هل في جعبتكالكثير من المواقف المؤلمة التي لا تستطيعين التخلص منها.. لإناس باعوك دون أن تأخذي حذرك منهم.. ولم تستطيعي النسيان رغم مرور الأيام والأعوام؟ وهل في رأسك بعض من الذكريات الحزينة لأحباء خذلوك في الحياة, وقد بكيت كثيرا من غدرهم بعد أن حولوا تفاؤلك ونجاحك إلي مزيد من الفشل والإحباط فلم تستطيعي مسامحتهم أوالصفح عنهم؟.. إذا كانت الإجابة بنعم.. فعلماء النفس والاجتماع ينصحونك بأن تفتحي صفحة جديدة مع كل من آذوك, وأن تسامحي وتصفحي صفحا جميلاعن كل من خذلوك أو صفعوك, أوحتي مع من جرحوك أو طعنوك من خلف ظهرك, وأن تبدأي معهم بداية جديدة وعلي ميه بيضاء كما يقولون, وذلك للمحافظة علي سلامتك النفسية والجسمية. د.عبير محمد أنور- الأستاذ بقسم علم النفس جامعة القاهرة تؤكد أهمية التسامح في تحسين نوعية حياة الإنسان وتأثيره الإيجابي علي صحته النفسية والجسدية, باعتباره أهم وسيلة في ترميم العلاقات المتصدعة وإعادة الثقة المتبادلة بين الأطراف المتخاصمة أو المتناحرة ودفعها إلي مزيد من التفاهم والتناغم, فالتسامح صفة إنسانية عظيمة تسهم في حل المشكلات القائمة وتمنع تطورها إلي مشكلات مستقبلية عويصة, وقد عرف العلماء التسامح بأنه الانصراف الذهني عن الأفكار السلبية كالغضب والغيظ والاستياء والرغبة في الثأر وإيقاع الأذي بالمسيء, لذلك فقد أكدوا ضرورة إنماء الانفعالات والأفكار الإيجابية كالشفقة والمودة والرحمة وتعزيز مشاعر الحب والعطف والسماحة تجاه الذات قبل التسامح مع الآخر. ففي إحدي الدراسات التي قام بها قسم علم النفس بجامعة القاهرة طلب الباحثون من بعض الدارسين استدعاء المواقف السيئة التي سببت لهم آلاما في حياتهم ولم يستطيعوا أن ينسوها, وقد جاءت إجاباتهم وردود أفعالهم أثناء تذكرهم لهذه المواقف السيئة متسامحة تارة وغير متسامحة تارة أخري, وقد ظهرت أعراض سلبية عديدة لدي الأفراد الذين اتسمت استجابتهم بعدم التسامح, منها مرورهم بمشكلات وأمراض نفسية عديدة أبرزها الإصابة بحالات من الاكتئاب ووجود قصور في الكفاءة الاجتماعية وفشل بالغ في مواجهة توقعات الآخرين, كما ظهر عليهم أعراض الإصابة بالعديد من الأمراض منها زيادة الكوليسترول في الدم وضعف كفاءة الأوعية الدموية, وعلي العكس من ذلك فقد لوحظ أن الذين اتسمت إجابتهم بالتسامح يتمتعون بالصحة النفسية والجسمية, وقد فسر الباحثون ذلك بأن التسامح يحافظ علي صحة الإنسان من خلال تخفيض الاستثارة الزائدة للجهاز العصبي السمبثاوي, وقد ارتبط التسامح بالصحة العامة وانخفاض معدل ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم وزيادة كفاءة الأوعية الدموية, وقد أثبتت الدراسات أن للتسامح دورا حيويا وإيجابيا لدي المسنات والمسنين بشكل عام, فهو يحميهم من الإصابة بالزهايمر أو بالاكتئاب ويخفض من إحساسهم بالخزي للتغير الذي طرأ علي ملامحهم بانحسار مرحلة الشباب ويعزز من تقدير ذواتهم ويزيد من مشاعر التفاؤل لديهم, فالتسامح له قيمة عظيمة في حياة الإنسان في مختلفمراحل حياته, وقد ارتبط التسامح ارتباطا وثيقا بمشاعر التفاؤل بما له من قوة حيوية دافعة لتطور الأجيال كما تؤكدد.فاتن صلاح عبد الصادقأستاذ علم النفس جامعة حلوان, فالأفكار الخاصة بالتطور الاجتماعي والاقتصادي والمفاهيم الدينية والسياسية يمكن التنبؤ بها عن طريق التفاؤل والاتجاه بإيجابية نحو المستقبل, وهو حجر الزاوية الذي يمكن الأفراد والمجتمع من تصويب أهدافهم والتغلب علي المحن والصعوبات, ومن هنا نستطيع أن نتساءل: هل آن الأوان أن نكف عن غضبنا؟ وأن نتسامح ونصفح عن كل من آذونا وجرحونا أو نالوا منا؟ وهل نستطيع أن نتصالح ونحول الطاقات السلبية بداخلنا إلي طاقات من التفاؤل للنهوض بهذا الوطن وحتي نحقق المزيد من النجاح؟.. نتمني جميعنا ومن كل قلوبنا ألا تمر هذه الأيام الصعبة إلا وقد أصبحنا جميعا في مصر والوطن العربي- أسرا وشعوبا- متسامحين ومتصالحين ومتفائلين..