في أكتوبر عام2012 م, صدر كتاب بعنوان' التعليم العالي الدولي' لنخبة من خبراء التعليم العالميين في هولند وبلجيكا وهم دارلا ديردورف وهانس دي فيت وجون هايل وتوني أدم. وكما نعلم فأن نظام التعليم الدولي كما عرفناه تطور كثيرا في السنوات الماضية, فبدلا من اتباع النهج المجزأ بشأن الحراك الطلابي وإمكانية استكمال دراستهم في الخارج اتجه إلي اتباع مفهوم استراتيجي شامل للتدويل, مما يؤثر علي جميع جوانب نظام التعليم العالي. يعتبر هذا الكتاب بمثابة دليل لتدويل التعليم العالي, ويقدم استراتيجيات جديدة لتطويره والتوسع به في السنوات المقبلة, مع تقديم نهج عالمي بلا جدال, هذا الكتاب الرائد يجمع كبار الخبراء من مختلف أنحاء العالم لتوضيح الأهمية المتزايدة للتدويل. ويشمل أيضا تنوع واتساع الحوار في هذا المجال من جميع الجوانب الموضوعية والتأثيرات الإقليمية. يضم الكتاب خمسة أقسام, تغطي مجالات رئيسية هي: السياق المفاهيمي والتاريخي لتدويل التعليم العالي; والطرق المختلفة للتدويل; وكذلك تدويل المناهج الدراسية, وطرق التدريس, وعمليات التعليم والتعلم; وتبادل الخبرات بين الثقافات; وايضا الحراك بين الطلاب والعلماء, والمؤسسات, والمشاريع البحثية, وفي ختام الكتاب ناقش المؤلفون الاتجاهات الإقليمية في مجال التعليم والاتجاه الدولي لمستقبل التدويل في القرن21. ولا شك أن محرري هذا الكتاب استطاعوا جمع مجموعة واسعة من السياقات, والموضوعات, والأطر, والاتجاهات المختلفة, وذلك لمد الجسور إلي المستقبل, حيث جاء الاهتمام بضرورة إقامة شراكة مع الباحثين, ووصف الاتجاهات الحالية وتوفير التحديث اللازم للتطوير. كما أكد جين نايت,( خبير في شئون التعليم وله آراء واسعة النطاق في مجال تدويل التعليم) ضرورة طرح برامج تعليمية لمنح الشهادات المزدوجة وليست المشتركة بين الجامعات. واستعرض جاك لي أهمية تبادل الخبرات بين الثقافات المختلفة, ومناقشة الأسس المنطقية التي تتفق أو تعترض علي مثل هذه البرامج, وكذلك كافة الاتجاهات والبحوث الجارية, وطرح القضايا والتحديات. في أحد فصول الكتاب بعنوان'تقييم النتائج في تدويل التعليم العالي' ذكرت كل من دارلا ديردورف وأديندا فان جالين العديد من الأمثلة الايجابية من جنوب أفريقيا واليابان والعديد من الدول الأوروبية والآسيوية. ويقول جوزيف ميستينهوسر' علينا أن نسعي إلي تدويل عادل للتعليم', يراعي فيها مصالح الدول النامية والحفاظ علي كوادرها العلمية وانتماءاتهم الوطنية, حيث طرح وجهات النظر الأخري مثل تأثير التكنولوجيا ومفهوم المواطنة العالمية سواء علي الطلاب أو المؤسسات, وكذلك إمكانية استكمال الدراسة بالخارج وزيادة أعداد الطلاب والمنح الدراسية وأيضا تقديم كافة الخدمات التعليمية. ويعترف مؤلفو الكتاب أن التنوع المتزايد في مجال تدويل التعليم العالي الدولي يكمن في الممارسة العملية, وكذلك في مجال البحوث. هذه الممارسات مازال يسيطر عليها عدد قليل من البلدان المتقدمة, خاصة في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية. وهناك مناقشات جادة لهذه الاتجاهات والتوجهات المستقبلية علي الصعيد العالمي. جميعها تحكي قصص عن التعليم العالي الدولي في مختلف البلدان والأقاليم في كل من أفريقيا, والصين, والهند, واليابان, وأمريكا اللاتينية, والشرق الأوسط. وهناك العديد من التعليقات الحرجة لمفهوم التدويل وأهمية إعادة تعريفه علي ضوء وجهات نظر أكثر شمولية مع بروز اتجاهات جديدة, جنبا إلي جنب مع تغيير المفاهيم الخاطئة الناشئة في هذا الشأن. يأتي ذلك كجزء من كل متكامل, مع الآخذ في الاعتبار وجهات النظر المعارضة أو المختلفة, وتوسيع هذا النهج الشمولي, في تحديث الاتجاهات الحالية والمستقبلية. والجدير بالذكر أنه في عالمنا المعاصر لم تعد الجامعات ميدانا للتدريس فحسب, بل اتسعت مهامها لتكون مراكز للبحث والتخطيط للمستقبل. لقد أصبح من الضروري أن تقوم الجامعات بدور رئيسي في البناء الاجتماعي, والثقافي وتحقيق التنمية, وأن تتوطد علاقتها بالمجتمع علي كافة الأصعدة, وان تسهم في العمل من أجل تحقيق قدر كاف من الرخاء المادي والمعنوي للفرد والمجتمع, وذلك من خلال تعميق الجوانب الايجابية في الشخصية الإنسانية لمساعدتها في القيام بمهامها الدائمة الشاملة في بناء المجتمع وهو ما يعرف بين علماء الاجتماع والاقتصاد بالتنمية المستدامة. ومن الطبيعي أن تحقيق ذلك لايمكن أن يتم بخلو المجتمع من مؤسسات رسمية وغير رسمية, ومن منظمات مجتمع مدني, ومن هياكل فكرية تتمثل اليوم بالجامعات التي تضم في أروقتها كليات ومعاهد, ومراكز ومؤسسات علمية بحثية واجتماعية وبيئية, يشترك في صياغتها القطاع الخاص مع مؤسسات الدولة. لابد أن نعد أنفسنا للتعامل مع التوجه العالمي نحو تدويل التعليم العالي واقترح طرح مستقبل التعليم العالي في الجامعات المصرية والعربية للحوار الوطني من خلال مناقشة واقع التعليم العالي وسيناريوهات المستقبل وتنمية الإبداع والابتكار والتكامل المعرفي وتطوير أساليب البحث العلمي. مما يهيئ المؤسسات التعليمية والجامعات للتعامل مع التوجهات العالمية للتدويل بما يلائم أهدافنا القومية والتنموية. إن فقدان العلاقة بين الجامعة والمجتمع من شأنه أن يؤثر تأثيرا خطيرا علي تحقيق أهداف ومشاريع التنمية ليس هذا وحسب, بل يعيق ما نسعي إليه من طموحات تستهدف التخلي عن عتبة التخلف, وتخطيها من جهة, وتحقيق التقدم المنشود من جهة أخري. ويتعاظم دور الجامعة, حين يشهد المجتمع عالم متغير بل وسريع التغيير ويواجه تحديات داخلية وخارجية تعرقل نهوضه وتقدمه. لمزيد من مقالات د.محمد زكى عويس