بدأ الثعلب تلصصه بجولة اكتشف خلالها أن عددا كبيرا من جيرانه يعانون من أمراضهم بغير علاج, لكن كلهم يحملون خوفا شديدا من العقارب والثعابين. تساءل: لماذا لا أعمل طبيبا؟! حولي مخلوقات مسالمة ساذجة من السهل دفعها إلي أي طريق بكلمة معسولة.. إذا وثقوا بي لن يتطرق إليهم الشك في نواياي عندما يختفي ديك هنا أو بطة هناك! في جرأة ارتدي الرداء الأبيض, وحمل سلة بها زجاجات ممتلئة بسائل ذهبي, وجلس بجوار جذع شجرة عجوز بعد أن وضع خلف رأسه لافتة مكتوبة بحروف كبيرة ملونة... قالت الماعزة للكبش عندما قابلته: أخبرني العصفور أبو الفصاد- صاحب الذيل الأسمر الطويل- أن طبيبا مشهورا جاء يعالج أمراضنا. في الحال ذهبا معا يتأملان اللافتة التي تعلن بيانا بالشهادات التي حصل عليها طبيبهم الجديد.. سأله الكبش متشككا: لماذا يقولون عنك إنك مشهور وأنا لم أسمع اسمك من قبل ؟! اتخذ الثعلب مظهر العالم الحريص علي مكانته, وأخرج زجاجة من سلته جعل الضوء ينعكس عن محتواها الذهبي: أنا الذي اخترعت هذا الدواء الذي يشفي من كل السموم, حتي من لدغات العقارب والثعابين. سمع حمار هذا التصريح فتهلل: هذا دواء لم نسمع بمثله من قبل.. اعتدنا إذا لدغتنا عقرب أن نتداوي بمضغ بعض أوراق شجرة الشفاء فينجو البعض ويموت البعض الآخر. أسكته الثعلب وهو يقول في ثقة: دوائي جربه العشرات قبلكم.. إنه سحر يجلب الشفاء للجميع وليس للبعض فقط.. هيا جربوه. ولما لم يكن هناك من يتطوع ليلدغه ثعبان أو عقربة, فقد عاد الحمار يقول في حماس: لا ضرر من الحصول علي عبوة.. وتقدمت الماعزة: وسآخذ أنا أيضا زجاجة دواء وقاية لي ولصغاري. وعندما وجد الكبش ذلك الإقبال علي الدواء السحري الجديد, تخلي عن تشككه وتقدم هو أيضا ليقول: وسآخذ أنا أيضا واحدة. استمتع الثعلب الطبيب بهذا التصديق الجماعي لحكايته, وعلي وجه خاص بعد أن باع كل ما معه من زجاجات دواء. وفي أثناء انصراف كل واحد إلي بيته محتضنا في حرص زجاجات دوائه الذهبي, لم يتنبهوا إلي متسلل متحفز يقترب من الطبيب المخترع, نهش مؤخرته ثم تواري.. تقافز الطبيب وهو يصرخ من الألم: النجدة.. ثعبان أرسله الشيطان عضني.. السم يسري في جسدي.. ساعدوني.. عادت الماعزة مسرعة إلي الطبيب المدعي تطمئنه بما حصلت عليه من دوائه: لا تقلق سيدي الطبيب.. خذ اشرب أيها البارع.. تناول دواءك الشافي فلا تؤثر فيك أقوي السموم. لكن الطبيب البارع المشهور لم يستطع أن يتناول شيئا.. كان قد ارتمي شبه مشلول علي الأرض, عاجزا عن الحركة وهو يتحشرج متأوها: ابحثوا لي عن ورقة من أوراق شجرتكم المباركة التي تقاوم السم.. أسرعوا.. المتسلل الذي عضني جني يغار مني.. لكن قبل البحث, وقبل أن يحضروا له من أوراق شجرتهم الشافية, كان الطبيب البارع المشهور قد أطلق آخر أنفاسه, وأصبح ذكري باهتة تحكيها العجائز للأحفاد..