ماذا يفيد الإنسان إذا ربح كاندي كراش.. وخسر نفسه؟ نوارة نجم. لست وحدك: إذا كان أول ما تفعله عندما تفتح عينيك في الصباح هو أن تمد يدك الي تليفونك المحمول لتلعب لعبة تكسير الحلوي المشهورة عالميا باسم كاندي كراش ساجا,, فهناك من يفعل مثلك بالضبط في نفس اللحظة. وإذا كان كل همك هو أن تواصل اللعب بعد ذلك في كل ثانية متاحة: سواء وأنت في طريقك الي العمل أو العودة منه, أو في أي فرصة لا يراك فيها رئيسك, وفي انتظار الاتوبيس, وفي أثناء الأكل, وقبل النوم( هذا لو استطعت أن تقاوم إغراء اللعبة ونمت فعلا). ولو أنك أصبحت في حالة لا تستطيع معها التوقف وتريد أن تلعب تلعب تلعب.. لا تقلق فانت لست استثناء:57 مليونا غيرك( حوالي40 مليونا منهم من النساء!) سبقوك الي الوقوع في هوي ملحمة كاندي كراش التي أزاحت لعبتي الطيور الغاضبة والمزرعة السعيدة بما جعلها اللعبة الأولي في العالم خلال18 شهرا فقط. وبالفعل فإن المسألة تحولت الي جنون أو حمي لا يريد الكثيرون الشفاء منها.. بل إلي ظاهرة عالمية جعلت من اللعبة هوسا جماعيا هنا أيضا في مصر التي تحتل الترتيب29 علي مستوي العالم في عدد اللاعبين. أكثر من335 ألف مصري ومصرية يلعبونها الآن علي الأرجح وأنت تقرأ, ويعترفون بأن كاندي كراش أصبحت النشاط الأهم في يومهم, طبعا علي حساب أي أولويات أخري بما في ذلك مذاكرة الأولاد أو الطبخ أو الخروج مع الأصدقاء أو مشاهدة برامج التوك شو.. وبعضهم لا ينكر أنها تحرك الطفل في داخله وتضعه أمام تحديات لا تنتهي فضلا عن أنها مسلية إلي أقصي مدي. ومع ذلك فلو لم تكن قد سمعت من قبل عن هذه اللعبة لا ألومك.. أنا نفسي لم أكن أعرف عنها أي شيء إلا متأخرا جدا وقاومت الوقوع في حبائلها حتي الاسبوع الماضي. والمؤكد انك أنت ايضا ستجد في كل مكان حولك, مثلما حدث لي, صديقا أو قريبة أو ابنا أو جارة أو زميلا وقد استغرق في اللعب تماما, ولا يستطيع التوقف عن اللعب الا اذا نفدت منه بطارية المحمول أو الي أن تصله امدادات من صديق تمكنه من مواصلة التحدي وكسر مزيد من الحلوي. وربما يحتاج الأمر إلي أن أشركك فيما فهمته حتي الان كمبتدئ, عن طريقة اللعب وقواعده حتي لا نبدو متخلفين عن كل الجموع التي سبقتنا. المطلوب ببساطة لكي تبدأ اللعب, هاتف ذكي, أو حساب علي الفيس بوك أو الاثنان وقدر لا بأس به من الصبر. وما عليك عندما يبدأ تشغيل تطبيق اللعبة سوي أن تنقر بأسرع ما يمكنك علي مربعات الفواكه أو الحلوي المتشابهة, وما أن تجمع3 حلويات أو أكثر من نفس اللون علي خط واحد حتي تنفجر وتختفي. وكلما تمكنت من تحطيم صف منها جمعت نقاطا أكثر تؤهلك مع كثير من طول النفس والدأب والوقت وتكرار المحاولة لأن تتقدم الي المستوي التالي الأعلي في اللعبة( حتي الان هناك544 مرحلة ويتم تحديثها كل اسبوعين). وفي هذا النوع من الألعاب