في أي حجر جائر تركتكما رائحتكما الطيبة وفي أي حفرة انطفأ نوركما الحاني.. تركتكم ذكري تطلق الرعب والخوف في النفوس وكنتما يوما أنيسا الوحشة.. أي قدر هذا الذي سلبكم الحياة أين توارت صورتكما غادر هذا الرحيل المفاجيء اصبحت اعود إلي الدار لا أجد من يضمني إلي صدره وصرت جذرا مقلوعا ألقي به علي جانب الطريق أين عيونكم هذه لتري وحدتي ولوعتي.. بين هذه الجدران الصامتة خمدت كل الأصوات وتلاشت منها الحياة.. أريد أن أرحل إليكما كلمات بطعم المرارة خرجت من شفاة ترتعد وقلب ينبض حزنا علي فراق عروسين ماتا ليلة زفافهما لتسكن الحسرة صدر الأم الثكلي علي فراق فلذة الكبد وزوجها زهرة الشباب والعمر. كان يعرفها منذ أن كانت طفلة في حجرة أخته تتصايحان تلعبان تذاكران حفظ مع الأيام كل تصرفاتها وكل رد فعل يمكن أن تقوم به, وعندما تفتحت الأنوثة في ملامحها كان قد صار فتي أحلام الكثيرات لكنه أجلها, وكانت هي قد دعت علي ملامحه في ذاكرتها فقد كان غلاما يصحح لها أخطاء الكلام ومد يده إليها بأول رسالة تحمل المستقبل بكلمات ساذجة لكنها صادقة. جاءها صبيا متسع الصدر والأحلام وسرقتهما الحب وكان يفوت علي قلبها كل مساء ويأتيها بأحلي الاشياء وتمنيا لقصتهما أن تكون آخر الحكايات في موسوعة العشق والغرام. انتظر حتي انتهي من دراسته الجامعية وتسابقت خطواته مع خطوات أسرته وطرقوا باب محبوبته وأقسم أن يجعلها أميرة في مملكة الجميلات وازدانت عيناها بلمعة الصبا والجمال وهو يضع يده في يد والدها ويقرأن الفاتحة ويباركان الزواج. كان في عينها كل المعاني الجميلة المستلهمة من الجنة وأرادت الميلاد والموت علي صوره وكأن القدر استجاب لأمنيتها وفي اللحظة الوحيدة التي رقدت فيها علي صوره فارقا الاثنان الحياة. رسمت معه كل خطوط العمر باللون الابيض وزرعت داخله أحلاما وأماني تلهو في شواطئيها السفن وزهورا تحتضن بحورها ومعه تخطت كل مراحل الاحباط والانهيار لم يعنيها راتبه الضئيل وقلة حيلته في توفير شقة الزوجية وتأثيثها, لم ترهبها السنوات السبع وهي تربت علي كتفه وتجرعه الصبر وتنتظر يوم زفافها إليه.. صمت اذنيها وأغلقت عينيها عن كلام أسرتها والحاحهم عليها بفسخ الخطبة التي دامت سنوات ابتلعت شبابها وصباها واقسمت أن تنتظره وتتزوجه حتي لو رحلت كل سنوات شبابها.. رغم فقره وقلة حيلته كانت تراه السيد, كان لها دائما في القمة, لا أحد يقترب من دائرة سطوعه سواها, كان نجما يتألق في سماء حياتها. كان الرجل الأول والأخير في عمر حياتها ولم تدم فرحتها به طويلا سوي ساعات ورحل بحياتها قبل أن تعيش الحياة معه. بعد سبع سنوات من الحب والانتظار.. تعلقت الزينات وانطلقت الزغاريد وتسابقت خطوات الأهل والاصدقاء لتقديم المباركة وكلمات طيبة في لون كلمات الأمر تنطلق من الصدر للعروسين ودعوات باتمام الزواج وكأن القلوب كانت تشعر بالمصير الأسود الذي ينتظر العروسين. طبعت والدة العروس قبلة مقهورة بلوعة الفراق علي وجنتي ابنتها الوحيدة ورشقتها بنظرة محفوفة بالخوف وبسمة مرسومة بلون الرحيل ارتسمت علي وجه العروس وقبله وضعتها علي خد أمها لآخر مرة ودمعة من عينيها سالت حدادا علي عمرها. استقلت العروس السيارة مع من اختطف قلبها وجوارحها وذهبت معه إلي العش الهاديء وسط زغاريد الأهل والاصدقاء. وأطال العروسان النظر لكل ركن في الشقة وكأنها كانت نظرة الوداع الأخيرة وأمسك كل منهما يد الآخر في انفعال وكأنهما يتعاهدان علي الموت سويا بعد لحظات!! وهو ما شاء الله حدوثه عن طريق دخان الغاز الكثيف في الحمام! في اليوم التالي ذهبت أسرة العروسين لمباركة الزفاف وطرقوا الباب وانتظروا دقائق وساعات ولكن طال الانتظار وسكن الرعب القلوب والكل يستعيذ ويستغفر والخطوات تتثاقل ونظرات رعب تشع من الوجوه ولم يجدوا أمامهم سبيلا سوي كسر الباب. كان المشهد أقسي من أن يوصف العروس بين أحضان زوجها وذهبت روحهما إلي السماء. المستشار أحمد البقلي المحامي العام الأول لنيابات شمال الجيزة أمر بدفن جثة الزوجين.