كبار السن ثروة يجب الاستفادة منها, وإقامتهم داخل الأسرة أفضل وسيلة للاستفادة من خبراتهم وعطائهم وأيضا المحافظة علي صحتهم الجسمانية والنفسية.. ولكن وإذا حتمت الظروف إقامتهم في دور المسنين فيجب ألا ننساهم, وأن تكون هذه الدور مهيأة لرعايتهم وأن نساعد الدور علي تحقيق ذلك... قبل التعرف علي رأي المتخصصين كان لابد من معرفة رأي المقيمين في هذه الدور وأسباب مجيئهم إليها, خاصة أن دور المسنين أصبحت حقيقة واقعة بعد أن كانت فكرة إنشائها تقابل باستنكار شديد, وكان البعض يراها تعبيرا عن جحود الأبناء ولكن بمرور الوقت ونظرا للظروف الاقتصادية والاجتماعية تغيرت نظرة المجتمع إلي تلك الدور بل اعتبرها بعض الآباء والأمهات وسيلة لتخفيف الأعباء عن أبنائهم خاصة بعد أن تم إنشاء أقسام في تلك الدور للمرضي باستثناء مرضي الأزهايمر, بشرط أن يكون مع المريض تقرير حديث بحالته حتي يتم متابعته وتقدم هذه الدورالخدمات بكل أنواعها النفسية والاجتماعية والترفيهية, وتعتبر الصحية من أولويات هذه الخدمات. السيدة زينب تقول: لدي أربعة أبناء لكل منهم حياته المستقلة, ونظرا للوحدة التي أعاني منها قررت أن أقيم في هذه الدار خاصة بعد أن فشلت في العثور علي خادمة أمينة ومطيعة, وتأقلمت مع جميع النزلاء وأنا سعيدة بالحياة هنا لأنني أجد أناسا أتحدث معهم ويسألون عني وعن صحتي ومشاكلي. أما الحاج أحمد فيقول: حضرت أنا وزوجتي إلي هذه الدار بعد زواج ابنتنا الوحيدة وانشغالها بالعمل وتربية أطفالها, وهي التي دبرت لنا هذا المكان ونحن لم نغضب منها لأننا نعلم مدي انشغالها وصعوبة الحياة الآن. الحاجه سيدة تروي قصتها والدموع في عينها: رحل زوجي ولم يسعني بيت إبني لأن زوجته كانت تفتعل معي المشاكل حتي أترك المنزل, فذهبت للعيش مع ابنتي لكن زوجها سامحه الله كان يشعرني بأنني غريبة وأنه لايأخذ راحته في بيته رغم إنني أساعد في مصروف البيت, فلم أجد أفضل من المجيء إلي هنا حتي أرتاح. ليس الأبناء فقط من يودعون أمهاتهم دور المسنين.. هكذا بدأت السيدة امتثال كلامها, مضيفة: فقد أتي بي زوجي ذو ال75 عاما إلي هنا بعد أن عشت معه45 عاما( ولم يرزقنا الله بأبناء) وتحملت خلالها الكثير حتي وصل إلي أعلي المناصب ولكنه قرر الزواج مرة أخري حتي يعود له شبابه- كما يدعي- فلم يجد بدا من المجيء بي إلي هذه الدار لأن الزوجة الجديد طبعا لاتريد ضره, ورغم أنني أعتبر ذلك خيانة لعمري الذي أفنيته معه إلا أنني أحمد الله أن زوجي يتكفل بمصاريفي. السيد علي أخذ قرار الإقامة في الدار بعد أن كاد يتوفي في إحدي نوبات السكر وهو في المنزل بمفرده بعد أن هاجر إبنه الوحيد إلي استراليا, وفارقت زوجته الحياه منذ خمس سنوات ولم يفكر في الزواج لأنه يعتبر ذلك خيانة لرفيقه عمره. السيدة عائشة هي التي طلبت من أبنائها الذهاب بها إلي الدار نظرا لمرضها والارتفاع الكبير في المرتب الشهري لمن تقوم برعايتها بالإضافة إلي طعامها وكسوتها, وكانت تأخذ أربعة أيام أجازه كل الشهر فكانت تحضر أخري في هذه الأيام بتكاليف أخري أما هنا- وكما تقول- أجد كل الراحة والرعاية البدنية والصحية والإقامة الشاملة تكلفتها أقل مما كنت أدفعه شهريا. د. أحمد يحيي عبد الحميد أستاذ علم الاجتماع جامعة السويس يري أن هذه الدور وسيلة من وسائل حماية كبار السن الذين لايجدون عائلا يخدمهم ويتولي أمرهم ويقوم علي مصالحهم, وغالبا ما يلجأ إليها القادرون ماديا لأنها تحتاج إلي تكاليف كبيرة, وللأسف أن هذه الدور قاصرة علي العواصم الكبري فقط, وهي غير منتشرة في جميع المحافظات, حيث يري البعض وفقا للعادات والتقاليد أنه يعيب الأسرة أن تترك عائلها أو أصحاب السن الكبير في هذه الدور خاصة في صعيد مصر وقري