أمرنا الله تبارك وتعالي بعبادته وتوحيده, وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك, فقال تعالي: وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. وحث الإسلام علي الالتزام بحسن معاملة اليتيم وتأديه حقه إليه, وعلي الإحسان إلي الفقراء والمحتاجين وشكر الله علي نعمه, فقال تعالي: فأما اليتيم فلا تقهر, وأما السائل فلا تنهر, وأما بنعمة ربك فحدث. وجعل رسول الله, صلي الله عليه وسلم, رعاية المريض وزيارته حقا له علي المسلمين, فقال ان حق المسلم علي المسلم خمس وذكر منها عيادة المريض. وتحمل لنا الشريعة الإسلامية الكثير من الأحكام والمبادئ التي تطالب المسلم بمد يد العون والمساعدة والعطف علي كبار السن والمرضي والفقراء والأيتام. وجاء الدستور الجديد معبرا وضامنا لحقوق هذه الفئات دون تمييز أو تهميش, أو تجاهل أو نسيان, وأكد ضرورة رعايتهم والاهتمام بهم ومد يد العون لهم. علماء الدين من جانبهم طالبوا بضرورة تفعيل ما جاء في الدستور الجديد, وأن يكون ذلك من خلال منظومة متكاملة لرعاية هذه الفئات المهمشة. مؤكدين أن ما ورد بمواد الدستور بهذا الشأن يعد متوافقا مع مبادئ الشريعة الإسلامية والتي تأمر بالعطف علي الفقراء ورعاية كبار السن والأيتام. ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, إن مراعاة الدستور الجديد للفئات التي تفتقر إلي رعاية خاصة, يعد أمر في غاية الأهمية, ذلك أن منهم من لا يكون له عائل ومنهم من يحتاج إلي مساعدة علاجية وغير ذلك, ولهذا كان من أوجب الواجبات علي الدولة أن تراعي هؤلاء خاصة بعد أن نص في الدستور علي حقوقهم, ولا ينبغي أن تغفل هذه الحقوق التي وردت بالدستور, بل لابد من تفعيلها وتطبيقها والالتزام بها, لأن الدستور هو المنهج الذي تسير عليه كل مؤسسات الدولة, وأشاد بمواد الدستور التي أنصفت هذه الفئات, من المسنين والفقراء ومحدودي الدخل, وطالب جميع المؤسسات والهيئات بالقيام بالدور المطلوب منهم تجاه هذه الفئة المهمة من أفراد الوطن, لأن ذلك واجب وطني وضرورة لتحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع, فهذه الفئة تحملت الكثير خلال الفترة الماضية, ولابد أن تحصل علي حقوقها كاملة وخصوصا في هذه المرحلة الفارقة التي تمر بها البلاد. واجب ديني من جانبه أوضح الشيخ عبد الحميد الأطرش, رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر, أن الإسلام اهتم بكبار السن والفقراء والمرضي, والشريعة الإسلامية تحمل لنا الكثير من المفاهيم والمواقف التي تطالب المسلم بأن يعطف علي الفقراء والمساكين وأن يرحم الضعفاء, والتكافل الاجتماعي سمة من سمات المجتمع المسلم, مشيرا إلي أن الكثير من الأزمات والمشاكل التي مرت بالمجتمع خلال الفترة الأخيرة, كانت نتيجة عدم رعاية هذه الفئات, ولذلك انتشر الجحود والعقوق في المجتمع وغابت البركة, وظهرت الكثير من المحن والأزمات التي لم يتعرض لها المجتمع قبل ذلك, ولذلك لابد أن نعمل جميعا من أجل عودة القيم والأخلاق التي عاش عليها المجتمع المسلم, وأهمها توقير الكبار ورعاية الفقراء والعطف علي المحتاجين, مشيرا إلي أنه إذا كانت الدولة في الدستور الجديد تحاول أن تنظر إلي كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة, فلابد أن تقوم أولا بالنظر في المعاشات التي يحصل عليها الذين خدموا الدولة عشرات السنين وبذلوا الجهد والعرق من أجل خدمة الوطن, كذلك لابد من توفير الرعاية الصحية لهم, لأن هؤلاء ينفقون الكثير من المعاش علي العلاج, وبالتالي لابد من تطوير منظومة الرعاية الصحية التي تقدم لهم, وعلي كل مسئول أن يضع نفسه مكان هؤلاء وينظر لهم بعين الرحمة, ولابد من تفعيل ما جاء في الدستور الجديد بشأن هذه الفئات. أفضل الطاعات وفي سياق متصل يقول الشيخ أحمد ترك, مدير إدارة المساجد الكبري بوزارة الأوقاف, إن رعاية كبار السن والفقراء والمرضي من أفضل القربات والطاعات إلي الله عز وجل, وناشد الأبناء بضرورة رعاية الآباء والأمهات, لأن بر الوالدين له مكانة كبيرة في الإسلام ويأتي بعد عبادة الله عز وجل, وذلك في قول الله تعالي وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. وأضاف: كل إنسان عليه أن يقدم يد العون لأقاربه المحتاجين والمرضي وكبار السن, لأن الأزمات التي يتعرض لها كبار السن تأتي من الجحود ونكران الجميل من جانب الأبناء والأقارب, ودور المسنين تشهد علي هذا الجحود, وإذا كان الشخص لم يقوم بدوره تجاه الأب والأم, فكيف نطلب منه أن يعطف علي غيرهم, ولذلك لابد أن تعود للأسرة الصغيرة تماسكها وترابطها أولا, وبعد ذلك ننطلق إلي الأقارب والجيران وغيرهم, وليعلم كل إنسان أنه سيحاسب أمام الله عز وجل علي عقوق الوالدين, وسيلقي نفس الجزاء من أولاده.