس علي مدي ثلاثون عاما حتي حدثت ثورة يناير.2011 واقتربت المسافة أكثر لانفجار الجماهير في فيلم يوسف شاهين هي فوضي الذي يبدو أقرب العلامات لثورة يناير بهجوم الجماهير علي قسم الشرطة رفضا لتجبر أمين الشرطة الظالم العصابي. أو في فيلمي حين ميسرة ودكان شحاتة لخالد يوسف اللذين حفلا بنهايات تنبئ بالثورة. أما بعد ثورة25 يناير2011, لم تستطع السينما الروائية المصرية ان تترجم الأحداث المعقدة والمتتالية من وقائع الثورة. فأشهر فيلمين صنعا( بعد الموقعة) ليسري نصر الله و(18 يوم) لعشرة مخرجين خيبا الآمال. الأول فضل التركيز علي أحد أبطال الثورة المضادة من معتدي معركة أو موقعة الجمل. والفيلم الثاني المكون من عشرة أفلام قصيرة جمعت تعسفا للعرض في مناسبة سينمائية أعدت علي عجل بمهرجان كان. فلا عرضت الأفلام بعد هذه المناسبة ولابقي شئ موضوعي يجمع بينها رغم حسن نية أغلب صانعيها وعدم تقاضيهم أي أجور للمشاركة فيها. ظهرت الثورة في الفيلمين خائبة مترددة. بل ومهزومة.فأغلب أبطال الفيلمين كانوا خائفين من الثورة أو علي مسافة بعيدة عنها.لكن ربما يسأل أصحاب الآفلام أنفسهم ثانية: هل كانوا يرون الثورة كذلك, أم الوقت الضيق لتنفيذ الأفلام جعل رؤاهم غير ناضجة وغير منصفة, بل وأقرب للانفعال الخارجي غير المتعمق بشخصية ما أو بلحظة ما. رغم ذلك تظل الأفلام الوثائقية التي قدمت ثورة يناير حقيقية ومنصفة ووثابة الي حد كبير.وبالمناسبة أغلبها متاح مجانا للمشاهدة علي شبكة اليوتيوب. ويأتي علي رأسها من وجهة نظري فيلم( الطريق لميدان التحرير) و(يوميات ميدان التحرير) لمحمد ممدوح والأخير حلل ثلاثين عاما من الأحداث التي أدت لثورة يناير. وأثار شجونا لكفاح كل فئات الشعب وخاصة المناضلين الكبار الذين قدموا اعمارهم لكي يثور الشعب المصري مثل أحمد عبد الله رزة ومحمد السيد سعيد وعبدالوهاب المسيري. ولا يمكن نسيان فيلم(الطيب والشرس والسياسي) الذي يظل دفقة موهبة حقيقية عن الثورة وان تفاوتت مستويات اجزائه الثلاثة ليبقي أفضلها وانضجها الجزء الذي اخرجه تامر عزت بمسافة كبيرة عن زميليه عمرو سلامة وأيتن أمين. ويبقي أسوأ الأفلام الاحترافية عن نفس الموضوع فيلم مولود في25 يناير لأحمد رشوان بتركيز مخرج الفيلم علي نفسه بشكل مبالغ فيه بالاضافة للاستطالة والتكرار المضجرين بما أفقد الفيلم أي خصوصية أوحتي موضوعية.