علي الرغم من أن الصومال عانت منذ عقدين تقريبا من غياب السلطة المركزية, وانعدام الأمن والاستقرار, فإن جميع الجهود الدولية والاقليمية لتحقيق المصالحة الوطنية قد باءت بالفشل الذريع. وقد حاولت الولاياتالمتحدة عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر بكل ما أوتيت من قوة حرمان تنظيم القاعدة من الحصول علي ملاذ آمن له في الصومال حتي لايتمكن من تهديد مصالحها الحيوية في المنطقة. يبدو ان سياسات التدخل الأمريكية المباشرة وغير المباشرة في الشأن الصومالي منذ بداية التسعينيات قد أدت الي نتائج سلبية, حيث أوجدت حالة من الانقسام في المجتمع الصومالي بين من تراهم الادارة الأمريكية يمثلون قوي الاعتدال من جهة, ومن يمثلون قوي التطرف الاسلامي من جهة أخري. إذا كانت آمال الأفارقة بالتغيير عموما قد تعلقت بالرئيس باراك أوباما اثر فوزه في انتخابات الرئاسة الأمريكية فإنهم وبعد مرور اكثر من عام من وجوده في البيت الأبيض لم يجدوا فارقا يذكر بينه وبين سلفه جورج بوش, وفيما يتعلق بالملف الافريقي لقد آثرت ادارة أوباما السير علي النهج السابق في التعامل مع الصومال من خلال تقديم الدعم السياسي والعسكري لحكومة شيخ شريف بغية تقوية شوكتها ومواجهة حركة التمرد الاسلامي, وبالفعل تم تأكيد هذا التوجه الامريكي تجاه الصومال اثناء لقاء وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مع الرئيس شيخ شريف في اغسطس الماضي, ومع ذلك فإن الصومال لم تتقدم خطوة واحدة للأمام منذ ذلك الحين. في هذا التوقيت المهم أصدر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية تقريرا بعنوان الصومال مقاربة جديدة كتبته خبيرة الشئون الافريقية بالمجلس برونوين بروتون, وقدم له ريتشارد هاس الذي يشغل رئاسة مجلس هذه المؤسسة البحثية المهمة ويطالب التقرير بضرورة تبني استراتيجية أمريكية جديدة تجاه الصومال تقوم علي مفهوم فك الارتباط البناء والقبول بسلطة الإسلاميين في الصومال أي امكانية تأسيس إمارة اسلامية وان كانت بمواصفات أمريكية وربما يعكس ذلك نفس التوجه الذي تتبناه الإدارة الأمريكية تجاه بعض قطاعات المعارضة المسلحة في كل من العراق وافغانستان. وتمثل استراتيجية فك الارتباط إحدي الصياغات المعدلة لمبدأ الاحتواء في أدبيات التفكير الاستراتيجي الامريكي, فالاستراتيجية الجديدة تتضمن مكونا امنيا خاصا بمحاربة الارهاب مع الاشارة الي ضرورة تكاتف الجهود الدولية من اجل السيطرة علي عمليات تدفق الأسلحة الي جماعات المعارضة الصومالية, بالإضافة الي محاولة السعي الحثيث لإيجاد بدائل أخري من داخل الصومال لحركة شباب المجاهدين. وعلي أي حال فإن التقرير يطرح علي إدارة أوباما المقترحات التالية الخاصة بالتعامل مع المسألة الصومالية: أولا: استراتيجية ذات أساس شعبي لمحاربة الارهاب, ولا يعني ذلك مطلقا تخلي الولاياتالمتحدة عن جاهزيتها واستعدادها الدائم لاستخدام القوة العسكرية ضد خلايا القاعدة في الصومال, وإنما يؤكد ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حماية المدنيين, وعدم تعرضهم للخطر وفي هذا السياق يمكن للإدارة الأمريكية استقطاب العناصر المعتدلة وغير المتطرفة من جماعة شباب المجاهدين وهو ما