الدلتا. ويضيف أنه قام بزيارة إحدي هذه الدور وكانت أكبر شكوي من النزلاء هي عدم قيام أبنائهم أو أقاربهم بزيارتهم حتي علي فترات متباعدة, وبعض هذه الدور, وإن كانت تقدم رعايه صحية وإجتماعية وثقافية متميزة وتهييء لهم جوا يشبه الجو الأسري إلا أن ذلك لا يعوض الحنان والرعايه التي يحتاجونها, لذلك فإنه يري أن انتشار هذه الدور ضروري لأن ظروف الحياة الآن لاتساعد الأبناء علي تقديم الرعاية الكاملة لكبار السن, بشرط التواصل المستمرمعهم حتي لايشعرون أنهم عبء تم التخلص منه. ويتمني أن تنتشر هذه الدور في كل محافظات مصر وأن يكون بها الميزانيات والرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية, وأن تعمل الدولة علي إنشاء بعضها تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي, وأن يتم نشر ثقافة ترك الكبار فيها مراعاة للمتغيرات التي سادت في الفترة الأخيرة والتي يصعب معها قيام الأبناء بتقديم الرعاية الكاملة واللازمة للآباء والأمهات. أما د.عبدالله النجار الأستاذ بكلية الشريعة فيقول: إن بر الوالدين من الحقوق التناولية, أي إن الإبن لاينظر الجزاء منهم ولكنه ينتظره من الله وهو غير الحقوق التبادليه التي تكون فيها المنافع مشتركة, وأن رعاية المسن نوع من أنواع البر, ولايصح أن يترك الإبن أباه في دار للمسنين لأنه من حقه إحساسه بوفاء الأجيال له, وذلك لأن الأسرة هي بداية حفظ الإسلام لأن تعاليمه يتم غرسها في الفرد من الأسرة, ومن فقة الإسلام أن يخصص الزوج لزوجته مسكنا خاصا بها بعيدا عن أسرته ولكن من الممكن أن يكون مع أسرتها, ذلك لأن المسكن ليس أربعه جدران فقط ولكنه مودة وأنس, ومن الطبيعي أن تأتنس المرأة بأسرتها, وقياسا علي ذلك من الممكن لأهل الزوجة أن يقيموا معها كنوع من البر. ويضيف إنه يجوز عند الضرورة الذهاب بالمسن إلي هذه الدار, فمثلا إن لم يكن عنده أبناء أو كانوا خارج البلاد, بشرط أن يكون ذلك برضاه, تنفيذا لقول الرسول الكريم للرجل الذي جاء يستأذنه للخروج للجهاد فقال له ألك أبوان قال: نعم قال: ففيهما جهاد وإذا ذهب الإبن بأحد الوالدين إلي الدار فيجب التواصل معه دائما وأن يزوره في أوقات الزيارة. د. محمد سمير عبد الفتاح أستاذ علم النفس كليه الآداب جامعة عين شمس وعميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببنها يري أن دار المسنين لاتصلح للمجتمع الشرقي إلا بنسب قليلة لأن هناك ترابطا أسريا وعلاقات صحيحة بين الأسرة الواحدة وعندما تنقطع هذه العلاقات يصاب الفرد بالاكتئاب والأمراض النفسجسمية وهو مرض نفسي والعرض عضوي يصاب فيه المريض بالعديد من الأمراض الجسمية. ويشير إلي أن العلاقات داخل هذه الدور أشبه بالتنظيم الدقيق لم يتعود عليها المصريون, ففيها يتم فرض طقوس محددة عليه لايجد هوي في نفسه أن يستخدمها ورغم التعاطف الشديد الموجود في الدار إلا أن المسن يعتقد أنه فقد علاقة الامتداد الطبيعي وعلاقته القوية بأولاده ويصبح لديه حساسية من جميع الموضوعات التي تدور حوله وخاصة بين الأبناء والأحفاد, ويري أن دوره في الحياة قد انتهي ويشعر بمرارة شديدة عندما يجد أن أبناءه يقومون بنفس الدور الذي كان يقوم به في الماضي. ويقول د.محمد سمير إن المسن من الممكن أن يكون له أدوار متعددة في غاية الأهمية وخاصة في الأسر التي تعمل فيها الزوجة, فيقدم الخبرات وبعض الخدمات البسيطة التي تساعد علي استمرار الحياة, ومن الممكن أن نجد له دورا مثل رعاية الجدة للصغار عند ذهاب الأم للعمل حتي يتم شغل أوقات فراغهم بما يفيد, وبذلك نجد أن الظروف هي التي تتحكم وتلعب دورا مهما في وجود المسن داخل الدار أو خارجها, فعندما يكون المسن وحيدا لايجد من يرعاه أو مايشغله من الأفضل ذهابه إليها.