هذه كانت إجابتي باختصار للسيد نوبوهيسا ديجاوا كبير مذيعي التليفزيون الياباني إن. إتش.كيه. عندما سألني عن كيفية احتفال مصر بالعيد الأول للثورة يوم25 يناير, وقد اقتبست الإجابة من المعني العميق الوارد بعظة قداسة البابا شنودة في بداية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد, الذي تشرفت بتلبية الدعوة لحضوره الاسبوع الماضي, حيث قال البابا: يتساءل الناس.. مصر رايحة علي فين؟ أنا أقول لهم: رايحين للخير والبركة طبعا, لأن السيد المسيح يحب مصر والمصريين. أكتب وقد بدأ العد التنازلي بانتظار يوم25, الذي يريده البعض احتفالا عابرا بنجاح الثورة, فيما يراه آخرون مظاهرة للتذكير بعدم اكتمالها, ويذهب تيار الثوار الرئيسي للدعوة إلي ثورة جديدة طالما تعثرت الموجة الأولي في تحقيق أهداف العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. مظاهر الانقسام والاحتقان والفجوة بين الثوار والمجلس الأعلي شاهدتها بعيني في أثناء الاحتفال بعيد الميلاد المجيد, في حضور القيادات الدينية ورجالات الدولة والمسئولين السياسيين والحزبيين والنقابيين والإعلاميين.. وغيرهم, مما يعمق مشاعر القلق حول الأجواء الملتهبة التي يمكن أن تصاحب الاحتفالات بعيد ثورة25 يناير في ميادين مصر. قلناها ألف مرة, ونقولها, وأكدها غيرنا مرارا, أنه عندما يوجه المصريون الانتقادات لأداء المجلس العسكري, باعتباره القائم بمهام رئيس الجمهورية ويرأس السلطتين التنفيذية والتشريعية, خلال المرحلة الإنتقالية, فإن ذلك لا يمس شعرة واحدة بأي حال من الأحوال من احترام المصريين لجيشهم العظيم, ذخر الوطن وحامي انتفاضته الثورية, وأن المساس بأفراده أو منشآته أو معداته خط أحمر, لكن ماذا لو ترددت صيحات وهتافات في الميدان ضد قيادات المجلس العسكري بين صفوف الحشود المختفلة بعيد الثورة المجيدة يوم25 يناير مثل تلك التي دوت في الكاتدرائية لأول مرة وبطريقة مثيرة للاستغراب والدهشة؟! ففي قاعة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية, وبينما تعالي التصفيق عندما صعدت القيادات السياسية والدينية والحزبية لتهنئة البابا, صدرت في الوقت نفسه صيحات اعتراض بين صفوف الحاضرين علي إشادته بالمجلس العسكري, وعلت هتافات مدوية في أرجاء القاعة من عينة: جاي يقدم التهاني.. هو القاتل هو الجاني.. يسقط يسقط حكم العسكر.. إحنا الشعب الخط الأحمر.. اطلعوا برة.. اطلعوا برة.. المدنية في كلمتين.. فصل البابا عن المشير. وعندما تدخلت فرق الكشافة المسئولة عن تنظيم الاحتفال لمنع المحتجين, زادت صيحاتهم وهتافاتهم, وبالذات, عندما رأوا قائد الشرطة العسكرية, اللواء حمدي بدين يصافح البابا, لأنهم يعتبرونه المسئول الأول عن القوات المتهمة بدهس المتظاهرين في مجزرة ماسبيرو التي قصفت أعمار27 شهيدا. حسنا فعل المجلس الأعلي للقوات المسلحة حينما أعلن أن يوم25 يناير من كل عام سوف يصبح عيدا قوميا للثورة, مثله في ذلك مثل عيد ثورة23 يوليو ونصر السادس من أكتوبر, وإن جاء القرار متأخرا جدا كالعادة, بالضبط مثلما تأخر قرار إقامة نصب تذكاري لتكريم شهداء الثورة بميدان التحرير, والإصرار علي ملاحقة وتشويه صورة الثوار. حسب ترتيبات المجلس الأعلي, فإن احتفال المصريين بالعيد الأول للثورة في ميدان التحرير سوف يقوم به الثوارمن الألف إلي الياء, وكل ما يريده المحتفلون سيفعلونه بدون تدخل من القوات المسلحة أو وزارة الداخلية. قبل بدء الاحتفالات الشعبية والرسمية بالثورة, واضح جدا أن المجلس الأعلي يرغب في تضييق الفجوة وتخفيف أجواء التوتر والاحتقان مع الثوار, خاصة بعد الأحداث الدامية في البالون والعباسية وماسبيرو ومحمد محمود وقصر العيني, المسئول عنها أساسا المجلس العسكري, حيث قال اللواء إسماعيل عتمان مدير الشئون المعنوية إن هناك توافقا علي إزالة الاحتقان, وأن القضاء المصري والنيابة العامة قادران علي إبراز كل الحقائق( لكن دون عجلة) حتي تسير التحقيقات في إطارها الطبيعي بما يرضي الله, وأن كل مسئول عن حدث أو كل فرد متسبب في حدث وأخطأ سوف يحاسب أيا كانت طائفته أو منصبه أو تبعيته, فهل تكفي مثل هذه التطمينات لاحتواء الموقف المتوتر للغاية مع الثوار؟ أعتقد أن الاجتماع الذي عقد في مقر مشيخة الأزهر يوم الأربعاء الماضي, بحضور القوي السياسية والثورية والإمام الأكبر والبابا يصب في الاتجاه نفسه لتضييق الفجوة وتخفيف أجواء الاحتقان والتوتر بين الثوار والمجلس العسكري, شريطة أن يؤخذ في الاعتبار مطالب ائتلافات الثورة الحقيقية, وليست المهجنة في استكمال مسيرة التطهير والتغيير الكامل والشامل لكل أركان وجذور وأبواق النظام الفاسد المستبد. المزيد من مقالات كمال جاب الله