داهمتني ابنة التاسعة بسؤال متشبث بأمل ومفعم بحزن دفين, قائلة هل ستعود مصر الي صديقتي جوليسا التي هاجرت منها قسرا وخوفا من حكم الإخوان؟ وهل ستأتي لتحتفل بأعياد الميلاد المجيد وتعانق الأرض التي ترعرعت تحت سمائها؟ تظاهرت بعدم فهم فحوي ما يجول بخاطرها, وفي الحقيقة لم يكن لدي إجابة شافية تصل إلي عقلها الصغير, وتجعله يتفاءل بغد زكمت فيه أنوفنا برائحة دماء ابناء الدقهلية وعبقت عنان سمائنا بأدخنة انفجارات من كل حدب وصوب, فما يمر به المصريون علي كافة الأصعدة يجعل الأمل ضعيفا في عودة الأقباط المهاجرين, بل ربما يدفع لمغادرة المزيد. وتمنيت بصوت خفيض لم تسمعه الطفلة المتعطشة لصديقتها ألا تعود جوليسا شفقة عليها, حتي لا تنالها يد الإرهاب التي تستهدف الوطن بأكمله عقابا له ممن خرج عن شرعيتهم الزائفة, وحتي لا تلقي جوليسا مصير مريم التي تم وأد طفولتها في حادث كنيسة السيدة العذراء بالوراق, وخشيت أيضا أن تخرج أنفاسها في حادث قدري يشوبه الإهمال الذي يحاصرنا وتتحول براعم طفولتها الي أشلاء لا يستطيع ذووها العثور عليها تحت قضبان قطار لا يرحم من اعترض طريقه, أو بالقرب من سيارة مفخخة. أخفيت علي الطفلة التي تتمني عودة صديقتها في أعياد الميلاد أن الأقباط وكنائسهم, تم وضعهم في خانة حماية أمنية واحدة, مع رجال القوات المسلحة والشرطة, لمنع الإرهاب الأسود من أن يصوب فوهة بركانه وشظايا قنابله إليهم, كما استهدفت بشماتة منذ أيام مديرية أمن الدقهلية بالمنصورة, ويكفي وجود أسماء لكنائس كان مخططا القيام بعمليات ارهابية ضدها في أوراق بحوزة المقبوض عليهم في حادث اغتيال المقدم محمد مبروك والنقيب أحمد سمير. أسرة جوليسا لم تهاجر هربا من مصير قاتم اكتنف حياتنا, بل خوفا أن تكون مرتعا خصبا لكل من يريد من السماسرة الجدد أن يتاجر بها ويستغلها لإحداث فتنة بينها ومن تعايشت معهم علي أرض تمنت أن تتواري في ثراها. وقد أدركت الطفلة الصغيرة سبب هجرة صديقتها, لكنها تألمت عندما شاهدت إحدي السيدات علي قناة الجزيرة ترفع شعار رابعة ومنزعجة من عدم رؤية الإخوة المسيحيين في مظاهراتهم التي تدعم الشرعية وتطالب بها, وتساءلت الطفلة باندهاش هل حقا تخلي أقباط مصر عنها كما يتراءي لتلك السيدة؟ إنها لو شاهدت دموع جوليسا عند مغادرتها البلاد لن تتفوه بتلك الأقاويل. لم يستطع عقل الصغيرة الدفاع عن صديقتها الا بما تكنه من مشاعر, فبراءتها لم تستوعب أن تلك السيدة وأزلامها, تدافع عن شرعية زائفة لرئيس غض الطرف عن وعود براقة قطعها علي نفسه للجماعة القبطية, بل استحق شهادة الأيزو لفشله بجدارة في التعامل مع هذا الملف, وتم تصنيفهم أثناء حكمه مواطنون درجة ثانية داخل بلادهم. ألم تعلم السيدة الإخوانية أن تحت مظلة حكم الرئيس المعزول تم استهداف الأقباط من خلال حملات ممنهجة عبر فضائيات ترسخت في ذهن القائمين عليها فكرة انهم الحق ومن خالفهم باطل, ووجهوا الاتهامات اليهم, وحرموا تهنئتهم بأعيادهم أو حضور احتفالاتهم ومنها تنصيب البابا تواضروس الثاني, وقد كان الهجوم علي الكاتدرائية خير دليل علي ما قاموا به من شحن للأفئدة بالمباركة الرئاسية سواء بالصمت عن خطأ العشيرة أو بعدم إدانة من يخطي في حق شركاء الوطن. الأمر الذي جعل كثير من المسيحيين يفكرون في الهرولة إلي الخارج, خوفا من اضطهاد أنصار وحلفاء الإخوان. هل علمت تلك السيدة أن من تدافع عنهم طالبوا بالتدخل الدولي في قضايانا المصيرية وشحذوا الخارج ضد قواتنا المسلحة, في حين رفض من تناجيهم أي تدخل خارجي بالرغم من حرق كنائسهم وتهجيرهم من قراهم وإسالة دمائهم علي الأرصفة وفي أروقة المحافظات, وجري رفع علم القاعدة علي مطرانيتهم, ومع ذلك وقفوا ضد مخطط التفكيك والانهيار الذي يساق إليه الوطن. لماذا لم تنصح تلك السيدة أقرانها أن يكفوا عن معاقبة المصريين, خاصة الأقباط سرا وجهرا, علي مساندتهم في عزل رئيس كرهتنا وجوه طالعتنا ليلا وتهارا بدلا عنه في فترة حكمه؟ ليتها تكون صاغية الآذان لما قام به بسطاء من الأقباط لجمع الشمل مع المسلمين, بعد أن فشلت الندوات والمؤتمرات ولقاءات تبويس اللحي في ترميم العلاقة المهترئة, فألفوا بأبسط الامكانات أغنية, قاموا بترويجها في الأزقة والميادين بأدوات تقليدية( كالدف والطبلة) بجانب مشاعر صادقة, كلماتها تقول أخويا المسلم عايز أقولك اني بحبك, وكنيستي اللي اتحرقت انا وهو هنبنيها, أنا وإنت بنحب بعض وهنقولها لطوب الأرض. كان الثالث من يوليو الماضي وما تلاه من اصرار للتعايش بين مسلمي مصر وأقباطها بصيص أمل للطفلة جوليسا وغيرها بأن تتدحرج كرة الثلج ويذوب معها جليد من تصدر المشهد في ظل حكم الإخوان بفتاوي غير منصفة واقصاء واضح للأقباط, فتعانق آذان المساجد مع أجراس الكنائس أكثر من مرة, وتبرع رجل برزت بجبهته علامة الصلاة وجاورته امرأة محجبة وغيرها منقبة بالدم لضحايا الكنائس شاهدا قاطعا علي الصلة الوثيقة بين مسلمي مصر ومسيحييها, فكلاهما يسري في أوردته وشرايينه دم مصري يجب أن تكون حرمته علي كل من يستنشق نسائم هذا البلد. لمزيد من مقالات شيرين الديدامونى