يعني اضفاء الشرعية علي الاسلاميين في الصومال, لكن ذلك لن يتأتي إلا بعد عزل وتحييد العناصر الراديكالية والمتطرفة من الشباب ودعم جهود التنمية والاستقرار في الصومال من خلال الاعتماد علي السلطات التقليدية والعشائرية وتنحية قضايا شكل الحكم وطبيعته في الصومال جانبا حيث انها تفضي دوما الي الانقسام والصراع. ثانيا: بذل الجهود لإشراك الأطراف الإقليمية والدولية في تسوية المسألة الصومالية ليس حكرا علي الولاياتالمتحدةالأمريكية, وهو ما يتطلب ضرورة اشراك العرب والأوروبيين في دعم جهود المصالحة الصومالية واشار التقرير الي ضرورة اشراك الأطراف الشرق أوسطية, إذ ان وجود قوي اسلامية وعربية ينفي مقولة العداء الأمريكي للإسلام, وهي المقولة التي اثرت علي وجه أمريكا في مرحلة ما بعد11 سبتمبر. وكذلك تقويض حركة شباب المجاهدين في كل من ارض الصومال وبلاد بونت, ويدعو التقرير الي ضرورة اظهار مزيد من الدعم الدبلوماسي لهذين الاقليمين بما في ذلك افتتاح مكاتب ارتباط امريكية بهما أو زيارة قطع الاسطول الامريكي لموانيها ومثل هذه الخطوات سوف تعطي اشارة واضحة لشباب المجاهدين بعدم مهاجمة هذين الإقليمين. ثالثا: رفض تسييس مشكلة القرصنة, إذ يتعين علي الإدارة الأمريكية النظر في جميع الخيارات المتاحة لمحاربة القرصنة ولا سيما ما يتعلق بتداعياتها السلبية علي الصومال ومنطقة القرن الافريقي ككل, وعلي سبيل المثال فإن استخدام القوة المفرطة في ضرب معاقل القراصنة قد يؤدي إلي تسييس القضية, وهو ما يعني زيادة التعاطف الشعبي مع القراصنة من جهة وتعريض المصالح الأمريكية للخطر من خلال الدفع بقطاعات واسعة من الصوماليين نحو التشدد والتطرف وذلك من جهة ثانية. وعلي اية حال فإن القراءة المتأنية لهذا التقرير حول الصومال تجد انه يقوم علي افتراضين اساسيين أولهما القول بانهيار نظام الرئيس شيخ شريف أو انه في طريقه للانهيار والافتراض الثاني يتمثل في القول بوجود قيادة معتدلة داخل شباب المجاهدين يمكنها التفاوض حول اقتسام السلطة وايجاد تسوية سلمية للأزمة الصومالية. والملاحظ بالنسبة للافتراض الاول انه غير صحيح فنظام الرئيس شيخ شريف علي الرغم من ضعفه المزمن فهو قائم منذ عام أو يزيد ويحظي بدعم دولي وحماية نحو خمسة آلاف من قوات حفظ السلام الافريقية يعني ذلك اننا امام حالة من التوازن العسكري علي الارض يصعب تغييرها في ظل التحالفات الاقليمية والدولية القائمة ومن جهة اخري فإن الافتراض الثاني يعتمد علي التمنيات, إذ ان واقع الحال يشير الي توجه شباب المجاهدين نحو مزيد من التشدد وهو ما يظهره, اعلانهم عقب احداث اليمن الأخيرة عن تأييدهم لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب ولعل ابرز ما يميز جماعة شباب المجاهدين هو تماسك الهرم القيادي والتنظيمي لها, ورغم كل الانتقادات التي يمكن توجيهها الي هذا التقرير ومقاربته الجديدة حول الصومال فإنه يعكس وبحق ديناميكية وواقعية التفكير الاستراتيجي الأمريكي بشكل عام, انه يبحث في أدوات تحقيق المصالح الأمريكية العليا فتارة يتحدث عن سياسة الاحتواء وتارة أخري يتحدث عن الفوضي الخلاقة وها هو اليوم يتحدث عن فك الارتباط البناء في الصومال فأين نحن العرب من كل هذا؟!