بعد عقود من الصراع المرير, يخرج وزير الخارجية الأمريكي, جون كيري, في نهاية المطاف بحل يبدو شديد البساطة, وان كان مثيرا للسخرية, حيث يبدأ في التعامل مع فلسطين باعتبارها, كعكة صغيرة, سيمنح إسرائيل قطعا كبيرة منها ويمنح أهلها وأصحابها الشعب الفلسطيني, قطعا صغيرة ومتفرقة من كعكات أخري تقع ضمن حدود دول أخري, وبقدر ما يبدو الحل مثيرا للاستفزاز, بقدر ما يوحي حماس كل من كيري ونيتانياهو له, بالمزيد من اليقين, بأننا ما زلنا ننجي حنظل الربيع العربي وانه في وسط حالة الفوضي والانهيار التي دفعت نحوها دول المنطقة, أصبح الوقت ملائما وفق التصور الأمريكي الإسرائيلي, لتحقيق حلم تبادل الأراضي. كانت بوادر تنفيذ المشروع قد اتضحت أثناء فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي, الذي دخل في مفاوضات سرية في واشنطن, ضمنت وصوله إلي الحكم, جوهر هذه المفاوضات كان بيع أجزاء من الأراضي المصرية, في رفح والشيخ زويد, وتوسيع حدود غزة لتلتحم بحدود العريش, مقابل إن تحصل مصر علي أراض في صحراء النقب وممر بري يربط مصر مع الأردن, بالإضافة إلي حزمة تحفيزات أخري, وهكذا يكون قد تحقق حل الدولتين مبدئيا علي الأراضي المصرية, وقد توصلت المفاوضات الشيطانية التي تضمنت كلا من قطر وتركيا, إلي إقناع الرئيس المعزول بمنح500 فلسطيني الجنسية المصرية في أوائل شهور حكمه, مع وعد بضخ استثمارات لمصر تصل قيمتها إلي150 مليار دولار, وقد اتضح شعور إسرائيل بقرب الحل مع وصول مرسي للحكم, حيث أعلن مسئولون إسرائيليون في مؤتمر هرتسليا في مارس2013, قبل اشهر قليلة من عزل مرسي, انه قد اقترب موعد إعلان دول يهودية خالصة, وقد تردد من قبل إن مؤتمر هرتسليا كان قد اقترح مخططا لتقسيم كل من سوريا والسودان والعراق من خلال إنشاء كيانات للأقليات. وفي ظل مناخ من التشكيك, تحولت محادثات كيري الأخيرة, عبر عشر زيارات متلاحقة في الشرق الأوسط, نحو التبلور بشكل أكثر جدية وحيوية سياسيا, علي الأقل من الجانب الإسرائيلي, وهو ما رصدته الصحف الغربية والإسرائيلية, بأنه اقتراب وزير الخارجية الأمريكي, أخيرا من تحقيق اتفاق سلام, يتيح لكيري إن ينال الجائزة التي لم ينالها احد من قبل في تاريخ الدبلوماسية الدولية المعاصرة, ويحقق أخيرا حلمه بان يكون الشريك السوبر وهو الحلم الذي عجز بيل كلينتون علي تحقيقه من قبل. وقد تركز جزء من محادثات كيري الأخيرة, حول قبول الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية, وقبول الإسرائيليين في الجهة المقابلة بحق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم علي أساس حدود عام1967, وفقا لتعديلات تعتمد علي مشروع تبادل الأراضي, وهو المصطلح الذي بدا غامضا في تلك المحادثات, خاصة انه يعني طرد أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني من عرب48 خارج أراضيهم لأنهم ليسوا يهودا, وهي الخطة التي طالب بها منذ سنوات وزير الخارجية افيجدور ليبرمان, التي تضمن التخلص من أعداد كبيرة من فلسطيني48, وكسب المزيد من أراضي الضفة الغربية من خلال توسيع المستوطنات, في حين أكد نيتانياهو انه لا مجال لمناقشة تجميد عمليات بناء المستوطنات, أو تفكيكها. كانت جولات وزير الخارجية الأمريكي, جون كيري, مصدرا جديدا لطاقة من الحماس للاتجاه نحو حل نهائي وفق ما يعرف ب الإطار الأمريكي, للتوصل إلي وثيقة حل نهائية, تمس قضايا الخلاف الجوهرية لدي طرفي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي, وهو ما وصفه كيري بانه الصعود مع كل من نيتانياهو وعباس إلي قمة وادي السلام, ومن اعلي هذه القمة سوف يدفعهم لرؤية كيف سيبدو حل الدولتين حلا ممكنا, وهو ما تسعي واشنطن للتوصل إليه بحلول نهاية شهر ابريل القادم, حيث نهاية الجدول الزمني الذي فرضه كيري علي نفسه من تسعة اشهر وتبنته الإدارة الأمريكية. و يري العديد من المحللين الإسرائيليين, انه حتي ولو كانت