هو تلك القوة الكامنة في نفس الإنسان والمودعة في فطرته, وصوت ينبعث من أعماق النفس, آمرا إياها بالخير, وناهيا لها عن الشر, ويشعر الإنسان براحة في طاعة هذه القوة الخفية, وبتأنيب عند عصيانها. إنه الضمير, ذلك المفهوم الأخلاقي الذي غرسه الدين في نفوس أتباعه والذي يقتضي أن يعامل الإنسان ربه, وأن يراقب الله سبحانه وتعالي, وأنه مطلع علي ظاهره وباطنه. ويقول الدكتور رمضان عبد العزيز عطا الله, أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القران, بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر, إن الإسلام نظام عالمي لكل الأزمنة والأمكنة وأي إساءة في استخدام هذا التشريع لا تعود للتشريع نفسه وإنما تعود للأشخاص الذين يسيئون فهمه أو يجهلون أحكامه, فالإسلام أقام دعامته الأولي في أنظمته علي يقظة ضمير المسلم واستقامته ومراقبته لربه, وقد سلك لذلك سبلا متعددة تؤدي, إذا روعيت بدقة وصدق, إلي يقظة ضمير المسلم وعدم إساءته فيما وكل إليه من صلاحيات. وأضاف: إن الضمير له جانبان, أحدهما مشرق, حين يخضع للمبادئ العادلة, والشرائع الربانية, والآخر مظلم حين يخضع للمبادئ الظالمة والفاسدة, التي أملتها وكونتها ظروف البيئات, والتقاليد والموروثات, ويظهر أثر الضمير المشرق علي سلوك الإنسان وتصرفه, فإذا كان الضمير المستقر في النفس حميدا أثمر سلوكا حميدا, وإذا كان الضمير علي خلاف ذلك جاءت نتائجه تبعا له, ويجب علي المسلم أن يشعر شعورا يقينيا بأنه يجد في نفسه من يحكم تصرفاته, ومن يبصره بأخطائه, ويسمي هذا الشعور بالبصيرة, والمراقبة, والإيمان, والخوف من الله, لقوله تعالي:( بل الإنسان علي نفسه بصيرة) سورة القيامة.14 وإذا شئنا أن نسمي هذا الشعور بالضمير فلا بأس في ذلك, شريطة أن يكون نابعا من الشرع, وحارسا لحدود الله, ومانعا للإنسان من مخالفة أوامر الله, فإذا ارتفع الإنسان بشعوره ومراقبته إلي هذا المستوي بلغ أعلي درجات الإيمان, وهي درجة الإحسان. ويؤكد ذلك قول الرسول, صلي الله عليه وسلم, الذي ورد في الصحيحين حينما سأله جبريل عن الإحسان فقال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك متفق عليه ويكفي المسلم أن يشعر أن الله تعالي يعلم ما يفعله العبد من خير, ويطلع عليه ويجازي ويثيب, ليكون ذلك حافزا له علي الإكثار من الخير والاجتهاد فيه. مراقبة الله من جانبه يقول الدكتور جمال الدين حسين عفيفي, أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة, إن من أهم الثمار التي يغرسها الدين في نفوس أتباعه أن يقوي فيهم الوازع الديني الذي يقتضي أن يعامل الإنسان ربه, ويعامل ضميره بغض النظر عما إذا كان هذا الذي سيفعله يراه الآخرون أم لا, فالمراقبة لله سبحانه وتعالي من الأمور التي يجب علي الإنسان المؤمن أن يحرص عليها, وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالي مطلع علي ظاهره وباطنه. وأضاف: إن وضعنا هذا الأمر موضع الاهتمام فإننا سنراعي الله سبحانه وتعالي في أعمالنا, ونقوم بأدائها علي خير وجه, وهذا هو الإخلاص الذي يقتضي من صاحبه أن يعمل العمل ويتقنه لا لشئ إلا لينال به رضا الله سبحانه وتعالي, فالإنسان قوي الإيمان هو أبعد ما يكون عن الرياء, وهو يعلم جيدا أن ثوابه إنما يكون علي قدر إخلاصه وأن الله هو الذي سيتولي ذلك وليس الناس, ومن هنا وجب علينا في هذه الأيام التي كثر فيها الكلام والرياء ومراءاة الناس وعدم الاهتمام بإتقان العمل بقدر الاهتمام بما يحققه من شهرة, فيجب علينا أن نبتعد عن هذه الآفة وأن نخلص في أعمالنا ولا يكون لنا هدفا منها إلا مراقبة الله سبحانه وتعالي الذي هو مطلع علينا والذي هو سيتولي ثوابنا, وإننا إن فعلنا ذلك سوف نحقق النصر والتقدم المنشود الذي نرجوه جميعا في كل أعمالنا, سواء أكانت أعمالا دنيوية أم كانت أعمالا أخروية, وإننا إن ربينا أبناءنا علي مراقبة الله سبحانه وتعالي وعلي الإخلاص والإتقان لأعمالهم فإن هذا سينعكس علي تقدمنا فنصبح من أكبر الدول تقدما لأننا غرسنا في أبنائنا تلك الفضيلة العظيمة التي تقتضي أن يعامل كل واحد منا ضميره وأن يعلم أن الله مطلع عليه, وأنه سيجازيه علي نيته إن خيرا فخير وإن شرا فشر.