تزداد الصعوبة مع كل مستوي, وتتوقف اجباريا لنصف ساعة عندما تخسر أو تستنفد خمس فرص أو حيوات ولا يمكنك الاستمرار الا اذا اقترضت أو شحذت كما تسمي في اللعبة حياة جديدة من أصدقائك علي الفيس بوك أو اشتريتها من الشركة السويدية المنتجة بحوالي دولار ينضم إلي مكاسبها التي تتجاوز860 الف دولار يوميا يدفعها اناس مثلك لالغاء فترة الانتظار أو لتجاوز مستويات صعبة( مع أن اللعبة نفسها مجانية!). وإذا تأملت أصدقاءك أو معارفك الذين يتفرغون للعبة ليل نهار, ستكتشف بسهولة أن تفاهما ما, علاقة خاصة تجمع بينهم كما لو كانوا أعضاء في رابطة سرية لها مفرداتها التي يفهمونها هم وحدهم مثلما يشتركون في تعثرهم أمام المستويات الصعبة التي يتوقف عندها الجميع أحيانا لأسابيع: المستوي65 أو147 أو..180 أو350 لمن يسعفهم الحظ بالوصول الي هذه النقطة, وهذا تحديدا هو ما جعل مجلة تايم الأمريكية ترصد قبل شهر أن العامل العبقري الأهم في كاندي كراش هو قدرتها علي أن تجعل الجميع لا يستطيعون الاستغناء عنها. ووضعت المجلة يومها ما سمته مقياسا لدرجة التعلق باللعبة من خلال مجموعة اسئلة عما إذا كان اللاعبون يفكرون في اللعبة حتي وهم لا يلعبونها؟ وهل حاولوا مقاومتها؟ وهل يهتمون بها علي حساب عائلاتهم وعملهم؟ ثم هل يلعبونها لانهم في الحقيقة يريدون تجنب التفكير في أشياء لا يريدون التفكير فيها أو يهربون معها من قلقهم وتوترهم؟. وأضيف فقط أن عروسين من أقاربي ممن أدمنوا اللعبة حديثا لاحظا أنهما يحلمان بالحلوي في منامهما ويفكران طول الوقت في الحلول وتتقلب مشاعرهما بين اليأس والفرح مع كل مرحلة يعبرانها.. المشكلة فقط أن الكلام قل بينهما! الي هذا الحد تكتسح اللعبة/ الظاهرة أي أولويات أخري أمامها لتصبح هي المعركة الوحيدة في مصر التي يحقق فيها المصريون انتصارات( أعرف أصدقاء اقتربوا بكل فخر من المستوي450) في معارك يسهرون من أجلها ويفرحون بنتائجها ويتبادلون أخبار فتوحاتهم فيها. لا صوت إذن يعلو هذه الايام فوق كاندي كراش رغم الاحباطات اليومية والضغوط او بسببها, وفي غياب أي أخبار تدخل الفرح علي النفوس باستثناء خبر الثورة في الصيف الماضي, ربما تكون كاندي كراش قد جاءت في وقتها لتسري عنا. ولهذا كله فإنني لا أنوي اليوم أن أنغص علي أحد فرحته بهذه التسلية الجديدة, ولن أكرر المحاضرات المعتادة عن تضييع الوقت والاهتمامات الخطأ والجدية التي يجب ان نأخذ بها أنفسنا في هذه المرحلة الحاسمة( ربما في مقال اخر). وبدلا من ذلك سأقول فقط أن من حق الناس أن يبتهجوا ويلعبوا ويفوزوا( ولو افتراضيا) ليعينوا أنفسهم علي مشقة الحياة والظلال الثقيلة للسياسة. .. أما أنا فلابد أن استأذن الآن لأتابع بدوري خطواتي في المراحل الأولي السهلة لذلك الألم اللذيذ الذي قلب حياة الملايين! لمزيد من مقالات عاصم القرش