بات من المؤكد أننا أصبحنا أمام واقع سياسي جديد فرضته إرادة الجماهير من خلال أول انتخابات يشهدها الوطن منذ ما يقرب من ستين عاما, يمكن أن نلحق بها صفتي النزاهة والحيدة علي الرغم من بعض الظواهر السلبية التي علقت بها.! الواقع الجديد رسم ملامحه صندوق الانتخابات بعد أن أخرج جماعة الإخوان المسلمين من معتقلات نظام فشل علي مدي سنوات طوال في وأدها لتتصدر قوي التيار الديني السياسي وهي في طريقها إلي قاعة البرلمان لتشكل الأغلبية, بينما فرض علي بقية القوي السياسية علي غير رغبة منها بالقطع دور المعارضة. ومثلما خضعت الأقلية لنتائج استفتاء19 مارس الذي صدر إجراء الانتخابات كأول خطوة في صياغة خريطة طريق إعادة بناء الوطن ونظامه الجديد, فبالتأكيد يجب أن تخضع لما أفرزه صندوق الانتخابات من نتائج شارك في تحديدها المواطن دون تدخل من الحزب الحاكم ومؤسساته الإدارية والأمنية. وإذا كان البعض يري أن الجماعة قد خالفت ما سبق وأن تعهد به بعض قياداتها بأنها ستمد ذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة ليشارك دون أن تغالب في جولات الانتخابات فإن ما يشهده الوطن حاليا يفرض علي الجميع وبخاصة الجماعة باعتبارها صاحبة الأغلبية أن تؤدي فريضة مشاركة الجميع دون إقصاء أو تعال, فنوابها لم يعودوا نواب الجماعة بل نواب الشعب كله. وإذا كانت ألف باء هجائية العمل الحزبي تسمح للأقلية أو المعارضة بأن يكون هدفها كشف وإسقاط الأغلبية فإن ظروف الوطن الآن لا تسمح بذلك, بل تفرض علي الجميع العمل معا من أجل العبور إلي الجمهورية الثانية التي سالت دماء شهداء أبرار لتصبغ علمها الجديد. واقع الحال يؤكد أن الإخوان بدأوا طريقهم من المعتقلات إلي مقاعد الحكم.. من المطاردة إلي المشاركة.. من العمل وسط شريحة من المواطنين تعيش علي هامش مجتمع لم يرحمها وكانت تمثل له ذنبا دعا الله مرارا أن يغفره له فلم يستجب سبحانه وتعالي إلي العمل وسط المجتمع بكل شرائحه وأبنائه.. من دائرة اهتمام مقصورة علي أفراد الجماعة إلي دائرة تتسع لكل من يحمل هوية تؤكد أنه ابن النيل. ظروف الوطن الحالية لا تفرض علي الجماعة فقط ان تعيد صياغة مفردات خطابها الإعلامي للرأي العام لتؤكد احترامها للتنوع الثقافي للمجتمع والتزامها بديمقراطية نظام الدولة وإيمانها بأن الدين لله والوطن لكل من يعيش علي أرضه.. بل تستوجب عليها أن تصيغ عقدا اجتماعيا جديدا بينها وبين المواطن تتعهد خلاله بأن تعمل علي تحويل شعار الثورة حرية.. خبز.. عدالة اجتماعية إلي واقع ملموس. ولأن الجماعة قد امتلكت في يدها صياغة القرار فإن مستقبل الوطن يستوجب عليها تعهدات جديدة تقطعها علي نفسها بألا تنفرد بهذا القرار وأن يكون هدفها بالفعل المشاركة لا المغالبة.. أن تجمع لا أن تفرق.. أن تصون لا أن تبدد.. أن تهجر القضايا الشكلية للتدين لتكون القضايا الحقيقية للمجتمع هي الشاغل الأساسي لنوابها.. فإدارة الوطن تختلف بطبيعة الحال عن إدارة جماعة.. وتحقيق حلم شعب مغاير تماما للاستجابة لرغبة أفراد.. وتنمية اقتصاد دولة تتجاوز حدود الاعتماد علي زكاة أفراد وأمن وطن يستوجب احترام مواثيق ومعاهدات دولية وقعت ولا يحتمل مغامرة أو خطوة حماسية.. وبناء دولة يفرض أن توجه جهود ابنائها إلي الداخل دون أن تمرق إلي خارج حدودها.. وقتها فقط سيشعر الناخب أنه قد أحسن الاختيار..!! [email protected] المزيد من مقالات عبدالعظيم درويش