خطاب استقصاء مرسل من جامعة القاهرة إلى إحدى السيدات دفعة 1997 - كلية الإعلام - جامعة القاهرة خطاب في مضمونه يخلو من أي شبهة.. مجرد بضعة أسئلة تحتار معها في مدى أهمية المعلومات التي تستقصى عنها الجامعة، وما هو الهدف في هذا التوقيت من معرفة تلك المعلومات البسيطة.. أسئلة عن سنوات الدراسة، مدى الانتظام في الحضور، أماكن التواجد بالكلية في فترات الراحة بين المحاضرات.. أسئلة من هذا القبيل.. ولكن عندما تعلم أن هذه السيدة المرسل إليها الخطاب اكتشفت إصابتها بمرض نادر من أمراض الدم منذ حوالي خمس سنوات وكما يقول تقريرها الطبي نتيجة التعرض لجرعات إشعاع عالية مما سبب طفرة جينية في النخاع أصابتها بمرض لزوجة الدم المزمنة Essincial thrombo sotosis"" وتعالج كيميائيا منذ اكتشافها لهذا المرض عن طريق الفم يوميا ومدى الحياة.. وأما عن الأعراض الجانبية لهذا العلاج أنه يسبب سرطان الدم في مدة من 5 إلى 10 سنوات بخلاف تأثيره السلبي على القلب والكبد والنظر والجهاز العصبي والجلد.. أي أن المحصلة إنسان متهالك غير منتج هرم في عز شبابه.. نعم أنه قضاء الله ولا اعتراض أبدا علي قضائه.. ولكن ماذا لو علمنا أن الجامعة الأمريكية قد أهدت كلية العلوم بجامعة القاهرة جهاز "محاكي لمفاعل نووي" - أي يحمل بداخله مادة اليورانيوم المشع - في أوائل التسعينيات ويعلم الله وحده لماذا تم إلقاء هذا الجهاز في حديقة خلف كلية علوم بجامعة القاهرة.. وماذا لو علمت أن هذه السيدة المصابة بهذا المرض النادر كانت هي وأصدقائها يجلسون علي هذا الجهاز الملقي في عرض حرم الجامعة.. وحتي تكتمل الصورة فهي ليست الوحيدة المصابة بهذا المرض.. فإن الطبيب المعالج لها يؤكد وجود آلاف الحالات من نفس الفئة العمرية مصابون بأمراض طفرات جينية أيضا نتيجة التعرض لجرعات إشعاع عالية.. هل اكتملت الصورة! هؤلاء الفتية والفتيات يتمنون محاكمة مبارك بأنفسهم وينشدون مع كل طلعة شمس وكل آذان القصاص العادل.. كم يودّون أن يحكم علي مبارك بنفس العلاج الذي يعيش عليه هؤلاء الشباب المرضي مدي الحياة.. أوليس هذا هو العدل! أعلم تماما أن هناك مرضي آخرون سوف يتساءلون.. وما ذنب مبارك؟ إذا لم يكن له ذنب إذا فذنب من هو! أوليس هو المسئول عن رعيته؟ أوليس الإهمال القاتل الذي عشنا فيه طوال عهده ولازلنا للأسف هو أعظم التهم!.. هذا الإهمال الذي خلّف ملايين تعيش أو بالأحرى تتعايش في العشوائيات! وملايين أخري تتعايش تحت الخط الأدنى للفقر.. وأخري تحت الخط الأدنى للجهل! وأخري تتعايش مع المجاري التي تجري تحت أسرّتها بمنازلها!.. وأخري تموت ببطء بمياه الشرب الملوثة!.. إذا حسبنا عدد هؤلاء المتعايشون من إجمالي تعداد الشعب المصري لن يتبقي إلا عدة آلاف يتمتعون بالحياة ليست فقط المرفهة ولكن البالغة الرفاهية! هذا هو نتاج حكم مبارك طوال ثلاثون عاما.. انقراض الطبقة المتوسطة والفجوة العظيمة بين فقرائنا وأغنيائنا.. أوليس هذا نتاج سرقة دم ورزق وصحة الشعب المصري بل وعمره بأكمله.. أنسينا كم المحاولات البائسة للهجرة غير الشرعية! أنسينا كيف يعامل المصري بالخارج! أنسينا أننا وصلنا لمرحلة استشعرنا فيها الخجل والخذي إذا ذكرنا أننا مصريون! أنسينا أن مصر تفوقت بجدارة واكتسبت المركز الأول في حوادث الطرق! أنسينا شهداء طوابير الخبز والغاز! أوليس الإهمال - بافتراض حسن النية - هو ما أوصلنا لما نحن فيه الآن! أما عن تهمة "الانتقام الأعمى" الملقاة جهلا علي أعناق كل من ينادي بمحاكمة مبارك.. فإن العدل إذا ما تحقق بمحاكمة رئيس جمهورية سابق حتي لو عفونا عنه بعد إثبات كل التهم عليه.. ما هو إلا حلم بريء بأن يكون عبرة لمن سيأتي بعده وعبرة لكل مسئول في موقع مسئولية.. فهذا هو الضمان الوحيد للقضاء علي الفساد المتفشي في جميع مؤسسات الدولة.. فهو ليس بانتقام إنما هو الأمل في تحقيق العدل وإقامة دولة قانون تتساوي أمامه كل الرؤوس.. قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه "لو تعثرت بغلة أو ناقة في العراق لخشيت أن يسألني ربي لماذا لم تمهد لها الطريق يا عمر؟" فلم خشي سيدنا عمر الله إذا ما تعثرت ناقة في طريقها؟ لأنه كان يخشي الله في رعيته حتي البغال من رعيته.. كم أتمنى أن تحتل تلك المقولة مكان كل صورة من صور المخلوع في جميع مؤسسات ومكاتب الجمهورية علها تكون تذكرة لكل حاكم وكل شخص في موقع مسؤولية قبل أن يقصر في حق رعيته فيخلع غير مأسوف عليه. المزيد من مقالات ريهام عادل