في مساجدنا نعاني جرأة التنافس علي إمامة المصلين دون أن تتوافر في بعض من يتقدمون لهذه المهمة الجليلة شروط الإمامة المنصوص عليها في السنة النبوية والواردة في كتب أهل الفقه. وفي أماكن العمل والمؤسسات والمصالح الحكومية يتسابق البعض علي إمامة الصلاة, رغم أنهم يمشون بين الزملاء بالنميمة ويتهربون من أداء المهام المكلفين بها, وقد تجد بعضهم يحضرون إلي مقار عملهم للتوقيع في كشف الحضور والانصراف ثم التنافس علي إمامة صلاتي الظهر والعصر والعودة إلي منازلهم دون تقديم أي إنتاج يذكر. يخيل إليهم أن تلك الإمامة شرف وغنيمة ومنزلة بين الناس فيقبلون عليها ويحاولون أن يكونوا من أهلها علي الرغم من أنها وإن كانت كذلك فإنها مسئولية عظيمة سيسأل عنها المرء يوم القيامة ولو علم ما فيها ما تقدم إليها, ولفر منها طالما أنه ليس أهلا لها بل إن من هو أهل لها ومن هو أعظم قدرا وأجل منزلة كالصحابة والصالحين من بعدهم كانوا يفرون من الإمامة ويخافون من تحمل مسئولياتها علي الرغم من أهليتهم لها. وهذا يدل علي عظم شأن الإمامة, وخطرها علي من استهان بأمرها. علماء الدين يؤكدون أن هناك ضوابط وشروطا لهذه الإمامة حتي لا تبطل الصلاة, ومن يتجرأ علي أن يؤم المصلين في المصالح الحكومية, أو في أي مصلي, أو هذه الزوايا, لابد أن يكون قدوة للناس حافظا للقرآن الكريم لا يكذب ولا يدلس ولا يغش, ولا يظلم, وأن يؤدي ما عليه من حق العمل, بالإضافة إلي أنه يجب أن يكون محبوبا من المأمومين, وألا يخالف سلوكه قوله وإلا كان منافقا, ولا تقبل صلاته. ويقول الدكتور رمضان عبدالعزيز عطاالله, الأستاذ بكلية أصول الدين بالمنوفية, إن الإمامة لها أهميتها ومكانتها في الدين ويكفي في فضلها ومنزلتها أن الأنبياء تولوا إمامة أقوامهم, ويقول المولي تبارك وتعالي:( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) وبناء علي ذلك, فإن الذي يتصدي للإمامة ينبغي أن تتوافر فيه عدة شروط, أولها, حفظ القرآن الكريم, ثانيها, العلم بالأحاديث النبوية الشريفة, ثالثها, العلم بالأحكام الشرعية, ليستطيع من خلال معرفته بالأحكام الشرعية أداء الصلاة وافية, وكيف يصدر منه الفعل أو القول في الصلاة, إذا أخطا أو وقع في السهو, وينبغي أن تتوافر في الإمام عدة صفات خلقية لابد منها, أولها الصدق, عملا بقول الله تعالي:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين), التوبة:119]. ثانيا الأمانة, لقول الله تعالي:( إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا), أيضا عدم مخالفة فعله لقوله, وهذه قضية أساسية لابد أن يلتزم بها كل من يتصدي للإمامة أو يتقدم للإمامة في الصلاة, فلا يعقل أن يؤم القوم وهو يقرأ في القرآن الكريم ما يدعو الناس إلي الالتزام بمكارم الأخلاق ثم يخالف هو ما يقرأه في صلاته, وبناء علي ذلك فينبغي عليه ألا يفعل إلا كل ما هو خير, فلا يغش ولا يدلس أو يكذب في عمله, ثم يتقدم لإمامة الناس, لأنه يخالف ما يقرأ في القرآن الكريم, لأن النبي, صلي الله عليه وسلم, قال:( ثلاثة لا تقبل منهم الصلاة وعد منهم من أم قوما وهم له كارهون), والناس لا تكره الإمام الذي يتقدم للصلاة إلا إذا كان سلوكه يخالف قوله. الإمام القدوة من جانبه يقول الدكتور أسامة فخري الجندي, الباحث في شئون الدعوة, إن من أهم الصفات التي ينبغي أن يترسمها الإمام وتكون سمته الدائم أن يكون عدلا ورعا, والعدالة تقتضي ألا يرتكب كبيرة, ولم يلازم ارتكاب صغيرة من الصغائر, فكيف الحال حين نجد من يدفع نفسه للإمامة, وهو من الكاذبين أو ممن يتحايل علي الناس ويغشهم, أو ممن يوقع بين الناس ويفتنهم, أو ممن يظلم الناس ويسلبهم حقوقهم. فلا يصح أبدا للإمام الراتب أن يترك مكانه لمن لا تتوافر فيه شروط العدالة, كيف ذلك والإمام الأصل فيه أن يؤتم به ويقتدي به, فهو القدوة, وسلوكه في حد ذاته دعوة, فالدعوة سلوك يفعل وليس مجرد كلمة تقال. وفي سياق متصل طالب الشيخ عاصم قبيصي إمام مسجد النادي الأهلي, وأمين عام نقابة الأئمة والدعاة الأئمة في المصالح الحكومية الذين يؤمون الصلاة أن يتقوا الله حينما يتقدمون بالناس, فلابد أن يكون الإمام محبوبا, فقد اتفق الأئمة الأربعة علي أنه يكره أن يؤم المسلم قوما وهم له كارهون, وذلك إذا كرهوه بمعني أنه مذموم شرعا بأن يعرف عنه الكذب والفسق أو أنه لا يحسن الصلاة, أو النفاق, أو التزويغ من العمل) وهذه الجزئية لا تنطبق علي الإمام المعين من قبل الحاكم, فهم علماء الأزهر والأوقاف, ودرسوا علوم الشرع والدين وأصبحوا متخصصين في هذا العمل, فهم أولي الناس بالإمامة وأحق بها. الهواة يمتنعون ووصف الشيخ سعد الفقي إمام بوزارة الأوقاف بالدقهلية, الذين يتسابقون ويسارعون للتقدم بالمصلين للإمامة في الزوايا والمصالح الحكومية بالهواة, لأنه ليس عملهم الأساسي( الدعوة إلي الله), وفي حالة وجود إمام يراه الناس مفتقدا لأحد شروط الإمامة فلا بد أن تكون هناك بينة ودليل, ويجب علي كل مصل في المصالح التي ليس بها إمام من الأوقاف أن يصلي خلف من يعرف عنه التقوي والورع, وأن يكون قدوة في عمله, ولو كان هناك إمام من الأوقاف داخل العمل فهو الإمام الراتب ويقدم حتي ولو كان أقل حفظا للقرآن الكريم من غيره, ولأنه موقوف علي هذا العمل في المساجد والمصالح الحكومية, وكل من لا يصلي خلف أي إمام فهو آثم لأنه يدعو إلي الفرقة وإشعال الفتنة بين المواطنين, ولكن علي الهواة في المصالح الحكومية, وخاصة, المنافقين والكاذبين والذين لا يؤدون حق الله في العمل, وأيضا من لا يعرفون أصول التلاوة وكيف يقرأ القرآن أن يمتنعوا عن الإمامة, لأنهم بتقدمهم للإمامة سيتحملون وزرا كبيرا, لا يقدرون عليه يوم القيامة.