طموحات كيري عالية السقف, وربما شديدة التفاؤل بشكل قد لا يكون له صدي علي ارض الواقع, إلا أن ذلك أيضا يصب بشكل مباشر في مصلحة إسرائيل, وهو ما عبر عنه المحلل الإسرائيلي البارز, يوسي بيلين في صحيفة إسرائيل اليوم, حيث كتب أن من مصلحة نيتانياهو مباركة استمرار المفاوضات, حتي وهو يدرك أنها قد لا تفضي إلي أي حلول فعلية, لكن استمرار أمد المفاوضات, يعني ببساطة انه سيتخلص ولو مؤقتا من صداع الانتقادات الدولية والتهديدات بالقطيعة من قبل المجتمع الدولي, وانه في نهاية المطاف إذا انتهت المفاوضات إلي لا شيء كما هو متوقع فانه سيكون من اليسير إلقاء اللوم علي الجانب الفلسطيني وفي نفس الوقت تخلص نيتانياهو من مسئولية عقد مصالحة مع الطرف الفلسطيني, وهو ما ترفضه الأحزاب اليمينية بشدة داخل حكومته الائتلافية. حتي الآن, حرص كيري أن يكون نص الإطار الأمريكي سريا, وان تكون نتائج المفاوضات كذلك سرية, لكن عدة تقارير تشير إلي أن كيري يتجه نحو اتفاق مع إسرائيل علي السماح لها بالإبقاء علي تواجد عسكري لها في وادي الأردن من الضفة الغربية,, وفي المقابل سيقبل نيتانياهو اي اتفاق نهائي سيتم علي اساس حدود1967, وهو العام الذي احتلت فيه القوات الإسرائيلية الضفة الغربية وقطاع غزة. ولهذا لم يكن من المستغرب انه بمجرد انتهاء زيارة كيري الأخيرة, أعلنت إسرائيل خططها لبناء1400 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية, فيما يري المراقبين أن التحرك كان بالأساس بهدف إرضاء دوائر الصقور المتشددين داخل حكومة الليكود, في إطار جولة جديدة من التوسعات الاستيطانية, في كتلة كبري تتوقع إسرائيل الاحتفاظ بها في حال التوصل إلي اتفاق سلام مع الجانب الفلسطيني. وبقدر ما تشكل الأحزاب الدينية معضلة حقيقة أمام تحقيق أي اتفاقات سلام, إلا أن بعض المحللين يعتقدون أنها تاريخيا تبدو أكثر مرونة فعليا مع الحلول التي تقترح الأرض مقابل السلام لكن هنا تحديدا يكمن جوهر القضية, حيث تتبني تلك الأحزاب في المقابل تصورات جنونية لحل الصراع, ببساطة منح أراض من الدول المجاورة, مقابل السلام, مع الإصرار علي استبدال مستعمراتها الاستيطانية في الضفة العربية, بأراض أخري, غير محددة في ظل سرية محادثات كيري الأخيرة, لكنه بشكل أساسي يؤكد علي تهويد الأراضي الفلسطينية مما يعني عملية تطهير عرقي رسمي من عرب فلسطين وإسقاط حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة, مع التخطيط لان تحظي عملية التطهير تلك بقبول دولي, في إطار مشروع تبادل السكان المرتبط بمشروع تبادل الأراضي أو نقل الحدود, الذي يتضمن أيضا ما يعتبر تعديلا للتوازن الجغرافي لصالح اليهود داخل الأراضي الفلسطينية, وتحويل جميع الفلسطينيين المتبقين داخل ما سيتبقي من الضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة عام48, إلي مقيمين مؤقتين في انتظار إعادة نشرهم في مناطق أخري, باعتبارهم عقبة أمام كيان الدولة اليهودية, ولهذا فقد طرحت مؤخرا وبزخم كبير الأراضي الأردنية, باعتبارها جزءا من مساحة فلسطين الجغرافية التاريخية منذ العهد العثماني, ويمكن جعلها تحتوي الفلسطينيين المهجريين الجدد بعد إعادة رسم وتحديد المناطق التي ستضمها إسرائيل من شرق الأردن لسيادتها, وهنا تأتي أهمية المخطط الأمريكي الإسرائيلي, في تقسيم الكيانات السياسية في كل من العراقوسوريا ولبنان, إلي كيانات طائفية واثنية وأقليات, وهو ما تنفذه الآن بدقة الجماعات الإسلامية المتطرفة والتكفيرية والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة وفي كل من العراقوسوريا, وما حاول أن يسعي إليه تنظيم الإخوان في مصر وما تحاول أن تحققه هذه الجماعات التكفيرية الآن في سيناء, علي حدود قطاع غزة بهدف استنزاف القدرات العسكرية المصرية, وإشغال القيادة المصرية عن حماية الأمن القومي والعربي في ظل حالة من تساقط قدرات جيوش كل من سوريا ومن قبلها العراق.