اعترفت موسكو بخطأ تقديراتها وعدم صحة ما صدر عنها من احكام بحق ثورة25 يناير التي كان ثمة من اعتبرها مجرد اضطرابات محدودة لن تنال من استقرار النظام ومكانة الرئيس السابق حسني مبارك. في نفس الوقت الذي جنح فيه البعض نحو اعتبارها من تدبير قوي اصولية. وكان يفجيني بريماكوف رئيس الوزراء الروسي الاسبق وعميد خبراء الشرق الاوسط في أروقة السياسة الروسية اعترف ان الثورات العربية ومنها الثورة المصرية فاجأت الغرب مثلما فاجأت روسيا. وقال صراحة لقد تصورنا ان الثورات الاجتماعية ضد الانظمة الاستبدادية باتت جزءا من تراث الماضي ولم ناخذ في حسباننا التطورات التي جرت في العالم مثل تطور الانترنت والاتصالات عبر التليفون المحمول. ولم تكن وجهة النظر الرسمية بعيدة عما اعلنه بريماكوف حيث سرعان ما توالت التصريحات والتقديرات في اطار محاولات مراجعة المواقف وإن تباينت الاراء بقدر تباين مواقف اصحابها. من هذا المنظور اعترف سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية في حديثه الي التليفزيون الروسي بان ما حدث في مصر كان المفاجأة المنتظرة علي حد تعبيره والذي فسره بقوله ان المشاكل الاجتماعية والاقتصادية تراكمت لسنوات طويلة ومنها البطالة والفقر وانخفاض مستوي المعيشة وتدني المرتبات. ومضي لافروف ليقول ان السلطة التي استقرت لعقود طويلة في مواقعها فقدت الاحساس بما يجري حولها. وكان هذا الموقف قريبا من تقديرات ميخائيل ديلياجين المحلل السياسي الذي نقلت عنه صحيفة ازفيستيا قوله إن تلكؤ السلطات في اتخاذ الإجراءات المناسبة, هو الذي أوصل الأمور إلي ما وصلت إليه. وأصبح من الواضح أن الأنظمة الوطنية المعتدلة, والأنظمة المعتدلة التابعة للغرب, التي تشكلت في ثمانينيات القرن الماضي, وواجهت التطرف الإسلامي بشدة, أصبح من الواضح أنها هزيلة. واضاف ديلياجين الي ما سبق من اسباب عوامل الفساد والتحجر البيروقراطي وثقة السلطات المفرطة بصواب مواقفها وحرمة المساس بها الي جانب الاقتصاد غير المنتج, وانعدام العدالة الاجتماعية, وتفشي الفساد والمحسوبية, بالإضافة إلي ضعف كفاءة السلطات علي اختلاف مستوياتها. وفيما انصرفت موسكو الرسمية لمعالجة ما عطب من مواقفها واوفدت وزير خارجيتها الي القاهرة للقاء المشير طنطاوي, كان هناك من يحاول التركيز علي ارتباك الاوضاع في مصر التي ثمة من راح يؤكد انها لا تزال بعيدة عن الاستقرار ولا سيما بعد ان اسفرت الانتخابات البرلمانية عن فوز القوي الاصولية بما يزيد عن ثلثي اصوات الناخبين. وكان لافروف التقي في مقر السفارة الروسية في القاهرة عددا من ممثلي شباب ثورة25 يناير حيث اعلنهم بتقدير القيادة الروسية لارادة الشعب المصري في التغيير. وفي هذا اللقاء صارح لافروف ضيوفه بقوله ان الثورة المصرية أصبحت نموذجا يدرس كثورة شبابية سلمية مشيرا إلي أن روسيا من جانبها ستدعم النظام الجديد وستحرص علي توسيع علاقات التعاون بين البلدين في جميع المجالات وخاصة مجال الطاقة النووية والصناعة وإقامة منطقة صناعية حرة والتي طالب بها شباب الثورة. ومع ذلك فلم تطق موسكو صبرا علي رؤية مبارك المريض الطاعن في السن علي حد قول وزارة الخارجية الروسية في قفص الاتهام لتصدر بيانها الذي اعربت فيه عن قلق موسكو تجاه طلب النائب العام توقيع اقصي العقوبة بحق الرئيس السابق فيما ناشدت القضاء المصري الرأفة به وهو الذي قالت ان تخليه عن السلطة طواعية في توقيت مبكر انقذ مصر من سقوط المزيد من الضحايا. وكان لافروف اعترف لمبارك بالحكمة التي قال انها حالت دون سقوط المزيد من القتلي المدنيين باتخاذ قرار التنحي والتخلي عن سلطاته طواعية في وقت مبكر,في نفس الوقت الذي يحذر فيه آخرون من احتمالات تفاقم الاوضاع واندلاع اضطرابات جديدة في حال اصدار الحكم باعدام الرئيس السابق!. وفيما تجنح الاوضاع في القاهرة نحو التهدئة نجد في موسكو قوي اخري معروفة بتوجهاتها الصهيونية والتقارب مع اسرائيل تقول برأي مغاير مثل يفجيني ساتانوفسكي النائب السابق لرئيس المؤتمر اليهودي الروسي ومدير معهد اسرائيل والشرق الاوسط الذي اشار في مقال نشرته مجلة روسكي ريبورتيور الي: ان الوضع في مصر حاليا كارثي, ومن المستبعد أن يتحسن في المستقبل المنظور, لأن الإسلاميين هناك حصدوا أكثر من سبعين بالمائة من الأصوات. علما بأن ثلث تلك الأصوات من نصيب السلفيين الراديكاليينعلي حد قوله. وهو موقف يقترب من تقديرات صحيفة كوميرسانت التي قالت: ان الأمر في مصر كان ولا يزال أكثر تعقيدا. ذلك أن العسكريين الموالين للرئيس السابق حسني مبارك, يحاولون جاهدين التشبث بالسلطة, ويبدون مقاومة أكثر شدة من مقاومة زملائهم التونسيين. لكنهم بدأوا يخسرون مواقعهم. ولقد تجسدت هزيمتهم في انتصار الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية.